مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأندلس: جسر التواصل الحضاري بين الشّرق والغرب
نشر في هسبريس يوم 22 - 02 - 2014

يؤكّد الدارسون للتاريخ الإسلامي في الأندلس أنّ التراث العربي الأندلسي هو تراث مستوحى من ينابيع مشتركة، وروافد متداخلة متعدّدة، وإن إختلفت لغاته و عطاءاته طورا، أو تباينت أساليبه وأغراضه أطوارا أخرى، وما فتئت العديد من النصوص، و الوثائق، وأمّهات الكتب والمخطوطات، والأشعار، والآداب، والفنون، والعلوم التي أبدعها كتّاب، وفلاسفة، وعلماء، و شعراء، ومؤلفون أقاموا واستقروا، أو ولدوا و ترعرعوا، بالديار الأندلسية، إلى جانب المعالم التاريخية، والمآثر العمرانية، والقلاع الحصينة، والدور،والقصور،والجوامع والصوامع، والبساتين، والحدائق الغنّاء التي تبهر الناظرين، فضلا عن التأثيرات اللغوية والثقافية، والعادات والتقاليد العربية والامازيغية الحميدة التي تأصّلت في الشعب الإسباني في مختلف مناحي الحياة، كلّ ذلك ما زال شاهدا الى اليوم على مدى الأوج البعيد الذي أدركه الإشعاع الحضاري العربي في شبه الجزيرة الإيبيرية على إمتداد الوجود الإسلامي بها. فهذا الغيث الفيّاض المنهمر والمتنوّع من الإبداعات الرفيعة في مختلف الميادين لا يمكنه أن يحيا و ينمو و يزدهر من لا شئ، أو داخل حدود ضيّقة أومنغلقة، بل إنه ظهر وترعرع وإزدهر ووقف مشرئبا شامخا متفتقا إعتمادا على نبعه الأصيل، وإغترافا من معينه الأوّل وهو التراث الإسلامي العريق وتاريخنا التليد ، و ثقافتنا المميّزة، وموروثاتنا التاريخية والحضارية الثريّة.
لقد شكّلت إسبانيا في الفترة الممتدّة بين القرن الثامن و القرن الثالث عشر جسرا حضاريا متواصلا إنتقل من خلاله هذا الثراء الهائل من المعارف و العلوم التي برع المسلمون في توظيفها و إستخدامها وإستغلالها و التبحّر فيها الى شعوب أروبية أخرى ذات "ثقافة لاتينية مغلقة" كما يصفها مننديث بيدال.
قرطبة...
التي قال عنها الشاعر الأندلسي مشيدا بفضلها على باقي الأمصار الأندلسية:
بأربع فاقت الأمصار قرطبة هي قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزّهراء ثالثة والعلم أعظم شئ وهو رابعها
هذه المدينة التي كانت تحفل بالمكتبات، وأروقة العلم كانت تزيّن خزانة "الحكم المستنصر" بها 861- 976م أزيد من 400.000 مخطوط ،هذا الرجل الذي يقول عنه " بول لين" إنه كان دودة كتب، و الذي يقول عنه " ابن خلدون" " إنه جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله". يكفيها فخرا جامعها الأعظم الذي ليس له نظير فى العالم.
إنّ الندم والتأسّف لابد أنهما قد صاحبا العديد من سكان المدينة من القرطبيين على إمتداد التاريخ حكّاما كانوا أم مواطنين عاديين ، من جراء محاولات إفساد أجمل معلمة حضارية في مدينتهم، بل أجمل المعالم التي شيّدتها يد شريفة في التاريخ وهو "جامعها الأعظم "الفريد من نوعه فى بنائه ، وهندسته المعمارية ، وجماله وروعته.
الملك الاسباني" كارلوس الخامس" (1500-1558) هوالذي سمح من بعيد ورخّص ببناء كاتدرائية وسط هذا المسجد الجامع، و لكنه عندما حضر إلى قرطبة، وقام بزيارة المسجد لأوّل مرّة ورأى النتيجة، نتيجة الصراع إستشاط غضبا و لم يكن في وسعه إلا أن يعلن هزيمة الحزب الذي ساند وأيّد، سجّل له ذلك التاريخ في كلمات مأثورة ومشهورة ومؤثّرة في هذا المقام، قال: " ويحكم ماذا فعلتم ؟! و الله لو كنت علمت ما كنتم تنوون القيام به لما سمحت لكم بذلك، لأنّ الذي شيّدتم هنا يوجد في كل مكان، و أمّا الذي كان موجودا هنا، فهو فريد وليس له نظير في أيّ مكان".
اشبيلية ...
بحدائقها الغناّء ، و قصورها الفيحاء ذات صومعة " الخيرالدا" أخت"صومعة حسّان" بالرباط و"صومعة الكتبية "بمراكش"، و" برج الذهب " أعظم الحصون العسكريّة التي أقيمت فى القرون الوسطى على ضفاف نهر "الوادي الكبير"،وكلّ هذه المعالم المعمارية الخالدة الآنفة الذكر من بناء الموحّدين رحمهم الله ، كانت هذه المدينة بلاطا شعريا ، يضاهي أعظم البلاطات في المشرق العربي وينافسه حيث تألق المعتمد ابن عبّاد وسواه من الخلفاء والشعراء المجيدين..
غرناطة ...
مدينة السحر والعطر، والجمال والظلال ،والمياه المنسابة، والموسيقى الحالمة،بلد الفلامنكو(الفلاح المنكوب) والمواويل ذات النغمات الرخيمة ذات الأصل العربيّ البيّن الذي لا يخفى على أيّ أذن شرقيّة كانت أم غربيّة . بها يوجد "قصر الحمراء" ، معلم فريد طبّقت شهرته الآفاق ، أصبح اليوم من أولى المعالم السياحية والتاريخية وأهمّها فى إسبانيا، بل إنّه يحتلّ المرتبة الأولى ومكان الصدارة بين جميع المعالم والآثار الإسبانية على وجه الإطلاق، وهو يذرّعلى الدولة الإسبانية مداخيل طائلة لا حصر لها، إنّه تتويج لتطوّر الهندسة المعمارية فى الأندلس على عهد بني الأحمر، وهو مدرج ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ 1984. بغرناطة كذلك "جنّة العريف"(إستقرّت هذه الكلمة فى اللغة الإسبانية باسم "ألاريفي" بمعنى العريف أو المهندس المعماري أو الخبيرفى شؤون البناء والتشييد) بهذه المدينة كذلك أحياء ومناطق شهيرة مثل حيّ "البشرات" الذي عرف ثورة الموريسكيين ضد الظلم والعنت و إنتهاك المواثيق، وحيّ "البيّازين"( مربّو ومروّضو وبائعو طائر الباز)، وهو اليوم من أجمل الأحياء العتيقة فى غرناطة.من شعرائها إبن جزيّ، وإبن زمرك، ولسان الدين بن الخطيب صاحب أشهر موشّح أندلسي وهو:
جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلاّ حلما فى الكرى أو خلسة المختلس
سراقسطة...
التي كانت تنافس بقيّة المدن الأندلسيّة الأخرى في الحسن طورا، و أطوارا تباهيها، في الشعر والآداب، والعلوم والفلسفة ، والفلك والرياضيات ، في بلاط أبي جعفر المقتدر مشيّد قصر"الجعفرية" في القرن الحادي عشر الميلادي الذي لا يزال شاهدا ماثلا للعيان على روعة وجمالية المعمار العربي وعلى عظمة العهد العربي الزاهر بهذه الديار حتى الآن.
فالوجود العربي في شبه الجزيرة الايبيرية لم يزدهر فقط في إقليم الأندلس و حسب، بل ان إقليم "أراغون" كذلك الذي يضم عدّة مدن مثل" سرقسطة"،و"طرطوشة "، و" ترويل" و "قلعة أيوب"، و"وشقة" إلخ... عرف فيه الوجود العربي إزدهارا لا يقل أهمية عن مثيله في جنوب اسبانيا. إن مدينة ترويل التي يسمّيها المؤرخون العرب"بتروال" لم تعد المدينة المنسيّة التي يشار اليها فقط على إعتبار المعارك الضارية التي عرفتها خلال الحرب الأهلية الاسبانية 1936-1939 ،بل إنها مدينة على الرغم من عزلتها الجغرافية، تحفل بجليل الآثار العربية التي تتجلى في العديد من المعالم الباقية في المباني، و الآثار.
بني رزين...
ALBARACIN... مدينة " بني رزين" التي تبعد عن تروال حوالي 38 كلم، وتسمّى اليوم ALBARACIN مدينة تحتفظ بمظهرها الإسلامي كما كانت عليه في القرون الوسطى بشوارعها الضيّقة الصغيرة ومبانيها المتراصّة المتداخلة، فضلاعن أبراجها العربية الملامح و السّمات، و هي من المدن القديمة التي مازالت قائمة الى يومنا هذا بعد التغيير الذي طرأ عليها عندما سقطت في أيدي الاسبان بعد نزوح العرب والأمازيغ عنها ، لا يزيد عدد سكانها على بضعة آلاف نسمة،و يرجع إسم هذه المدينة الى القبيلة البربرية "بني رزين" التي عاشت بها و إستقرت في ربوعها في القرن الثالث عشر، و آخر ملوكها حسام الدّولة الرزيني.و تجدر الاشارة الى أنّ هذا الإسم مازال موجودا في المغرب إلى يومنا هذا، فالمارّ أوالمسافر عبر الطريق الساحلي المتوسّطي الرّابط بين مدينتي تطوان والحسيمة يرى صوّة أو علامة فى هذا الطريق تشير إلى قرية بني رزين التي ما فتئ إسمها موجودا بالأندلس تنطقه وتلوكه الألسن من مختلف الجنسيات إلى يومنا هذا المشهود، فضلا عن وجود قرية صغيرة بنواحي مدينة" وزّان" المغربية تدعى " تروال". أما "أراغون" و هو إسم الإقليم ، فانّ هذا الاسم كذلك لا يزال منتشرا في مدينة تطوان المغربية بالذات، وغالب الظنّ فى مدن مغربية أخرى، تحمله عدّة عوائل، وينطق "راغون"، بل إنّ الحضور الإسلامي فى هذه المنطقة ما إنفكّ قائما حاضرا في لهجة القروي، والعامل، و الصّانع، و الفلاح حيث مازالت العديد من الكلمات العربية والأمازيغية الأصل تتداولها الألسن حتى الآن، فضلا عن أسماء الأماكن و المدن والقرى والمداشرالمنتشرة في مختلف بقاع هذا الإقليم الذي كان يعرف بالثغر الأعلى حيث ظل قرونا عديدة هو الدّرع الواقي من زحف المسيحييّن في الشمال.
طليطلة...
التي كانت تغصّ بالمكتبات والتي أصبحت من أهمّ مراكز نشر الثقافة الاسلامية في القرون الوسطى بفضل مدرسة المترجمين الشهيرة بهذه المدينة .
واسطة العقد، كان يؤمّها الطلبة و العلماء و النبلاء من جميع أنحاء أوربا و العالم المعروف في ذلك الإباّن، حيث ترجم بها للعديد من المفكرين و الفلاسفة المسلمين سواء من المشرق أو المغرب مثل الخوارزمي، و مسلمة المجريطي، و ابن رشد، والغزالي إلخ.وكانت طليطلة أولى المعاقل الإسلامية التي سقطت في يد القشتاليين (ألفونسو السادس) في( 1085 ) م (478) هجرية ،وعن ذلك يقول الشاعرعبد الله بن فرج المعروف بابن الغسّال: متحسّرا:
يا أهل أندلس شدّوا رحالكم فما المقام بها إلاّ من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
من جاور الشرَّ لا يأمن بوائقه كيف الحياة مع الحَيَّاتِ في سَفَطِ
أليكانتي...
(من القنت) إليها ينتمي الطبيب المسلم العالم الأندلسي محمد الشفرة، وقد أطلق إسم هذا الطبيب على شارع كبير بالمدينة كما، يتم تنظيم مسابقات علمية بهذه المدينة كل عام حول أعمال هذا الطبيب العربي و إسهاماته في ميدان الطب في زمانه. عاش (محمد الشفرة) عيشة بحث متواصل في ميدان العلوم و النباتات، و تذكرالمصادر العربية أنه كان طبيبا بارعا، كما يؤكد الباحث الفرنسي"لوسيان لوكلير"، في كتابه الضخم "تاريخ الطبّ عند العرب" أنّ محمد بن علي الشفرة لم يكن طبيبا وحسب،بل كان نباتيا كبيرا أيضا يبحث عن النباتات الغريبة و يجمعها بنفسه كيفما كانت صعوبة الأرض ووعورتها. وكان طبيبا لبعض الأمراء و الملوك ، و يملك في مدينة"وادي آش" حديقة نباتية من طراز رفيع يجري فيها أبحاثه و تجاربه.
المنكّب...
وهي مدينة من أصل عربي فصيح، تسمّى اليوم" ألمونييكر" هي ثغرجميل يقع على بعد80 كلم من مالقة و من غرناطة، و أول ما يثير الانتباه في هذه المدينة و يفاجىء الزائر المسلم و يملأه فخرا و اعتزازا هو تمثال عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش) 755-789 م الذي ينطلق شامخا في الفضاء بمحاذاة شاطىء البحر الأبيض المتوسط في عين المكان الذي نزل فيه أرض إسبانيا ووطأ أديمها ، بعد أن تصاهر مع البربر وتزوّج منهم فى قبيلة " نفزة" البربرية بشمال إفرقيا قبيل إنتقاله إلى عدوة الأندلس . و قد تمّ تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية بهذه المدينة حول فنّ العمارة في الأندلس بشكل خاص، والطبّ الأندلسي فضلا عن لقاءات أخرى حول الشعر و الأدب و التاريخ إلخ، والتي تشرّفت بالمشاركة فيها فى العديد من المناسبات.
الوسيلة التي استعملت في نقل هذه الآثار و العلوم و المعارف بشتى فروعها ومجاهيلها وتعقيداتها فهي اللغة العربية التي كانت تعتبر في ذلك الأوان بمثابة اللغة الانجليزية في عصرنا. هذا فضلا عن إبداعات أحدثها المسلمون في طرائق العيش والحياة، و في عالم الفلاحة، و الزراعة، والبستنة، وتصريف المياه، و استعمال الريّ والسقي بتقنيات علمية عالية مازالت متّبعة في بعض الأقاليم الأندلسية حتى الآن، ممّا جعل هذه البلاد جنّة من جنان الله في هذه الحياة الدنيا، كما يصفها غير قليل من الشعراء الأندلسيين. وعن ذلك يقول أحدهم :
يا أهل أندلس للّه ذرّكم ماء وظل وأنهار وأشجار
ما جنّة الخلد إلاّ في دياركم لو تخيّرت هاذي كنت أختار
وقدعرف ميدان الطبّ تطوّرا هائلا، و أجريت في إسبانيا المسلمة عمليات جراحية لإزالة الماء الزرقاء من العيون، كما استعملت الموسيقى لمعالجة بعض حالات التوترّ النفسي، وصنعت النظارات في القرن الثالث عشر بقرطبة، كما أجريت عمليات عن الفتاق و إستخراج الحصىّ من الكلية والمثانة و تقويم العظام المكسورة الخ.
بدون إسلام لا يمكن فهم إسبانيا
يقول الكاتب الإسباني" خوان غويتيسولو" في معرض إعجابه بالمسلمين و تراثهم و حضارتهم و لغتهم :
"إنّ إستيعابي و تمثلي للفضول الأوروبي الشره جعلني أتحوّل شيئا فشيئا الى مواطن إسباني من نوع آخر، عاشق لأنماط الحياة و الثقافات و اللغات من مختلف المناطق الجغرافية.لا ينحصر عشقي وإعجابي وولهي بكيبيدو، أو غونغورا،أو ستيرن،أو فولتير، أو مالارميه، أو غويس،بل يتعدّاه كذلك الى إبن عربي، وأبي نواس، و ابن حزم،و إلى التركي جلال الدين مولانا، إن هناك عوامل إيجابية، وطاقات إبداعية هائلة مختلفة من كل نوع.
فعندما يكلف ألمرء نفسه عناء تعلم لغة صعبة جدّا مثل اللغة العربية و قد ناهز السبعين من عمره، فانه ينبغي أن تكون هناك دواع عميقة جدا لذلك، و الحقيقة أنّ الدواعي موجودة. فأنا أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الاسبانية و هضمها بشكل شامل ودقيق دون إستيعاب التراث الإسلامي، و معرفة الثقافة العربية،وكلما دخلت في هذه الثقافة،تأكد لي بشكل جليّ قيمة وأهمية ما ورثناه عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية"
ما فتىء هذا الكاتب يثير ردود فعل متباينة في الأوساط الأدبية و الثقافية الاسبانية، بكتبه أو مقالاته التي لا تخلو من نقد لاذع للمجتمع الاسباني، و للمثقفين الإسبان بشكل عام، ورميهم بروح الإنغلاق وعدم تفتّحهم على ما يدور حولهم من تظاهرات وتحركات ثقافية خاصة لدى جيرانهم العرب والدّور الكبير الذي إضطلعوا به خلال وجودهم با لأندلس، و إيمانه القويّ في مقدراتهم الإبداعية، وعطاءاتهم الثرّة في مجالات العلوم على إختلافها، وفي حقول الآداب والشعر والفكر والفلسفة والموسيقى والمعمار، ، ودعوته المتواصلة الى إسدال ستائر الحقد والضغينة وإزاحة حجب التجاهل والتنافر و التنابذ، والتعرّف عن قرب على ما يجري في البلدان العربية من غليان فكري، ونهضة ثقافية،وتطوّر حضاري في مختلف الميادين.
إنه يشير في هذا الصدد :" إنّ الدفاع عن التعدد الثقافي والتنوّع الفكري أو تعدّد قنوات الثقافات القائمة في محيط بلد ما، شيء، وإقامة حواجز بين هذه الثقافات وتصنيفيها في حيازة فرضيات ذات مضامين معينة وطنية أو محلية، شيء آخر مخالف للسابق. إنّ ثقافة من هذا القبيل منكمشة على نفسها لهي ثقافة منكرة لوجود سواها من الثقافات وإشعاعاتها، فالتزوير المتعمّد للماضي التاريخي، و تشذيب أو حذف أو التغاضي عن كل ما هو أجنبي من الثقافات، من شأنه أن يفقر أو يفسد الحقيقة في حدّ ذاتها. كما أنّ ذلك يشكل حاجزا يقف حجر عثرة في سبيل التداخل المتناغم للثقافات. إنّ المثال الأعلى للفكر التعدّدي هو أن يكون فكرا متقبلا ومفتوحا خلاقا. وإنطلاقا من هذا المفهوم، فإنّ النيّة المبيّتة التي تجرد جميع تلك المعطيات من عناصرها الصالحة بشكل تعسّفي لهوية وطنية مّا لهي نيّة تتسم بنظرة ضيقة وهامشية، ذلك أنّ تاريخ أي شعب إنما هو خلاصة التأثيرات الخارجية التي إستقبلها وهضمها، وإسبانيا خير مثال للبلدان التي إستفادت بشكل إيجابي مباشر وكبير من الحضارة العربية التي تألقت وازدهرت،وبلغت أوجها فوق ترابها زهاء ثمانية قرون ونيّف من العطاءات الثرّة والخلق والإبداع في مختلف مجالات الحياة ".
الحديث عن الأندلس يحلو و يطول، و التاريخ لا يقرأ في هنيهة، إنّ الزّائر العربي للأندلس لأوّل مرّة يروعه ما يرى، إنه يلمس تاريخه حيّا نابضا قائما في كل مظهر من مظاهر الحياة الاسبانية، ودراسة هذا التاريخ و التعمّق فيه و إستخراج العناصر الصالحة منه أمر لا مندوحة لنا عنه، الإسبان تفطنوا لهذا وهم يبذلون جهودا محمودة لمعرفته، والتعريف به في كل مناسبة لنشر هذا الوعي وتأصيله لدى أبناء طينتهم ليكون المستقبل الذي نتوق اليه مستقبل تعاون وتآزر، و تفاهم و تقارب، بين ماض عريق، و حاضر مشرق، ولعمري إنّ لفي ذلك تجسيدا و تجسيما لذلك العهد الزاهر الحافل بالعطاء الثرّ ، والتعايش والتسامح، والإشعاع الثقافي والعلمي الباهر الذي شكّل جسرا حضاريا متواصلا بين الشرق والغرب، وبين مختلف الأجناس، والإثنيات ،والملل، والنحل، والديانات فى هذا الصّقع الجميل من العالم "الأندلس" الذي غدا بجرسه الموسيقي الآسر، وسلاسة نطقه الساحر فى أعين الناس ، كلّ الناس ، على إمتداد العقود والأحقاب عقدا فريدا لثمانمائة من حبّات العقيان، وخرزات الجمان ترصّع جيد الزمان.وهو موضوع مقالنا المقبل بحول الله .
*عضو الاكاديمية الإسبانية - الأمريكية للآداب والعلوم (بوغوطا)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.