تتجه أغلب التوقعات والتقديرات إلى أن البنك المركزي المغربي سيقرر الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي في مستوى 3 في المائة، وذلك في انتظار الحسم في الموضوع خلال أول اجتماع فصلي لمجلس البنك يوم الثلاثاء المقبل. يأتي الاجتماع الأول لمجلس بنك المغرب برسم السنة الجارية في سياق وطني ودولي متّسم باستمرار تباطؤ معدلات التضخم لتستقر عند زائد 2,3 في المائة خلال يناير الماضي، مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، ونتج ذلك عن تسجيل انخفاض في الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ب0,6 في المائة، بسبب تراجع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية ب0,9 في المائة، والرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية ب0,3 في المائة. وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد ربطت، في مذكرة إخبارية صادرة عنها، "تراجع معدل التضخم خلال يناير الماضي إلى أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2021′′، ب"سلسلة انخفاضات في المواد الغذائية، سجلت بين شهري دجنبر 2023 ويناير 2024". وباستحضار السياق الدولي، قرر البنك المركزي الأوروبي الإبقاء على سعر الفائدة في منطقة اليورو "بدون تغيير" عند 4%، وذلك في اجتماعه الخاص بالسياسة النقدية، المنعقد يوم 7 مارس الجاري، لتكون المرة الرابعة على التوالي التي يُبقِي فيها البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي ثابتا في منطقة العملة الموحدة التي تضم 20 دولة. أما أحدَث توقعات "الفيدرالي الأمريكي" فتُفيد ب"بدء خفض أسعار الفائدة خلال وقت لاحق من النصف الثاني من 2024′′. ومن المتوقع أن يُبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة للاجتماع الخامس على التوالي عندما يجتمع صناع السياسة النقدية الأمريكية يومي 19 و20 مارس. في السياق ذاته، كان "مركز التجاري للأبحاث" (AGR) قد توقع في مذكرته الأخيرة حول تتبع السوق النقدية والمالية بالمغرب، "تسجيل هدوء في أسعار الفائدة بسوق السندات"، موردا أن هذا يأتي "في انتظار القرار المقبل لبنك المغرب بشأن السياسة النقدية" (المرتقب يوم 19 مارس). "خيار مرجَّح" في قراءته للتوقعات، أفاد الطيب أعيس، خبير مالي محلل اقتصادي، بأن "تثبيت أسعار الفائدة يبقى هو الخيار المرجَّح للبنك المركزي بالمغرب في الظرفية الحالية التي برهنت عن وضع مستقر في ظل تباطؤ مستمر لمعدل التضخم"، مشيرا إلى أن مؤشرات نهاية 2023 ومطلع 2024 أبانت عن استقرار التضخم سنوياً ما بين 3 إلى 4 بالمائة. وقال أعيس، المحلل المتابع لأسواق المال والأعمال، في إفادات لهسبريس، إن "سعر الفائدة المرجعي يجب أن يَبقى في 3 في المائة، رغم أن التوجه المفترَض أيضا كان ينحو صوب مراجعة لسعر الفائدة الرئيسي تُفضي إلى الانخفاض"، مبرزا أن "الفصول الأخيرة تُثبِت أن هناك استقرارا عاما يجعل من مصلحة البنك المركزي ومصلحة البنوك أن يتقرر التثبيت، على أمل أن يحمل المستقبل المنظور إمكانية مناقشة تدشين مسار التراجع لتحريك دينامية الطلب (الاستهلاك والاستثمار)". "السياق الوطني والدولي مازال يستدعي استقرار وتثبيت سعر الفائدة المركزي في انتظار المستجدات والمآلات الجيو-سياسية للصراعات المسلحة في الشرق الأوسط ونسب تضخم الغذاء العالمي"، يورد المحلل المالي، منبّهاً إلى "تأثير سلبي لاستمرار سياسة التشديد النقدي في خنق تمويلات الشركات المتوسطة والصغرى، فضلا عن انعكاسات على نقص ديناميتيْ الاستثمار والاستهلاك". إشارات دالة بدوره، سار فوزي مورجي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في المنحى نفسه، مشيرا إلى أن "قراءة المعطيات الاقتصادية الراهنة وخلال الأشهر القليلة الماضية، تُظهر أن من المنطقي والمعقول جدا أن يتقرر تثبيتُ سعر الفائدة الرئيسي بالمغرب". وقال مدير مختبر الإحصاء التطبيقي للتحليل والبحث في الاقتصاد، في تصريح لهسبريس، إن "عامل كبح التضخم أو تباطؤ وتيرته ليس العامل المحدِّد لوحده لكي يتخذ البنك المركزي قرار الخفض أو التثبيت"، مستدلا بأن "انخفاض وتيرة التضخم وتباطؤه مردُّه إلى أن الأسعار كانت قد بلغت مستويات قياسية وسقفا معيَّناً ثم عادت لتنخفض، وهو انخفاض وتيرة الأسعار بالنسبة للمستويات التي وصلتها في وقت سابق". وخلص أستاذ الاقتصاد إلى أن "قرار البنك المركزي الذي يصدر كل اجتماع فصلي، يعد مؤشراً دالّاً من طرف السلطات النقدية نحو اتجاه معيَّن لضبط دوره في التدخل وتدبير السياسة النقدية نحو تشجيع ديناميات الطلب الداخلي والاستثمار والاستهلاك"، ليختم بأنه "بالنظر إلى هذه الأسباب والمعطيات، فإنه يظل منطقياً أن يتم تثبيت أسعار الفائدة من قبل مجلس بنك المغرب في اجتماعه الفصلي الأول". سياقات ومؤشرات ياسين اعليا، باحث اقتصادي، لفت من جانبه إلى أن "تراجع نسبة التضخم المسجلة خلال شهر يناير، مع توقعات تشير إلى تباطؤ عام في وتيرة التضخم هذه السنة (مقارنة مع السنة الماضية)، فضلا عن محاولة بلوغ الهدف المحدد من طرف بنك المغرب في 2% كمعدل تضخم، كلها مؤشرات تصب في تأكيد أن يحافظ البنك على سعر الفائدة ثابتاً". واستحضر الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "الشركاء الأوروبيين (ارتباط العملة المغربية ب60% مع اليورو) حافظوا بدورهم على مستويات فائدة ثابتة"، معددا "مؤشرات تُفيد بتثبيت مستوى الفائدة الرئيسي في معدله الذي تقرر بعد ثلاثة ارتفاعات متتالية في فصول سابقة". وبعدما أورد أن "معطى ضمان استمرار انخفاض التضخم يظل غير ثابت، بالنظر إلى ارتباطه بعوامل غير مضبوطة ويصعب التحكم فيها، منها حجم التساقطات المطرية وارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظل استمرار اضطرابات سلاسل التوريد بالبحر الأحمر"، ختم اعليا بأن "البنك المركزي يُتوقع أن يُبقي سعر الفائدة عند 3% تحسّباً لبعض الارتدادات التضخمية المرتقبة في الفترة القادمة".