التقدم والاشتراكية يحيي السلطات الساهرة على أمن وسلامة المغرب وأخيراً بثت القناة الأولى مسلسل «دار الغزلان» الذي كانت أعلنت عنه بواسطة ملصقات إعلانية كبرى في سماء العديد من المدن ، بعدما انتظره الجمهور لارتباطه بالممثل الكبير محمد بسطاوي الذي خلفت وفاته أسى عميقاً في شكل لم يسبق أن عرفته الساحة الفنية المغربية من قبل. ويعود هذا الأمر لمكانة الراحل الفنية، والذي نجح في نسج علاقة خاصة وحميمية مع الجمهور التلفزيوني منذ أكثر من عقد بعد مسيرة سينمائية ومسرحية كبيرة. البسطاوي الذي شارك في هذا العمل بعد تعاف مؤقت من مرضه العضال السنة الماضية، جسد في ظهوره الأخير على الشاشة دور رئيس جماعة قروية تمنحه سلطة خاصة يختلط فيها ما هو سياسي بمواصفات بدوية، وما هو موروث من عادات وتقاليد تتميز بالتسلط والعصبية وسيادة الكبار على الصغار والنساء، بخاصة وأن التسلط مرتبط بالغنى والثراء الذي يسمح بالشراء والتحايل والسيادة المطلقة... هذا كله في تعارض مع القيم المستحدثة والأفكار الجديدة المضادة للتقليد والتصورات المتخلفة للمجتمع. ويبدو الرئيس في دوامة من المشكلات والمواقف التي تتوزع أهواءه التي تربى على تقديس الجميع لها، وضرورات خضوعه للمتمردين والمشككين والمنافسين. ولكن ماذا لو كان أول المعارضين من لحمه ودمه، وتحديداً ابنته؟ هنا يصبح للمسلسل طابع خاص يلعب البعد العائلي دوراً في التشويق والإثارة، ما يعقّد الميزة الدرامية. وهكذا يلتقي المعطى السياسي وهو السمة الغالبة مع تجاذب الرغبات داخل أفراد العائلتين المشكّلتين للمسلسل: عائلة «سي اسماعيل» وعائلة «الحاج الباهي»، متبعاً في ذلك الشكل المعروف عربياً في هكذا مسلسلات. لكن المسلسل الذي كتبته نرجس المودن عبر اقتباس من مسرحية شكسبيرية، يحكي في الأصل قصة طبيب عيون في إحدى القرى يحلم بالاشتغال في المدينة حيث الرفاه وسهولة العيش. وستربطه علاقة بابنة رئيس الجماعة، ما يزرع العاطفة في مركز الأحداث إلى جانب السياسة. ولا شك في أن البعد السياسي في القصة عبر تناول أجواء الانتخابات البلدية والقروية والصراعات التي تنجم عنها، يضفي ميزة إيجابية على الدراما المغربية، بخاصة وأنه يحبل بكثير من النوادر والمواقف التي تشكل ظاهرة مجتمعية حقيقية كفيلة بتحقيق الفرجة. وهذا يندرج في إطار ما صرّح به مخرج العمل الممثل إدريس الروخ الذي استطاع إظهار إمكانات جيدة في مجال الإخراج الدرامي عبر تجربة سابقة، من خلال المسلسل الرمضاني الخفيف «ياك حنا جيران». وكان للحلقة الأولى التي بثت الأربعاء الماضي من مسلسل «دار الغزلان» بتقنية ال «آش دي» المتطورة أصداؤها إيجابية، وأبانت عن إمكانات تسييرية وتشخيصية لا بأس بها مع سلاسة متدفقة في الأحداث، كما أظهرت تحكم المخرج في الفضاء العام، بل وتنويعه في شكل يجعله يقترب من الطابع الواقعي المتوخى، وبالتالي يجعل التماهي ممكناً وبلا تكلف، كما نرى مثلاً في مشهد استقبال الطبيب في ساحة القرية التي زُينت وتم تأثيثها بكل مواصفات الاحتفاء المألوفة في مثل هذه المناسبات، والتي تمنح في الوقت ذاته كل شخصية مناسبة الإعلان عن نفسها بخصائصها ودورها في الدراما. وهو ما يجعلنا نتوقع حلقات مقبلة حبلى بكثير من المفاجآت الإخراجية. يذكر أن المسلسل صوّر بالقرب من مدينة أصيلة الجميلة في قرية تضم الوادي والبحر وكل المرافق المطلوبة للوقائع المسرودة حتى تمر في أفضل ظروف التصوير. ووضع ديكور جامع وموحد غير محدد بمجال جغرافي معين مع إضافة اسم «دار الغزلان» كاسم مختلق ومتخيل. وتضم قائمة الممثلين أسماء معروفة مثل محمد الشوبي ومريم الزعيمي ونورا الصقلي وسعيد باي وآخرين أبرزهم ابن الممثل الراحل، الشاب أسامة بسطاوي في دور الطبيب. واللافت أن هذا المسلسل حقق عند عرض الحلقة الأولى منه الأسبوع الماضي نسبة مشاهدة كبيرة، ما أعاد بعض الحياة إلى القناة الأولى وجعلها في موقع المنافسة مع القنوات الرسمية الأخرى. وهو أمر محمود لو تطور وصار حقيقة تلفزيونية مغربية. ويبقى الظهور الأخير للممثل القدير محمد بسطاوي الذي تضمن جينيريك المسلسل إهداء له، حدثاً متميزاً. *كاتب وناقد