تأتي مناورات "الأسد الإفريقي" في نسختها العشرين، المرتقب انطلاقها في الأراضي المغربية يوم 20 ماي الجاري، في سياقات دولية وإقليمية "معقّدة"، تجعل منها "لحظة أمنية" بارزة لتعزيز قدرات الجيوش المشاركة في مواجهة المخاطر المهددة. وتنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تنظم القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة الأمريكية، بشكل مشترك، من 20 إلى 31 ماي الجاري، الدورة ال20 من تمرين "الأسد الإفريقي"، على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت. وكشف بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تفاصيل جديدة حول هذه المناورات الأكبر على المستوى الإفريقي، التي تشمل تدريبات تكتيكية برية وبحرية وجوية مشتركة، ليلا ونهارا، وتمرينا للقوات الخاصة، وعمليات للقوات المحمولة جوا، فضلا عن تمرين للتخطيط العملياتي لفائدة أطر هيئات الأركان ب"فريق العمل" "Task Force". اللمسة المغربية الأمريكية ترسم الأوضاع الإقليمية في الساحل الإفريقي، ودوليا في أوكرانيا وقطاع غزة، "صورة قاتمة" عن مستقبل الوضع الأمني بهذه المناطق، الذي يؤثر سلبا، وفق تقارير عديدة، على الفاعلين الأمنيين الدوليين والإقليميين، منهم المغرب والولايات المتحدةالأمريكية. وأكد بلاغ قيادة الجيش المغربي أن تمرين "الأسد الإفريقي 2024′′، "من خلال إسهامه في تعزيز قابلية التشغيل المشترك العملياتي، والتقني والإجرائي بين الجيوش المشاركة، يعد أكبر مناورة تجرى في إفريقيا، وملتقى مهما تتبادل فيه الأطر العسكرية المعلومات والإجراءات والخبرات، لا سيما في مجالي التكوين والتدريب المشترك". ومن المرتقب أن تكون هذه المناورات الضخمة التي يشارك فيها نحو 7 آلاف عنصر من القوات المسلحة من حوالي عشرين دولة، بالإضافة إلى منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، "فرصة مهمة لتقديم خبرات الجيش المغربي والأمريكي في استتباب الأمن، ومواجهة التحديات العالمية". الحسين أولودي، باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الأمنية، قال إن "هذه المناورات هي لحظة لتجسيد اللمسة المغربية الأمريكية من خلال الشراكة التاريخية في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي". وأضاف أولودي، في تصريح لهسبريس، أن هذه المناورات "فرصة للجيوش المشاركة إلى جانب الجيشين المغربي والأمريكي لاكتساب مزيد من الخبرة الميدانية في مواجهة التحديات التي تفرضها الجغرافيا الأمنية، خصوصا في الساحل حيث الحرب تشتد على الجماعات الإرهابية". وبيّن المتحدث أن "شريط الساحل يغلي، والأوضاع الأمنية جد متردية، وهنا تأتي مناورات الأسد الإفريقي في هذه الفترة استجابة لحاجيات الجيوش المشاركة في اكتساب مزيد من الخبرات لمواجهة هذه التحديات المتنامية"، موضحا أن "قيادة أفريكوم من أدوارها تقوية الجيوش الإفريقية في مواجهة التهديدات الأمنية". وأشار أولودي إلى أن "من خصائص التدريبات التي تقوم بها الجيوش المشاركة في المناورات بقيادة المملكة المغربية والولايات المتحدةالأمريكية، تطوير المهارات القتالية بما يساهم في صد التهديدات المختلفة، التي أصبحت حاضرة بقوة في السنوات الأخيرة في العديد من بؤر التوتر العالمية". الوضع في الساحل يتضمن برنامج الدورة ال20 من مناورات "الأسد الإفريقي"، تكوينات أكاديمية استعدادا للتمرين، والتدريب على مكافحة أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب مجموعة من الخدمات الطبية والجراحية والاجتماعية يقدمها مستشفى عسكري ميداني لفائدة سكان منطقة أقا. وتأتي هذه المناورات أيضا في سياق سباق التسلح عبر العالم بالنظر إلى التهديدات الأمنية المتنامية، إذ كشف أحدث تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) أن "الإنفاق العسكري شهد أكبر زيادة له منذ أكثر من عقد في عام 2023 ووصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2,4 تريليون دولار، جراء الحروب والتوترات المتزايدة في مختلف أنحاء العالم". وفي جنوب الصحراء بإفريقيا، بحسب المصدر عينه، فقد بلغ الإنفاق العسكري 23.1 مليار دولار، وهو أعلى بنسبة 8.9 في المائة مما كان عليه في عام 2022. ويرى عبد الرحمن مكاوي، خبير أمني، أن "هذه المناورات تأتي في سياق اشتعال منطقة الساحل الإفريقي، وسباق عالمي للتسلح، وتصاعد في حرب غزة، وأوكرانيا". وأورد مكاوي، في تصريح لهسبريس، أن المناورات تستجيب لهذه التحديات العالمية، وخاصة في منطقة الساحل، "حيث تقدم خدمات كبيرة لتقوية قدرات الجيوش المشتركة في مواجهة التحديات"، لافتا إلى أن "ما يحدث في النيجر ومالي خصوصا في الوقت الحالي، يظهر بالفعل الحاجة الكبرى لمناورات الأسد الإفريقي". وبيّن الخبير الأمني ذاته أن "التنظيمات الإرهابية بالساحل أصبحت جد متطورة، والجيوش المشاركة في الأسد الإفريقي تحتاج بقوة إلى هذا التمرين لاكتساب الخبرة الكافية لمواجهة هذه التحديات التي تتطور دوما". وشدد بلاغ القيادة العامة للجيش المغربي على أن "الدورة العشرين تؤكد استدامة التعاون بين القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة الأمريكية، انسجاما مع الروابط التاريخية المتينة القائمة بين البلدين"، وهنا أكد الحسين أولودي أن "التمرين تجسيد للأبعاد القوية التي تجمع واشنطن بالرباط على مر التاريخ، والتي تصل اليوم إلى الترويج لهذه الشراكة الاستراتيجية ودورها في الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي".