قاد الأستاذ بجامعة محمد الأول والباحث في التاريخ، بدر المقري، مجموعة من الأساتذة والطلبة في "رحلة" إلى المرحلة الكولونيالية، وبالضبط إلى ما بين 1908 و1956 من تاريخ الصحافة المكتوبة بمدينة وجدة، وذلك في ندوة نضمها، اليوم الإثنين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ماستر الصحافة والإعلام الرقمي وشعبة علوم الإعلام والتواصل الإستراتيجي. وقال المقري في محاضرته إن وجود الصحافة المكتوبة بوجدة كان من بين "مظاهر طليعة المدينة في الحداثة" على الصعيد الوطني، باعتبارها أول مدينة تستقبل "الصدمة الكولونيالية" بعد دخولها من طرف الماريشال ليوطي في 29 مارس 1907، أي قبل فرض نظام الحماية الفرنسية في 30 مارس 1912، إذ كانت وجدة، حسبه، "رائدة في حقل الصحافة المكتوبة". ومضى الباحث المهتم بتاريخ مدينة وجدة وشرق المغرب يعدّد مجموعة من الجرائد التي صاحبت المرحلة الكولونيالية بمدينة وجدة، أهمها "le petit marocain" التي أصدرت 2659 عدداً إلى غاية 1956، تاريخ استقلال المغرب، ثم "Les Tablettes marocaines" التي كانت، حسبه، محسوبة على الحركة اليسارية الفرنسية ومتعاطفة مع الحركة الوطنية المغربية ومناهضة للحماية، ما كان يعرّضها للرقابة القبلية والبعدية من قبل الإدارة الفرنسية. ومن خلال الجرائد الكولونيالية وعناوينها التي كانت تصدر من وجدة تتّضح للباحثين، وفق المتحدّث ذاته، مجموعة من المعطيات التاريخية حول المدينة، أهمها التعدد العرقي الذي عرفته، إذ كانت تضم، حسب إحصاء رسمي أنجز سنة 1931، 26 جنسية، من بينها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والهولندية، فضلا عن جاليات من الأرمينيين و الفنزويليين والأتراك والمصريين، مبرزاً أن التعدد العرقي يحيل على التعدد الثقافي، ما جعل وجدة، آنذاك، "عبارة عن فسيفساء". وفق تعبيره. وإلى جانب التعدد العرقي قارب بدر المقري دراسته التحليلية لهذه الجرائد من عدة مداخل وقضايا أخرى، كالحداثة، إذ شملت مجموعة من إصداراتها إعلانات تجارية لشركات كبرى كان لها مقر أو فرع بمدينة وجدة التي عرفت تأسيس أول معهد للفنون الجميلة سنة 1919، وأول مدرسة عصرية سنة 1907 (مدرسة سيدي زيان)، وأول ثانوية عصرية (ثانوية عمر بن عبد العزيز) سنة 1914. ولم ينكر الباحث ذاته، الذي صدرت له مجموعة من الكتب التي تناولت المنطقة بمقاربة تاريخية باللغتين العربية والفرنسية، من بينها "ببليوغرافيا تاريخ مدينة وجدة"، و"خطط المغرب الشرقي"، صعوبة البحث في تاريخ الصحافة المكتوبة بالمغرب عموماً ووجدة على الخصوص، مشيراً إلى أنه اختار لهذه المحاضرة الفكرية الجرائد الناطقة بالفرنسية رغم أنه كانت هناك أيضاً صحافة مكتوبة باللغة العربية، "لكن يعوزنا السبيل للوصول إلى موادها". وشدّد المتحدث على أن البحث عن أعداد للصحافة المكتوبة باللغة العربية –على الأقل في فترة الحماية- "بدون جدوى، لأن هذه المواد توجد في الخزائن الخاصة لشهود تلك المرحلة الذين أغلبهم لقوا ربهم، بينما تهملها أسرهم أو ترفض تسليمها للباحثين أو تطلب مقابل مادياً أو تحرقها"، قبل أن يستطرد: "لكنهم إنما يحرقون ذاكرة جماعية وتاريخا جماعيا". وأشار المقري إلى أن أشهر عمل تناول الصحافة المكتوبة بالمغرب هو كتاب "تاريخ الصحافة المغربية المكتوبة باللغة الفرنسية"، الذي أنجزه جامع بيضا، رئيس مؤسسة أرشيف المغرب، ونشر سنة 1996، وزاد: "لم ينشر ما يضاهيه إلى اليوم ونحن في سنة 2024′′، قبل أن يوجّه خطابه إلى الطلبة الباحثين في هذا السياق قائلا: "من أراد أن يخوض غمار البحث في تاريخ الصحافة المكتوبة بالمغرب فليتحلّى بصبر جميل".