تفاعلا مع الدعوة الملكية في خطاب الذكرى 25 لعيد العرش قصد تحيين "الاستراتيجية الوطنية للماء"، وضعت وزارة التجهيز والماء، خلال يوم علمي نظم اليوم الخميس بالمديرية العامة لهندسة المياه، موضوع "تقييم الموارد المائية: مستجدات، تحديات وتطبيقات" تحت مجهر الدراسة والتحليل، بمشاركة خبراء دوليين ومغاربة، وكذا مؤسسات وطنية ودولية، وباحثين في مجال الموارد المائية. افتتاح اللقاء تم بكلمة مطولة لوزير التجهيز والماء، نزار بركة، أقر فيها بوضوح، أمام جمع من مسؤولي الوزارة والخبراء المائيين الحاضرين/المشاركين من دول متنوعة، بأن "أشغال هذا اليوم العلمي تتناول موضوعا شديد التعقيد وبالغ الأهمية بالنسبة لبلادنا"، وفق تعبيره. وقال مخاطبا المتخصصين والخبراء: "إن حضوركم واستعدادكم لمشاركة معارفكم وخبراتكم معنا أمر قيم للغاية، خاصة فيما يتعلق بموضوع شديد التعقيد، في سياق عدم اليقين المرتبط بالاضطرابات المستمرة في نظام المناخ العالمي". "من أسوأ فترات الجفاف" أكد وزير التجهيز والماء، خلال حديثه، أن "المغرب يمر، اليوم، بواحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخه الحديث"، مبرزا أنه وضع "يؤثر بشدة على احتياطيات ومخزونات المياه بشكل يمس العديد من القطاعات الاقتصادية في البلاد". "لقد شهد المغرب دائما فترات من الجفاف الشديد، مثل تلك التي حدثت في الثمانينات والتسعينات"، يورد بركة مستدعيا كرونولوجيا التاريخ، قبل أن يستدرك بأن "الوضع الصعب الذي نعيشه اليوم، الذي تفاقم بسبب تغير المناخ، يتميز باتجاه تنازلي في هطول الأمطار وكميات تراكمية من الأمطار أقل من المتوسط"، مسجلا أن ذلك نتج عنه "عجز مزمن لم يسبق له مثيل مقارنة بفترات الجفاف الماضية. وبذلك أصبحت بلادنا واحدة من الدول الأكثر تأثرا بالإجهاد المائي في العالم". وقد تم التخطيط لمشاريع هيكلية كبرى وبدأ تنفيذها، بما في ذلك العديد من السدود الكبيرة، ومحطات تحلية مياه البحر، وبرامج إعادة استخدام النفايات المعالجة ومشاريع توفير المياه. كما تم التخطيط لمشاريع إصلاحية. ومع ذلك، يضيف المسؤول الحكومي أنه "نظرا لاستمرار الجفاف، الذي أدى إلى انقطاع التزود بالماء الصالح للشرب في بعض مناطق المملكة، وعملا بالتوجيهات الملكية السامية، تم وضع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب والري بهدف تسريع الاستثمار في قطاع الماء، وتعزيز التزود بالماء الصالح للشرب ودعم الزراعة المروية، خاصة في المناطق الأكثر تضررا من شح ونقص المياه". أولوية وطنية استحضر بركة مضامين الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش لهذه السنة، بقوله إنه "قد أضفى دينامية جديدة على البرنامج الوطني للمياه والماء الصالح للشرب، حيث دعا الملك إلى تسريع تنفيذ البرنامج في مواجهة التحديات المتزايدة التي يفرضها الجفاف وندرة المياه". ولفت إلى وعي وزارته وعملها على تحدي "ضرورة تحديث رافعات السياسة المائية الوطنية باستمرار وتحديد الأهداف الاستراتيجية، مهما كانت الظروف"، وفق توجيهات الملك، بما في ذلك "على الخصوص، ضمان توفير مياه السقي والري بنسبة 80 في المائة، ونسبة 100 في المائة من مياه الشرب في جميع أنحاء المملكة". و"تعكس هذه الأهداف الجديدة الطموحة رؤية للمستقبل يصبح فيها التدبير المتكامل للموارد المائية أولوية وطنية كجزء من التخطيط المستمر والمنسق الذي يشمل جميع مستعملي هذه المادة الحيوية"، حسب تعبير وزير التجهيز والماء. وشدد بركة على أن "التحديات الجديدة التي نواجهها ترسخ أهمية مراجعة سياستنا المائية من أجل تخطيط أفضل لاحتياجات مختلف القطاعات بما يتماشى مع تطور الموارد المائية المتاحة، من أجل مراعاة الحقائق التي يفرضها تغير المناخ في بلدنا بشكل أفضل". وأجمل بأن "عدم الانتظام المتزايد في التساقطات المطرية السنوية وبين-السنوية، وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الظواهر المتطرفة كالفيضانات والجفاف، يتطلب رؤية جديدة لتوصيف وتقييم أفضل لإمكانات الموارد المائية والاحتياجات المائية لمختلف قطاعات الاقتصاد الوطني المغربي". وخلص الوزير إلى أهمية "اليوم العلمي المنظم لأنه فرصة لتبادل وجهات النظر مع خبراء مشهورين دوليا من خلفيات مختلفة حول آخر التطورات العلمية في تقييم الموارد المائية، ومناقشة أساليب التحليل الأكثر صلة بالموضوع، ومشاركة خبراتنا المتبادلة في هذا المجال للمساعدة في توضيح تقييم الموارد المائية بالمغرب". المنظومة الهيدرولوجية عرفت فعاليات "اليوم العلمي حول تقييم الموارد المائية" مشاركة باحثين وخبراء بارزين على الصعيد الدولي، كان أبرزهم دومينيك بيرو، مسؤول بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (OMM) رئيس شعبة الرصد والمراقبة، الذي أكد، في تصريح لهسبريس على هامش اللقاء، أن "ما يجري ويحدث بالمغرب يظل جديرا بالاهتمام، سواء من حيث موجات الجفاف المتوالية أو الأمطار الطوفانية التي شهدتها مؤخرا مناطق الجنوب الشرقي". واعترف المسؤول في المنظمة الأممية للأرصاد ب"المستوى العالي من الخبرات وتراكمها لدى المسؤولين المغاربة عن الشأن المائي، خصوصا بالنسبة للذين يشتغلون في الوزارة"، مثمنا إرادة ولجوء الأخيرة إلى خبرات خبراء وباحثين دوليين "بهدف ضمان احترام المعايير العالمية؛ وهذه مبادرة جيدة". وخلص دومينيك بيرو، ضمن تصريحه لهسبريس، إلى أن "الأهم هو فهم المنظومة الهيدرولوجية في علاقاتها المتشابكة مع تغيرات المناخ وكيفية تطوره، مع البحث لإيجاد تدابير تتأقلم وتتكيف مع الوقت، لأنه من الصعب المجيء بحل وحيد والاعتقاد أنه سينجح في حل المشكلة"، مسجلا "ضرورة التريث خلال فترة طويلة من الزمن لفهم النظام المائي ودينامياته وتداخلاته مع دوام رصده ومراقبته، وهو ما يسمح بأقلمة وتكييف الحلول وفق حاجيات المستقبل". "أقلمة الحلول" أكدت إليزابيث ليكتيفوت، خبيرة مختصة في الهيدروجيولوجيا مديرة "المركز الدولي لتقييم موارد المياه الجوفية" (مقره الأراضي المنخفضة)، أن "هناك العديد من المعارف والمعلومات، لكننا بصدد موضوع غاية في التعقيد والتشابك. لذلك، فإن الخبراء والباحثين مازالوا بحاجة إلى تعميق التقييمات وتحسين المعارف المعتمدة حول الموارد المائية". ولفتت الخبيرة الدولية في تخصص الهيدروجيولوجيا، مصرحة لهسبريس، إلى أن "تغيرات المناخ والضغط على الموارد المائية يضعاننا في مواجهة تحديات وأسئلة لا نعلم أجوبتها دائما"، معتبرة أن "العمل على موضوع الموارد المائية، تقييما وتدبيرا، هو استثمار على المدى الطويل مع تطوير متدرج للمعارف والخبرات". وذكرت إليزابيث ليكتيفوت أن "تدبير الموارد المائية بالمغرب يجب أن يتأقلم ويتكيف مع هذه المتغيرات، كي تكون الموارد أكثر مرونة وصمودا"، ضاربة المثال ب"سنوات وفترات تعرف تساقطات غزيرة تعقبها فترات جفاف وإجهاد مائي حاد".