بعد مرور عام على انطلاق عملية طوفان الأقصى، هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، وهو: هل بعد ما حصل في غزة، وما يحصل في جنوبلبنان واليمن، سيفكر تنظيم ما في مهاجمة إسرائيل هجومًا كبيرًا مرة أخرى بعد وقف الحرب؟ طبعًا يصعب القطع بالجواب الصحيح، لكن غالبًا الجواب سيكون هو: لا. ففي الغالب، بعد أن تضع الحرب أوزارها، لن يفكر أي تنظيم مستقبلاً في الهجوم على إسرائيل هجومًا كبيرًا، لا من غزة ولا من الضفة ولا من لبنان. لماذا هذا الجواب هو الأكثر ترجيحًا؟ بالرجوع إلى التاريخ القريب، نجد أن الخسائر الكبيرة التي تلقاها حزب الله خلال حرب 2006 كانت كافية لردعه طيلة 17 سنة، بحيث التزم هذا الأخير بوقف إطلاق النار تجاه إسرائيل حتى يوم 8 أكتوبر باسم جبهة الإسناد، رغم استمرار إسرائيل في احتلال مزارع شبعا التي تعتبرها لبنان أراضيها باعتراف سوريا. من جهة أخرى، صحيح أن الشعوب عبر العالم بأسره تعاطفت مع الفلسطينيين في غزة، لكن الشعوب الغربية في مجملها تعارض فقط تقتيل الفلسطينيين المدنيين واحتلال أراضيهم في قطاع غزةوالضفة الغربية، لكنها لا تساند حماس أو حزب الله أو أي تنظيم مسلح يدعو إلى إزالة دولة إسرائيل من الوجود ورميها في البحر، وهي الدولة العضو في الأممالمتحدة منذ 75 سنة، أي قبل معظم الدول العربية وقبل حتى إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وألمانيا والنمسا وفنلندا واليابان. كما أن تلك الشعوب الغربية هي بدورها مغلوبة على أمرها أمام أنظمتها فيما يخص التحالفات الجيوسياسية والاستراتيجية لدولها. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تضغط على حلفائها الغربيين (الأنظمة) بسبب تداخل مصالحهم الاقتصادية والعسكرية والأمنية والتكنولوجية معها، ولحاجتهم إليها ضد التغول العسكري الروسي والتغول الاقتصادي الصيني. كما أنها تضغط على حلفائها العرب والمسلمين أكثر بسبب تداخل تلك المصالح وحاجتهم إليها أكثر. ومن جهة أخرى، فهي تقوم بردع حلفاء وأصدقاء روسيا والصين تحت طائلة العقوبات الاقتصادية وربما حتى العدوان والتدمير. لذا فقد أظهرت هذه الحرب بشكل واضح أن أي احتجاجات شعبية عالمية لوقف رد إسرائيل على أي عملية ضدها لا يمكن أن تتحقق، لأن ضغطها على حكوماتها عبر العالم لا يمكن أن يكون أكبر من الضغط الأمريكي على تلك الحكومات. من جانب آخر، فالحرب خلفت حتى الآن أكثر من 42 ألف قتيل فلسطيني وأكثر من 10 آلاف مفقود تحت الركام، مقابل مقتل حوالي 1800 إسرائيلي فقط. كما تم تدمير 75% من البنايات والبنية التحتية لقطاع غزة، والقضاء على معظم قادة حماس وحزب الله الكبار. كما أن إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤهما لا يقبلون، ويبدو أنهم لن يقبلوا بتاتًا، بحكم حماس لقطاع غزة بعد الحرب تحت طائلة الإبقاء عليها تحت الحصار ومنع أية مساعدات أو إعادة إعمار. دون أن ننسى أن إسرائيل خلال هذه الحرب كسرت مقولة أن إسرائيل لا تستطيع خوض حرب طويلة الأمد، ومقولة أن إسرائيل تفعل المستحيل لتفادي قتل الرهائن الإسرائيليين، وأثبتت أن الدعم الأمريكي ودعم معظم الدول الغربية الكبرى لها هو دعم راسخ ومطلق. أمام هذه النتائج التي خلفتها هذه الحرب خلال سنة واحدة، يصعب أن يفكر أي تنظيم، بعد وقفها، في مهاجمة إسرائيل مجددًا على المدى المتوسط، سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية أو جنوبلبنان.