بعيد مقتل قاسم سليماني، الذي كان يد خامنئي التي يبطش بها، توعد مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيان له من يقف وراء عملية اغتيال القائد السابق لفيلق القدس ب"الانتقام القاسي". وهو البيان الذي روَّجه، على نطاق واسع، الجيش السيبراني للنظام الإيراني على صفحات الشبكات الاجتماعية مبشرين بقرب موعد الانتقام. لم تمر سوى ثلاثة أيام حتى نفَّذ الحرس الثوري ضربات صاروخية على قاعدة عين الأسد الأمريكيةبالعراق، معتبرين ذلك تحقيقًا لوعيد "الانتقام القاسي". ثم تحركت الآلة الإعلامية الإيرانية الرسمية لتضخيم هذه العملية، واصفة إياها بالهجوم العسكري المباشر على المواقع الأمريكية الذي كبَّد الأمريكيين خسائر فادحة. الهجوم الذي تحدث عنه خامنئي في خطابه الشهير بمدينة قم، وقال بأنه كانت مجرد "صفعة" للأمريكيين. كما ادعى قائد قوات الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، بأن هذا الهجوم "أربك حسابات الأمريكيين". لم تحقق الضربات الصاروخية على المواقع الأمريكية في العراق خسائر ذات بال، غير أنَّ إيران أوقعت انتقامها القاسي بالإيرانيين بعدما استهدفت الطائرة الأوكرانية بصاروخين وقتلت جميع ركابها البالغ عددهم 176 راكبًا. إثر ذلك ترددت عبارة "الانتقام القاسي" من الأمريكيين، وخاصة من دونالد ترامب، على ألسنة القادة الإيرانيين في أكثر من مناسبة؛ إذ صرَّح رئيس إيران آنذاك، حسن روحاني، بأنه يجب على أمريكا أن تنتظر انتقامًا قاسيًا، كما صرح وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، بأنَّ العملية الأمريكية لن تمر من دون عقاب. فضلا عن المسؤولين الحكوميين كرَّر كبار قادة الجيش والحرس الثوري كلام خامنئي، وهددوا ترامب وباقي المسؤولين الأمريكيين بالانتقام القاسي، وطالبوا بمغادرة القوات الأمريكية المنطقة. وفي هذا السياق جاء كلام حسن روحاني في خطابه للأمريكيين: "كما قطعتم يد جنرالنا سوف نقطع أرجلكم من المنطقة". لكن لم تمض سنة واحدة على توعد إيرانأمريكا والغرب بالرد القاسي حتى تم اغتيال محسن فخري زادة، مدير منظمة الابتكار والأبحاث الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية. وكان رد إيران ترديد نفس الأسطوانة؛ الوعيد والتهديد. وفي الذكرى السنوية الأولى لاغتيال سليماني جدَّد خامنئي وعيده وقال بأن الانتقام من منفذي العملية والآمرين بها آتٍ لا محالة مهما طال الزمن. وفي الذكرى الثانية لاغتيال قاسم سليماني هدَّد مرشد إيران دونالد ترامب ب"العقاب في الدنيا". ثم تواصلت تصريحات التهديد والوعيد إلى أن كشفت صحيفة البوليتيكو في أواسط شتنبر 2020، في تقرير لها نقلا عن المصادر الأمريكية، بأن إيران أعدت مخططًا لاغتيال سفيرة أمريكا بجنوب إفريقيا كرد على اغتيال قائد فيلق القدس السابق. غير أن قائد الحرس الثوري خرج بتصريح يخاطب فيه الأمريكيين، ونفى فيه أن يكون هدفه هو اغتيال سفيرة أمريكا بجنوب إفريقيا، وأكد على عزم إيران الانتقام ممن كان له يد في عملية الاغتيال. وأن هذا التهديد يجب أن يأخذ على محمل الجد. بعد ثلاثة أشهر من هذا التهديد الصارم نشرت شبكة الجزيرة تقريرًا يفيد بأنه من المحتمل أن تقوم وحدة سرية تابعة لحزب الله اللبناني، تتلقى أوامرها مباشرة من حسن نصر الله، بعمليات انتقامية من أمريكا. في ذات السياق صرّح إبراهيم رئيسي، وكان وقتها يشغل منصب رئيس السلطة القضائية، بأن "المتورطين في جريمة اغتيال الجنرال سليماني لن ينعموا بالأمان في الكرة الأرضية، وسوف يتجرعون انتقاما قاسيا تحدد المقاومة مكانه وزمانه". فيما بعد اتخذ "الانتقام القاسي" للجمهورية الإسلامية من أمريكا أشكالا أخرى حسب تصريح نائب قاد الحرس الثوري الذي أفاد بأن "الحرس يدرس استراتيجيات أخرى مختلفة للانتقام لسليماني". وصلة بذلك قال قائد الحرس الثوري جوابًا عن سؤال مقدم برنامج تلفزيوني لماذا تأخر الانتقام القاسي، قال إن الانتقام له ظروفه الخاصة، وتنسحب هذه الشروط على الزمان والمكان والآلية والفرصة. كما صرح قائد القوات البحرية بأن إيران هي من تحدد زمان الانتقام وجغرافيته. ورغم كل هذه التصريحات والتهديدات من القادة السياسيين والعسكريين في إيران إلا أنَّ أحدًا منهم لم يوضح صورة هذا "الانتقام القاسي" وكيفيته، وأوكلوا بذلك للتيارات التابعة لهم وللمؤسسات المذهبية وقبة البرلمان. وفي هذا الصدد صرح النائب البرلماني عن مدينة كرمان، أحمد حمزة، قائلا بأنّ "ساكنة كرمان ستدفع مكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار لمن يقتل دونالد ترامب". كما ادعى أحد النشطاء الموالين للحكومة على شبكة التواصل الاجتماعي من خلال برنامج تلفزيوني أن الشباب الإيراني سوف يكافئ أي شخص اغتال دونالد ترامب بجائزة مالية قدرها خمسون مليون دولار. وطيلة السنوات الأربع الماضية اتخذت إيران الكثير من الإجراءات في إطار إيقاع الانتقام القاسي بالجناة؛ من ذلك فتح ملف قضائي لدى السلطة القضائية ضد المتورطين في قتل قاسم سليماني. والمصادقة على قانون الانتقام القاسي في البرلمان، والرفع من ميزانية فيلق القدس بزيادة مبلغ مائتي مليون دولار؛ وهي إجراءات يُفهم منها عجز إيران ويأسها من تنفيذ وعيد "الانتقام القاسي" وانتقالها للبحث عن بدائل أخرى كإنتاج الموسيقى والفيديو كليبات والأفلام الكرتونية، وتنظيم المهرجانات الشعرية والمسابقات والألعاب الالكترونية، وإقامة التظاهرات الثقافية المتعلقة بهذا الموضوع. وبالتدريج تحول "الانتقام القاسي" في أدبيات مسؤولي الجمهورية الإسلامية إلى "الصبر الاستراتيجي". ومهما يكن من أمر فلا يمكن إغفال أن تحديد جائزة مالية ضخمة لاغتيال دونالد ترامب، وإعلان ذلك على المنصات الرسمية كمحطات التلفزيون وقبة البرلمان، يثير الشكوك في أن التخطيط لاغتيال دونالد ترامب قد تم بضوء أخضر من إيران وبإشراف من حكومتها. وبعد مرور أسبوع واحد فقط من هذه محاولة الاغتيال الفاشلة طالعتنا تقارير بعض الشبكات الإخبارية كشبكة سي ان ان، وصحيفة بوليتيكو تشير بأصبع الاتهام إلى تورط إيران في محاول تصفية دونالد ترامب. من جهة أخرى رأينا وزير الخارجية الحالي، علي باقري، وهو يصرح بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف تتابع المتورطين في عملية اغتيال القائد سليماني عبر سلك كل المساطر القانونية الداخلية والدولية، ضاربًا بعرض الحائط أربع سنوات من التهديد والوعيد للمسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين.