بدأت تيما عابد، مصمّمة الأزياء السعودية، مسيرتها في وقت كانت فيه عروض الأزياء في بلادها من المحظورات وكانت السياحة، باستثناء رحلات الحجّ والعمرة، شبه معدومة في المملكة الخليجية الثرية. لذا، فقد فوجئت مثل أي شخص آخر برؤية عارضات الأزياء بمجموعتها الأخيرة من الأزياء الراقية وهنّ يتمايلن على ممر رملي محاط بمياه البحر يربط بين الفيلات المطلة على شاطئ البحر الأحمر والتي يصل سعر الليلة فيها إلى ما يقارب ألفي دولار. ومع غروب شمس الخميس، انطلق بالعرض "أسبوع الموضة في البحر الأحمر" بنسخته الأولى، والذي وصفه المنظمون بأنه علامة فارقة للأزياء السعودية ولقطاع السياحة الناشئ الذي يعد عنصرا أساسيًا لتنويع اقتصاد أكبر بلد مصدّر للنفط الخام في العالم. تتميز مجموعة عابد، المكونة من عشرين فستانًا من "ملابس المنتجعات"، بأقمشة بيضاء وبيج منسابة وأخرى تكشف عن البطن. في اليوم التالي، نُظم أول عرض أزياء لملابس البحر، في حدث غير مسبوق في الدولة الخليجية التي لم يكن يُسمح للنساء فيها بالخروج من منازلهنّ من دون عباءاتهنّ السوداء. وقالت عابد لوكالة فرانس برس بينما كانت محاطة بعارضات الأزياء ومنتجي العروض الذين يضعون سماعات الرأس: "قد تقول إنها جرأة، لكنني أنظر إليها بطريقة أخرى: مواكبة العولمة". وتابعت: "لقد أزيلت الحدود والقيود التي كانت موجودة، وهذا أعطانا فرصة لإظهار إبداعنا بطريقة أكثر جمالاً". ضم الحشد، الخميس، مصممين وصحافيين مهتمين بالموضة ومشاهير سعوديين؛ مثل لجين عمران، المذيعة السعودية المشهورة بدورها في برنامج نتفليكس عن حياة المرفهين "دبي بلينغ". وقالت عمران إن مجموعة التصاميم المعروضة أظهرت جدية السعودية في التنافس، ليس فقط مع دبي؛ ولكن مع عواصم الموضة الأخرى. وصرّحت: "إذا كنت تريد الوصول إلى جمهور عالمي في مجال الموضة، عليك الوصول إلى جميع أنواع الناس – المحافظين ومن هم عكس ذلك". "أمر جديد جدًا" ولم يكن من الممكن الوصول إلى مكان إقامة أسبوع الموضة في البحر الأحمر، في منتجع سانت ريجيس في جزيرة أمهات الشيخ الواقعة قبالة الساحل الغربي للسعودية إلا عن طريق القوارب أو المركبات المائية. وهو جزء من مشروع "البحر الأحمر الدولية"، أحد المشاريع الكبرى في قلب برنامج الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ل"رؤية 2030" الذي يشرف عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. مع تزايد الشكوك حيال جدوى أبرز مشروع في الخطة، أي مدينة نيوم المستقبلية العملاقة التي تبلغ كُلفتها مليارات الدولارات، يؤكد مسؤولون مشاركون في شركة البحر الأحمر الدولية أنهم يحرزون تقدمًا، حيث افتتحوا منتجعين العام الماضي واستعدوا لإطلاق 14 فندقًا إضافيًا بحلول نهاية العام المقبل. منذ إطلاق تأشيرة السياحة العامة للمرة الأولى عام 2019، حاولت السعودية، التي كانت مغلقة لعقود، تبديد فكرة أنها صحراء شاسعة، حيث تعرض الجبال في الجنوب وتؤمن حقوق استضافة دورة الألعاب الشتوية الآسيوية في عام 2029 في منطقة تروجينا في نيوم. واعتبر بوراك كاكماك، الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء السعودية، إن مشاريع مماثلة على الشاطئ تعتبر عوامل جذب محتملة رئيسية، وكان أسبوع الموضة في البحر الأحمر يهدف جزئيًا إلى تسليط الضوء على ما هو قائم بالفعل. وقال: "من الواضح أننا نحاول لوجستيا شيئا جديدا للغاية. نحن على جزيرة نائية يستغرق الوصول إليها نصف ساعة بالقارب... هناك العديد من القيود على القدرة على تقديم العروض هنا". وأضاف: "أود أن يستكشف الجميع ليس (فقط) التصاميم السعودية؛ ولكن أيضًا استكشاف السعودية كوجهة" سفر. أثناء الاستعدادات لعرض عابد، قارنت المصممة السعودية العنود بدر من شركة "ليدي فوزازا" المملكة بشكل إيجابي مع جزيرة سياحية أكثر رسوخًا على وجهات السفر العالمية. وقالت ضاحكة: "إنه شيء لم يكن من الممكن توقعه إطلاقاً.. وبصراحة، كل ما يمكنني قوله هو الآن لا داعي للذهاب إلى المالديف؟!". محاولة تغيير الصورة تمضي السعودية قدماً في استثماراتها في مجال الموضة والسياحة، حتى في الوقت الذي تؤدي فيه الحرب في غزة إلى تقليص آفاق النمو الاقتصادي في المنطقة على نطاق أوسع. وفي مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس الشهر الماضي، قال أحمد الخطيب، وزير السياحة السعودي، إن الهجمات التي شنها المتمردون الحوثيون اليمنيون على السفن في البحر الأحمر، والرامية إلى إظهار التضامن مع الفلسطينيين في غزة، لا تشكل "أي تهديد للمنتجعات الجديدة". إلى جانب المخاوف الأمنية، يتعين على القطاع السياحي في السعودية التغلب على الانتقادات المستمرة لسجل حقوق الإنسان في المملكة، بما في ذلك قمع المعارضة في عهد الأمير محمد. لكنّ أولئك الذين توافدوا على فندق سانت ريغيس لم يعبأوا كثيرًا بمثل هذه القضايا. قالت عارضة الأزياء بياتريس ريسندي إنها نشأت في البرازيل، وكثيراً ما فكرت في الشرق الأوسط كمكان واحد لم يتم تقديمه بشكل جميل. فقط من خلال السفر وعروض الأزياء في المنطقة، أصبحت تقدر الاختلافات بين البلدان. وقالت: "سأكون صادقة. أريد حقاً أن يتوقف الناس عن النظر إلى البلدان باعتبارها صورا نمطية وأن يتعرفوا فعلياً على الأماكن". وتابعت: "إنه أكثر بكثير مما نسمعه".