يرى الدكتور عبد الله بوصوف أن البيان الرئاسي الجزائري خلى من تبريرات إقدام النظام العسكري على تقديم تاريخ انتخابات من المفترض أن تفصل في مستقبل الشعب الجزائري، وتؤثر في سياسته الخارجية، واصفا القرار بأنه "خرق للدستور في ظل غياب ظروف قاهرة تبرر هذا الإجراء". واعتبر الأكاديمي ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون ب "الرئاسيات الجزائرية .. هل هي 'حمل كاذب' للديمقراطية بالجزائر؟"، أن أغلب التحليلات الإعلامية وصفت خطوة الرئاسة الجزائرية بالهروب إلى الأمام في ظل ضبابية المشهد السياسي والحزبي، وفي ظل غياب منافسين حزبيين وخصوم سياسيين حقيقيين، وفي ظل شح على مستوى ملامح برنامج انتخابات رئاسية مبكرة، لافتا إلى أنه "لا شيء يدل على وجود تدافع سياسي أو حتى تراشق إعلامي، وكأن النظام العسكري حسم نتائج الرئاسيات مسبقًا، فلا صوت انتخابي يعلو على صوت جنرالات النظام الحاكم". نص المقال: أعلنت الرئاسة الجزائرية في مارس 2024 عن قرار تقديم تاريخ الرئاسيات المقررة في دجنبر، وإجرائها في شهر شتنبر من العام نفسه. وجاء القرار بعد اجتماع مسؤولي الصف الأول في تشكيل "المجلس الأعلى للأمن" الجزائري. كما خلى البيان الرئاسي من تبريرات إقدام النظام العسكري على تقديم تاريخ انتخابات ستفصل في مستقبل الشعب الجزائري، وتؤثر في السياسة الخارجية الجزائرية... وهو القرار الذي وصفه المهتمون بأنه "خرق للدستور في ظل غياب ظروف قاهرة تبرر هذا الإجراء...". لقد مالت أغلب التحليلات الإعلامية إلى وصف خطوة الرئاسة الجزائرية بالهروب إلى الأمام، في ظل ضبابية المشهد السياسي والحزبي، وفي ظل غياب منافسين حزبين وخصوم سياسيين حقيقيين، وفي ظل شح على مستوى ملامح برنامج انتخابات رئاسية مبكرة...إذ لا شيء يدل على وجود تدافع سياسي أو حتى تراشق إعلامي، وكأن النظام العسكري حسم نتائج الرئاسيات مسبقًا، فلا صوت انتخابي يعلو على صوت جنرالات النظام الحاكم. في المقابل واصل النظام العسكري رياضته المفضلة في تشتيت انتباه الشعب الجزائري، وإقحامه في معارك بعيدة عن تقديم تفسير لأسباب نزول مشهد طوابير الرز والحليب واللحم...وتهييج شعوره الوطني باسم القفطان والزليج والكسكس... كانت آخرها حادثة "قميص بركان" الرياضي. فخلق أعداء وصراعات وخصوم وهميين وافتراضيين للشعب الجزائري يُمكٍن النظام من كسب المزيد من الوقت للبقاء في السلطة، ومن تأجيل محاسبته في كل الاستحقاقات الانتخابية وبشكلٍ ديمقراطي... ولن يكون بمقدور النظام العسكري بالجزائر خداع كل الشعب كل الوقت، إذ مازلنا نسمع أصوات العقلاء ونشطاء حقوقيين وسياسيين وإعلاميين...رغم كل أساليب الحديد والنار في مواجهة كل أساليب الاحتجاج أو "الحراك الشعبي". فهل يمكن للنظام العسكري الحديث عما بعد الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة" والتهليل بنتائج ما بعد انتخابات سنة 2019...؟ وهل يمكن للنظام الحاكم ذاته وصف فترة الرئيس "عبد المجيد تبون" بالعهد الجديد؟. الجميع يعرف أن مؤسسة الجيش بالجزائر هي الفاعل السياسي الأول، وهي الآمر الناهي في كل القرارات الكبرى؛ لذلك فليس من المقبول الحديث عن "عهد جديد"، مادام أن الرئيس الحالي "تبون" كان وزيرا في العديد من حكومات بوتفليقة؛ بل كان مقربًا جدا منه، حتى إنه عينه في منصب رئيس الحكومة في شهر ماي من سنة 2017؛ ثم أصبح رئيسا للجمهورية بعد أحداث الحراك الشعبي واستقالة بوتفليقة سنة 2019. لهذا لا يمكن الحديث عن "عهد جديد"، بل فقط عن تغيير لاعبين في اللعبة نفسها وداخل الملعب نفسه، لأن النظام العسكري يعرف جيدا أن الأفعى التي لا تستطيع أن تغير جلدها لا بد أن تموت، كما قال "فريدريك نيتشه". وفي ظل غياب كل تفسير أو تبرير لأسباب تقديم الرئاسيات إلى تاريخ السابع من شتنبر 2024 فإن النظام الحاكم ينتظر ربما اللحظات الأخيرة لإعلان اسم المرشح الرئاسي القادر على مواصلة أجندة العداء للجار المغربي اللدود. لكن بعيدا عن المطبخ السياسي للنظام الجزائري فإن كل وقائع الوضع الحالي تدفع بالقول بتغيير أدوات اللعبة وتأثرها أولًا بخارج الحدود الجزائرية، كالحرب في أوكرانيا وغزة / فلسطين، والساحل جنوب الصحراء وتونس وليبيا، وتحالف "البريكس" وانتكاسات المشروع العدائي ضد المغرب، وانتصار المقاربة الواقعية في قضية الصحراء المغربية، وتبني خيار الحكم الذاتي كحل واقعي قوي من طرف دول وازنة، سواء الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بدول أوروبا، وكذا ترتيبات إعادة تطبيع العلاقات المغربية/ الفرنسية؛ لكن بإحداثيات مغربية أولها الخروج من المنطقة الرمادية في قضية مغربية الصحراء... وثانيًا بتداعيات إصدار قوانين جديدة، سواء في مجال الاستثمار وجلب الرساميل الأجنبية أو قانون الصحافة الجديد؛ فبالتصديق على قانون الاستثمار الجديد 18/22، الذي لم يخل بدوره من "بوليميك سياسي"، بعد قرار تمريره على البرلمان بشكلٍ استعجالي ودون السماح بإعادة قراءته أو بتعديل نصوصه داخل المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، وتسويقه شعارات حرية الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، فإن القانون الجديد أطلق يد المستثمرين الأجانب في مجالات الطاقة والبترول وعمليات التنقيب وعدة اختصاصات ظلت محصورة في "سوناطراك"، بالإضافة إلى مزايا جبائية عديدة، من أهمها: إعفاء الشركات من رسوم الجمارك والضريبة على الأرباح وعلى القيمة المضافة وتحويل الأرباح إلى الخارج؛ وهي كلها أموال كان من المفروض دخولها لخزينة الدولة الجزائرية. ويظهر عجز النظام العسكري جليًا في تدبير المرافق العمومية الكبرى المتصلة بحاجيات المواطن الجزائري؛ لذلك فقد اختفى وراء شراكات مع دول أو شركات أجنبية وعرض الثروة الطاقية والمنجمية ومقدرات الشعب الجزائري للبيع أو للرهن...وهو ما يظهر جليا في تكليف شركات صينية كبرى مثلا بتدبير منجم "غار جبيلات" الغني باحتياطات كبيرة من الحديد؛ هذا رغم توقيع الجزائر مع المغرب اتفاقا لخلق شركة لاستغلال المنجم سنة 1972 مازالت سارية إلى اليوم. فالشركات الصينية العملاقة هي التي تكلفت ببناء المسجد الكبير بالعاصمة، وبتكلفة خيالية قاربت مليار دولار؛ وأخرى تكلفت ببناء مطار بومدين الجديد، ومحطات السكة الحديدية. وتكلفت شركات قطرية بتدبير مصانع الحديد والصلب، وإقامة مستشفى قطري / ألماني، ومصنع قطري للحليب بكلفة 3,5 مليارات دولار، وأخرى بتجهيز البنية التحتية من طرق وموانئ وسلاسل فندقية وخدمات... بالإضافة إلى شركات فرنسية وإيطالية وتركية وخليجية...فماذا تبقى للدولة الجزائرية وللمستثمرين الجزائريين؟. من جهة أخرى فالنظام العسكري سيدشن دخوله للانتخابات رافعا شعار حرية الإعلام من خلال إصداره قانون الصحافة الجديد في شهر دجنبر 2023. ورغم شعارات الانفتاح التي كانت الغاية منها فقط تحسين صورة الجزائر بالخارج، وخاصة أمام البرلمان الأوروبي، مازال العديد من الصحافيين يقبعون في السجون لآرائهم. وإذا حُسب للقانون الجديد إلغاؤه "الجرائم الصحافية" فإنه تصدى للتمويلات الأجنبية لوسائل الإعلام ومنع مزدوجي الجنسية من خلق مقاولات صحافية. ويتم التهليل لهذا "الحمل الكاذب" في ظل سريان قوانين وتشريعات تزج بالصحافيين في السجون. ويظهر أخيرا من بيانات معهد ستوكهولم الدولي للسلام (سيبري) أن الإنفاق العسكري الجزائري ارتفع بنسبة 76% سنة 2023، إذ وصل إلى ما يعادل 18,3 مليار دولار، ما جعل من النظام العسكري الحاكم في المرتبة الثالثة من حيث الإنفاق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الجزائر. الأكيد أن تخصيص ميزانيات ضخمة للتسليح يحمل رسائل ضمنية للداخل الجزائري بوجود أخطار وتهديد أمني يُبرر تأجيل النظام العسكري مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورسائل للحركات الاحتجاجية، سواء بمنطقة القبايل شمالا أو "الطوارق" جنوبا... رسائل لدول الجوار والحدود كدول الساحل، وأيضًا تجهيز مرتزقة البوليساريو بتندوف، والتلويح بالتفوق العسكري في المنطقة. نعتقد أن الجزائر تحتاج إلى جيل جديد من القيادات الشابة، وليس لجيل شعارات الحرب الباردة. فعندما نتأمل قفزة دول الخليج العربي وتقدمها الكبير فإننا نتألم لحال شعب الجزائر الذي يقف لساعات طويلة من أجل كيلو رز وحفنة طحين ولتر من الحليب!. وعندما نتأمل كيف استفادت دولة النرويج مثلا من ارتفاع عائدات الطلب على الغاز الطبيعي بعد الحرب في أوكرانيا فإننا نردد قوله سبحانه وتعالى: "ما يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.."، صدق الله العظيم. تفصلنا أقل من ثلاثة أشهر ونصف على رئاسيات السابع من شتنبر. نتمنى انتصار الديمقراطية والكرة في ملعب الناخب الجزائري.