"الماكلة واللعنة".. جزائريون مقيمون في المغرب يرفضون الانخراط في الإحصاء    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    مقتل 40 عامل إسعاف وإطفاء في لبنان    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    الحكومة تصادق على تنظيم المفوضين القضائيين وتجديد تراخيص الاتصالات    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    نقابات الصحة تكشف تفاصيل اجتماع تنفيذ الاتفاق مع الوزارة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    موظف شرطة ينتحر بسلاحه في الرباط    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد نظام البذلة الرسمية لموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    تقييم "أوبن إيه آي" مطورة "تشات جي بي تي" ب157 مليار دولار بعد تبرعات طائلة    إصابة 23 تلميذا في انقلاب حافلة للنقل المدرسي ضواحي آسفي    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"        إيقاف بن عطية 6 مباريات بسبب انتقادات حادة لحكم مباراة مارسيليا وليون    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"دار النسا".. انطباعات عابرة
نشر في هسبريس يوم 31 - 03 - 2024

لا أدري كيف حصل ذلك؟!.. كل ما أذكره أن خواريزميات "يوتيوب" اقترحت عليّ حلقة شاهدتها عن آخرها، أنا الذي لم أشاهد إنتاجا وطنيا منذ زمن بعيد، وأتبعتها بثانية وثالثة، وفي مساء الغد بثلاث دفعة واحدة وهكذا إلى أن استدركت كل ما فاتني من حلقات المسلسل المغربي، وما أعتقدني سعيت لملاحقته بهذا الإصرار لولا كيمياء جميلة جذبتني إليه قوامها جمعه بين المضمون (الحكاية) والشكل (الإخراج) والأداء الجميل لجل إن لم أقل كل الممثلين دون استثناء.
مسلسل ماتع خفيف دم سريعٌ إيقاعه رغم كل الملاحظات والأخطاء الفادحة في الإخراج، وتحفظي على بعض المشاهد والرسائل التي مررها المسلسل وهنا بعض تفصيل (مختصر) في كل هذا وذاك.
الاغتصاب تيمة مفصلية -مضمرة في البداية- محورية أرخت بظلالها على الحكاية وانعكست سلبا على نفسية بعض شخوصها الرئيسة، خصوصا من وقع عليها فعل الاغتصاب مباشرة تلك الفتاة العائدة من ديار المهجر بجرح قديم يفسر ويبرر كل تلك العدوانية الصادرة عنها (تجاه الأم خصوصا) والتي اعتبرتها شخصيا مبالغة في الأداء لولا ما كشفت عنه الأحداث اللاحقة من حيثيات دفعتنا لنتعاطف مع المفعول بها ونلعن الفاعل.
غير أن تعاطي الحكاية مع فعل الاغتصاب ذا وجهان، فهو مذموم ما دامت الضحية قاصر لكنه "كيوت" وظريف وخفيف دم، حينما يقع نتيجة علاقة رضائية بين بالغين، هنا لا يصير اغتصابا بل يلبس لبوسا آخر..
تجسد زاوية النظر الأخرى هاته قصة موازية لم تقحم في بنية الأحداث اعتباطا بل لتعبر عن هذا الطرح وتبسط وجهة نظر القائل بها لفتاة هربت بفعلتها من الدار البيضاء إلى طنجة فمكثت في البداية بتوصية عند العائلة (أ) قبل أن تقودها الأقدار لتستقرّ عند العائلة (ب) الجارة بالجنب إلى أن قررت في نهاية المطاف العودة مع أخيها الذي يطاردها في طنجة بإلحاح كبير شريطة أن يدعها وشأنها وجنينها الذي لا تريد إسقاطه، لكن ولأنها لمست إخلاله بوعده عدلت عن قرارها في آخر لحظة وحاولت الإفلات من قبضته والعودة من حيث أتت دون أن تفلح في ذلك لولا مفتش الشرطة -اِبن الأم المضيفة- الذي وقع ناظره عليهما صدفة يتناوشان فعرض على الأخ الهائج جلسة ودية بالمقهى، استطاع أن يصل وإياه من خلالها إلى تسوية ودية -وبسهولة متناهية- مفادها قبوله بالأمر الواقع ما دامت أخته ليست قاصرا وما دامت وحدها المسؤولة عن فعلتها وبالتالي فما عليه إلا أن يتعايش مع هذا الأمر الواقع برحابة صدر وابتسامة عريضة، وهي رسالة لعموم العائلات المغربية جوهرها التطبيع مع فعل الاغتصاب بشرط البلوغ طبعا.
إحدى نقاط قوة المسلسل وجماليته هذا التقابل والتفاعل والتعايش بين نوعيتين (متنافرتين) متناقضتين من الشخصيات (كاراكتير).. الأولى قيادية منقضة متوثبة تجسدها الأم (نورا الصقلي) وصديقتها والجارة "الزازية" (مريم الزعيمي) وإحدى ابنتيها، والأخرى ذات مزاج هادئ ياسين أحجام بطرس بنت الزازية الأخرى.
راقني الأداء الخرافي لنورا الصقلي التي جسدت باقتدار دور الأم الصابرة القوية التي تحمل على عاتقها هموم ومشاكل الأبناء، وإرثا ثقيلا من الأسرار والمسكوت عنه وشعورا بالذنب جراء إهمالها وتقصيرها في حق ابنتها وسوء تقديرها وتقييمها لزوج بجينات حيوانية.
أداء كوميدي مبهر لمريم الزعيمي في دور "الزازية" الجارة المشاغبة المشاكسة خفيفة الدم بلكنتها الشمالية الجميلة..
وأداء ولا أروع للممثلة التي ادت دور بنتها التي ورثت عنها ذات الجينات تقريبا بفوارق جوهرية طبعا..
أداء رائع للعائدة من غربة عقد من الزمن (فاطمة الزهراء قنبوع) بنفسية مأزومة وجبل من الذكريات السيئة؛ كل تلك العدوانية والبكائيات التي خلتها "مبالغة كبرى" تجد لها مسوغا في ما حدث خلف الجدران المغلقة ذات زمن سحيق لفتاة صغيرة وقعت بين مخالب وحش آدمي؛ الدور لعبته فتاة صغيرة جميلة بنظرات دفينة معبرة.
راقني أداء ياسين أحجام أيضا، والفتاة الهاربة، وابنة "الزازية" الأخرى والجدة والصديقة إلخ إلخ إلخ...
واحدة من نقاط قوة المسلسل -حسب وجهة نظري- اصطفاء فضاءات منقطعة غير ضاجة خالية من أعين تبحلق في الكاميرا بفضول ممجوج، وهذه سمة ثابتة في أعمال سامية أقريو المخرجة (أحيل هنا إلى سلسلة أخرى أعتقدها لذات الأقريو المخرجة "سر المرجان").. طبعا بعض المشاهد تستدعي التصوير في الأماكن العامة... كما أن هذه ليست قاعدة ذوقية عامة من المفروض أن تحتذى وتسقط على كل الأعمال فتيمة ما تفرض على بعضها الانتقال لفضاءات شعبية صاخبة.
البعض عاب على المسلسل هذا التناول النسوي ("دار النسا") الذي أعلى من قيمة المرأة وجعلها غالبة طاغية على الرجل في أحداث المسلسل، لا من حيث الشكل ولا من حيث الحضور، وكأنه لا وجود لشخصيات نسائية في واقعنا المعاش تتماهى طباعها وأمينة "نورا الصقلي"؟! وأحداث تطابق أو تلامس ما عاشته بطلة المسلسل؟! وكأنه لا توجد نساء حملن على عاتقهن جحيم عائلات بأكملها وأوصلنها بر الأمان؟! أنستكثر على المرأة دور البطولة وأن تسند أدوار رئيسة إلى نساء في أعمال درامية، في حين أغلب أعمالنا تقريبا اتسمت بل وكرّست هيمنة ذكورية؟!.
بعض المتعالمين والمتهافتين والمصطادين في المياه العكرة وبعض ممن تنطبق عليهم مقولة "خوك فالحرفة عدوك" انتقوا مشاهد انطوت على أخطاء فادحة في الإخراج كمشهد ظهر فيه ميكروفون الصوت، وآخر لنفس سيارة الأجرة بلوحتي ترقيم مختلفتين، ليسفهوا العمل وينتقصوا من مخرجته ضاربين بعرض الحائط كل الجهد المبذول فيه وأوجه جماله العديدة الأخرى.. هؤلاء العدميون، المغرضون، الانتقائيون، لا يمكن أن يعتد برأيهم وأقل ما يمكن أن يقال لهم وعنهم أنهم تبخيسيون غير منصفين.
بقيت لدي ملاحظة أنهي بها هذه الانطباعات..
في مشهد من المسلسل يطرق باب المنزل شاب كان على علاقة بريئة من أيام الطفولة بالفتاة المغتصبة العائدة، الغريب أن الجدة أفسحت له فولج المنزل على الرغم من أنها لم تتعرف عليه ومن داخل البيت وبعدما غلّقت خلفه الأبواب أمطرته أسئلة دون أن تتذكره أو تتعرّف عليه هي السليمة المعافاة التي لم ينخر الزهايمر مادتها الرمادية بعد.. الأمر ذاته تكرّر وإن بتفاصيل مختلفة في مشهد آخر ما دفعني لأطرح تساؤلا قيميا اجتماعيا مشروعا من صميم واقعنا وعاداتنا المغربية الأصيلة:
"متى كنا -أو أصبحنا- نسمح للغريب باقتحام بيوتنا بهذه الطريقة الفجة؟ أو ليست لبيوتنا حرمة ذدنا عليها دائما وأنزلنا الطارق، الغريب، منزلته التي يستحقها من خلف حجب بمسافة معقولة، إن لم يكن لأجل الحرمة التي تحدثت عنها آنفا فلأجل مبدأ الأمان، وإلى أن نستبين مراميه ونستيقن حسن نواياه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.