"من دار.. لدار"، يتنقلن صباحا ومساء للقيام بأعمال يومية وضرورية للبقاء على نظافة البيوت والحفاظ على ترتيبها.. وإن كان الفقر والأمية يجمع بين العديدات منهن، فقساوة العيش ومتطلبات الحياة قاسم مشترك أيضا جعل هؤلاء النسوة يقبلن بأن يكن "خدّامات". الكثير من الأسر المغربية، أصبحت لا تستطيع التنازل عن وجود "خادمة" أو "مُساعِدة" بالبيت، تهتم بأشغال البيت وبنظافته وبالعناية بالأبناء كذلك في حضور الزوجة أو غيابها، فالعائلة تبحث عمن تكون مؤتمنة على أسرار البيت حفاظا على الخصوصية والخادمة تبحث عمن يستطيع الرأفة بها ومساعدتها على العيش بكرامة دون استغلال أو اضطهاد.. خادمة من أجل أبنائي " الرَّاجل ما خدّامش"، كان هذا من أهم الأسباب التي جعلت ربيعة.ش، تضطر صاغرة لأن تعمل "خدَّامة" في بيوت عديدة وعند وجوه مختلفة يضمرون أنواعا مُتباينة من الأحاسيس ما بين توجس وخيفة وثقة وغمز ولمز.. المرأة ذات الأربعين عاما والأم لطفلين، تجيب هسبريس والأسى يفيض من كلامها، " كان والدي رحمه الله فلاحا دكاليا لا يشق له غبار، وكان يمنعني من جلب كوب من الماء لأحد إخوتي الذكور إن طلبوه، أما الآن فأصبحت كالكرة تتلاقَفني الأيام". أصبحت مسؤولة عن أسرتي وعن مصاريفها بالكامل، وما أخرجني للعمل في بيوت الموظفات وغيرهن، إلا أولادي، فلا أطيق أن يطالبوني بشيء وأعجز عن توفيره لهم، كما أنني إن لم اشتغل فلن نأكل، زوجي وبعد أن كان يمتلك عربة لنقل البضائع يعمل عليها أصبح عاطلا بعد تعرُّضه لحادثة سير باع على إثرها السيارة مصدر رزقنا، وهو الآن يهتم بشؤون البيت وبالأطفال وأنا خارج البيت طيلة اليوم. وتتابع ربيعة، أشتغل عند أسرة صباحا وأخرى بعد الظهر، وأقوم بالتنظيف والمسح والطبخ وكل ما يطلب مني، إضافة إلى استجابتي لكل من تريد "تَخمال دارها" في نهاية الأسبوع وتصبين الزرابي و"تَمارة تجفاف دروج العمارات".." الكل يهون من أجل ابني وابنتي، حيث أني حريصة على إكمالهم الدراسة، "كنْقطَّعْها من لحمي ونمشي نخلص السْوايع ونشري الكتب"، وأحمد الله أننا نقطن في بيت ورثه زوجي عن والده.. عملي.. سري للغاية فاطمة. ط، لها من الأولاد 4 أكبرهم ولج كلية الآداب والعلوم الإنسانية لتوِّه، " أنا من واد زم، ولا يعلم أهلي هناك أني أعمل عند بعض الأسر، الأمر سري للغاية وقد يشكل لهم الأمر صدمة لا يستطيعون تحملها خصوصا إخوتي الرجال". وعن أسباب تركها لبيتها وعملها خادمة، تقول فاطمة إن ضيق ذات اليد، وقلة مدخول زوجها الذي يعمل إسكافيا يعمل أياما ويتوقف أخرى، جعلتني مضطرة لأعمل شيئا أُتقِنُه، فلا علم لي لا بالقراءة ولا بالكتابة، وما أجنيه من عملي أعين به في مصاريف البيت - البَرَّاكة في إحدى عشوائيات مدينة سلا الممتدة. وتزيد فاطمة، " لا أستطيع العمل اليوم بطوله، بحُكم رعايتي لأبنائي، ولكني أقتنص سويعات من النهار أقضي فيها مآرب ربات البيوت، وكل حسب جودها وكَرمها فمن السيدات من تمدُّني ببعض المال إلى جانب الخضر والقليل من اللحم، ومرات بعض الملابس والأحذية لي أو لأولادي"، وتزيد فاطمة " أسوأ ما لا أتحمله هو التحرش الجنسي الذي قد يمارسه بعض الأزواج كلاما أو تلميحا في غفلة عن زوجاتهم أو في غيابهن، أو محاولتهم جس النبض على الأقل"، "لا أعود أبدا إلى ذاك البيت، لا أستطيع دخوله بعدها، لا أجد إلا دموعي أُكَفكِفها قبل ولوج منزلي حتى لا أثير حفيظة زوجي" تقول فاطمة وقد اغرورقت عيناها.. لا حنين لا رحيم وأول ما بادرت هسبريس بسؤال لاَّ خدوج ذات 50 عاما، أجابت بلهفة " شوفي أبنتي يْدِّيا كي رْكباتْهم لَكزيما من كثرة ما هُمّا فجافيل والما ومواد التنظيف.."، لتباشر في حديث مسترسل تحرك خلاله يديها المخضَّبيتن بالحناء لتخفيف ما حلَّ بالجلد من تشققات. " كنت أشتغل عند سيدة مهووسة بالنظافة، تأمُرني بغسل الملايات والأغطية والزرابي بشكل مستمر، إضافة إلى حك أرضية منزلها من ثلاث طبقات يوميا، واستعمال "الما القاطع" في الحمامات والمطابخ، حتى ما عُدت قادرة على مواصلة العمل لأنقطع عنه لاحقا". أعمل حاليا لدى موظفة، أعمد إلى قصد بيتها كل مساء بعد عودتها من العمل أنظف وأغسل الأواني وأطبخ وغيرها، أما يَومي نهاية الأسبوع فأقصد كل من يطلبني لغسل زربية أو "تخمال" صالون أو مطبخ والرزق على الله، فلست متزوجة ووالدي توفيا منذ سنين خلت وأقطن مع إحدى الصديقات نكتري غرفة مع السكان نستر فيه أنفسنا إلى أن يستُرنا التراب".