في المغرب هو مفهوم يعكس مجموعة من الآليات المالية والاقتصادية الجديدة التي تهدف إلى زيادة الموارد المالية للدولة وتحسين كفاءة تخصيصها. في السنوات الأخيرة، خاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، أصبح الابتكار في تمويل ميزانية الدولة أمرًا ضروريًا لضمان استدامة الاقتصاد وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها الدول النامية، أصبح من الضروري البحث عن طرق جديدة ومبتكرة لتمويل ميزانياتها. بالنسبة للمغرب، الذي يسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، يُعَدُّ التمويل المبتكر أداة حيوية تمكنه من مواجهة التحديات المالية وضمان تمويل كافٍ للمشاريع التنموية الكبرى. يتزامن هذا التوجه مع التحولات الاقتصادية العالمية التي تدفع الدول إلى البحث عن طرق تمويل جديدة بعيدة عن الوسائل التقليدية مثل الضرائب والديون الخارجية. إضافة إلى ذلك، تأتي هذه الجهود في سياق الإصلاحات الكبرى التي تبناها المغرب لتعزيز الشفافية المالية وتحسين كفاءة الإدارة العامة. يشمل ذلك تحسين تحصيل الإيرادات وتبني آليات تمويل جديدة تعتمد على الشراكة مع القطاع الخاص، فضلاً عن توسيع الاعتماد على الأدوات المالية المتطورة. فكيف يمكن للمغرب الاستفادة من آليات التمويل المبتكر لتعزيز استدامة ميزانيته وتحقيق أهدافه التنموية؟ وما هي التحديات والفرص المرتبطة بتطبيق هذه الآليات في السياق المغربي؟ أولًا: أهم آليات التمويل المبتكر في المغرب يُقصد بالتمويل المبتكر تلك الأساليب الجديدة التي تعتمد على أدوات مالية غير تقليدية لتمويل ميزانية الدولة أو مشاريع التنمية. تتميز هذه الآليات بقدرتها على جذب استثمارات جديدة من مصادر مختلفة وتقديم حلول مستدامة لتحديات التمويل التي تواجهها الحكومات، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة على الموازنة العامة. وتُعَدُّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) من أبرز آليات التمويل المبتكر التي تعتمد عليها الدولة المغربية لتمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة. تتيح هذه الآلية مشاركة القطاع الخاص في تمويل المشاريع مقابل الحصول على حقوق إدارة وتشغيل لبعض الخدمات لفترة معينة. يعد مشروع "نور" للطاقة الشمسية في ورزازات مثالًا بارزًا على نجاح الشراكة بين القطاعين في المغرب، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات تتعلق بتحقيق التوازن بين مصالح القطاعين العام والخاص، وضمان الشفافية في العقود، وتجنب تحميل الدولة مخاطر مالية كبيرة في حال تعثر المشاريع. فدول مثل المملكة المتحدة وأستراليا كانت من الرواد في تطبيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث اعتمدت هذه الآلية في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل الطرق والمستشفيات. حققت هذه التجارب نجاحًا ملحوظًا بفضل الأطر القانونية المتطورة والحوكمة الجيدة التي تم اتباعها. كما أنه في إطار سعي المغرب لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، لجأت الدولة إلى إصدار السندات الخضراء لتمويل المشاريع البيئية، مثل مشروعات الطاقة المتجددة وإدارة المياه والنفايات. يُعَدُّ هذا النوع من التمويل وسيلة لجذب المستثمرين الدوليين المهتمين بالاستثمار في المشاريع البيئية والمستدامة. تعد فرنسا وألمانيا من الدول التي قادت إصدار السندات الخضراء لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية الصديقة للبيئة. وقد ساعدت هذه السندات في جذب استثمارات ضخمة من المؤسسات الدولية والقطاع الخاص. وعلى الرغم من أن المغرب يتبع خطوات مشابهة للدول الأوروبية في إصدار السندات الخضراء، إلا أن حجم السوق والمشاركة الاستثمارية لا يزال محدودًا. يتطلب ذلك تعزيز الوعي بهذه الأدوات وتحفيز المستثمرين المحليين والدوليين على المشاركة بشكل أكبر. بالإضافة إلى التمويل عبر الصكوك، حيث تتوافق الصكوك مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وهي أداة تمويل مبتكرة تستخدمها الدول لجذب استثمارات من الأفراد والمؤسسات المالية التي تسعى إلى تمويل مشاريع متوافقة مع أحكام الشريعة. قام المغرب بإصدار صكوك في الأسواق المالية لتعزيز موارد الدولة وتمويل المشاريع الاستراتيجية. فدول مثل ماليزيا والإمارات العربية المتحدة كانت رائدة في استخدام الصكوك كأداة لتمويل مشاريع ضخمة، حيث استُخدمت الصكوك لتمويل البنية التحتية والتنمية الحضرية بطريقة متوافقة مع الشريعة الإسلامية. هذه الدول طورت أسواقًا مالية قوية وأطرًا قانونية تشجع على استخدام الصكوك. زيادة على ذلك، مع التطور التكنولوجي، أصبح التحول الرقمي أحد أهم العوامل التي تساهم في تحسين كفاءة تحصيل الإيرادات. يساعد التحول الرقمي على تقليل التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية، وذلك من خلال اعتماد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة لتحسين إدارة الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية. تبذل المملكة المغربية جهودًا لتحسين التحول الرقمي في الإدارة المالية، بما في ذلك رقمنة الإدارة الضريبية. إلا أن التحول لا يزال في مراحله الأولى، وهناك حاجة لمزيد من الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وتعزيز الثقة العامة في هذه الأنظمة. ويمكن القول إن العديد من الدول المتقدمة، مثل سنغافورة وإستونيا، طورت أنظمة رقمية متقدمة لتحصيل الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة. أدى هذا التحول إلى تحسين الإيرادات وتعزيز الشفافية المالية. وتماشيًا مع التوجهات العالمية نحو تقليل الانبعاثات الغازية، تدرس الحكومة المغربية إمكانية تطبيق ضريبة الكربون كأداة لتمويل ميزانية الدولة وفي الوقت نفسه تعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر. هذه الضريبة ستدفع الشركات لتقليل بصمتها البيئية، وفي الوقت نفسه ستعزز من موارد الخزينة العامة. كما يمكن للمغرب الاستفادة من فائض الإيرادات بإنشاء صناديق سيادية تستثمر في الأصول المالية المختلفة، مثل الأسهم والسندات والعقارات، لتعظيم العوائد المالية وتكوين احتياطات مالية تساهم في تمويل المشاريع الاستراتيجية. ثانيًا: التحديات التي تواجه التمويل المبتكر في المغرب رغم الجهود المبذولة، يحتاج التمويل المبتكر إلى إطار قانوني وتشريعي واضح يسهل تنفيذه ويعزز من جاذبيته للمستثمرين. يظل غياب بعض التشريعات الملائمة عائقًا أمام تطبيق بعض أدوات التمويل المبتكر مثل الصكوك وضريبة الكربون. كما تتطلب الشراكة بين القطاعين العام والخاص مستوى عاليًا من التنسيق والرقابة لضمان تحقيق الأهداف المشتركة وتجنب تحميل الدولة أعباء مالية إضافية إذا لم يتم تنفيذ المشاريع بكفاءة. وفي حال تطبيق ضريبة الكربون مثلًا، قد تواجه الحكومة مقاومة من بعض القطاعات الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على الصناعات الملوثة. هذا يتطلب إدارة حكيمة لتوازن بين الاستدامة البيئية وتحقيق التنمية الاقتصادية. من خلال الاعتماد على أدوات التمويل المبتكر مثل السندات الخضراء والصكوك، يمكن للمغرب جذب استثمارات دولية تسهم في تمويل المشاريع الكبرى والبنية التحتية. كما تساعد أدوات التمويل المبتكر، خاصة السندات الخضراء وضريبة الكربون، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وهو ما يتماشى مع الالتزامات الدولية للمغرب فيما يتعلق بالتغير المناخي. زيادة على ذلك، يمكن أن يؤدي التحول الرقمي إلى تحسين إدارة المالية العامة وزيادة كفاءة التحصيل الضريبي، مما يعزز من موارد الدولة ويساهم في تحقيق الاستقرار المالي. يُعَدُّ التمويل المبتكر أداة حيوية لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية التي تواجه المغرب في سبيل تحقيق أهدافه التنموية. من خلال آليات مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، السندات الخضراء، الصكوك، التحول الرقمي في الإدارة المالية، وضريبة الكربون، يسعى المغرب إلى تعزيز موارده المالية وضمان الاستدامة الاقتصادية. رغم التقدم الملحوظ، يواجه المغرب تحديات تتمثل في غياب الأطر التشريعية الملائمة، محدودية الاستثمارات في السوق الخضراء، وصعوبة تطبيق بعض الآليات مثل ضريبة الكربون. بالمقارنة مع تجارب دولية رائدة، يحتاج المغرب إلى تطوير البنية التحتية القانونية والمالية، وتحسين الحوكمة، وتسريع التحول الرقمي لتعظيم فوائد هذه الآليات المبتكرة. تعتبر هذه الخطوات ضرورية لتحقيق التوازن بين تمويل المشاريع الكبرى وتعزيز التنمية المستدامة، مما سيسهم في تقوية الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة المغرب في المشهد الاقتصادي الدولي. (*) أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل مكناس