رمضان، شهر الصيام المبارك الذي يحرص ملايين المسلمين حول العالم على صيامه وأدائه بالشكل الأمثل، هو شهر التقوى والمغفرة والتأمل والتآزر والتضامن والتماسك . بالنسبة للكثيرين، فهو أيضا وقت التحدي، خاصة بالنسبة للأشخاص المصابين بداء السكري. وفي الوقت الذي يعتبر الصيام ركنا من أركان الإسلام وممارسة دينية أساسية في هذا الشهر، فإنه يمكن أن يشكل تحديا خاصا لأولئك الذين يجب عليهم تدبير مستويات السكر في الدم عن كثب وبحرص شديد. ومرض السكري هو مرض مزمن يؤثر على قدرة الجسم على تنظيم نسبة السكر في الدم، وإذا ترك دون علاج، فإنه يسبب العديد من المضاعفات الخطيرة على المدى الطويل، مثل العمى وأمراض الكلى وبتر الأطراف السفلية؛ ولكن أيضا قد يسبب نوبات قلبية وسكتات دماغية وبالتالي الموت المبكر. ويشكل كبار السن والنساء والأطفال الفئات الأكثر عرضة لمختلف المعاناة المرتبطة بهذا المرض الفتاك. وفي المغرب، يعاني أكثر من مليونيْ شخص تبلغ أعمارهم بين 18 عاما فما فوق من مرض السكري، 50 في المائة منهم لا يعلمون بمرضهم، ويقدر عدد الأطفال المصابين بالسكري بأكثر من 15 ألف طفل، حسب بيانات وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية. وحسب التقرير السنوي الشامل الذي أعدته الوكالة الوطنية للتأمين الصحي برسم سنة 2021، يمثل مرض السكري المعتمد وغير المعتمد على الأنسولين 17,2 في المائة من إجمالي النفقات؛ منها 560,4 ملايين درهم للصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي CNOPS و207,5 ملايين درهم درهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (6,5 في المائة) مقارنة بالمصاريف المرتبطة بالأمراض المزمنة طويلة الأمد. خلال شهر رمضان، يجب على مرضى السكري التوفيق بين الالتزامات الدينية للصيام وبين الحاجة إلى الحفاظ على مستويات السكر في الدم عند مستويات آمنة. ويمكن أن تؤدي محاولة التوفيق بين المسألتين إلى مخاطر صحية إذا لم يتم تدبيرها بشكل صحيح وموفق. وفي هذا السياق، قالت أميمة الخطيب، اختصاصية الغدد الصماء، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، إن الصيام خلال شهر رمضان المبارك يشكل تحديا كبيرا لمرضى السكري، خاصة بسبب تزايد خطر نقص السكر في الدم، وهي حالة تصبح فيها مستويات السكر في الدم منخفضة للغاية؛ وهو أمر فيه الكثير من الخطر على أولئك الذين يتناولون الأدوية الخاصة بمرض السكري، لأن الصيام لفترات طويلة يمكن أن يعطل التوازن الدقيق بين نسبة السكر في الدم والأدوية. وتابعت الخطيب، إلى جانب ذلك، هناك خطر ارتفاع نسبة السكر في الدم، لأن عادة تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات والكربوهيدرات خلال شهر رمضان يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. وحتى الأطباق التقليدية من المملحات والتي تحتوي على قدر عال من الملح، والتي تكون غالبا مصنوعة من الدقيق، وهو من السكريات بطيئة الامتصاص، يمكن أن تساهم في هذه المشكلة، ويستوجب التذكير أن المبالغة في تناول الحلويات والوجبات الشهية يمكن أن يجعل المرضى يغضون الطرف عن الحفاظ على التوزان بخصوص نظامهم الغذائي ومستويات السكر في الدم خلال هذا الشهر الفضيل. وللتخفيف من هذه المخاطر، يوصى بشدة بإجراء استشارة طبية قبل شهر رمضان، حسب الاختصاصية، ويمكن للأطباء تعديل جرعات الأدوية المضادة لمرض السكر حسب الوضع والحالة، والانتقال من تناولها ثلاث مرات في اليوم إلى تناولها مرتين في اليوم، أو استبدالها بدواء بديل أقل تأثير. وأضافت أنه يجب أيضا التعامل مع هذه التعديلات على أساس كل حالة على حدة، مع الأخذ في الاعتبار صحة المرضى العامة ونظامهم الغذائي وأسلوب ونمط حياتهم. وفي الوقت نفسه، من الضروري لمرضى السكري الحفاظ على نظام غذائي متوازن خلال شهر رمضان، يحتوي على الأطعمة الغنية بالألياف والمواد المغذية الأساسية. ويجب أن تشكل الخضروات الطازجة والفواكه ذات نسبة السكر المنخفضة والبروتينات الخالية من الدهون أساس الوجبات للمساعدة في ضمان استقرار مستويات السكر في الدم ومنع التقلبات والمفاجآت غير المرغوب فيها. وتعد المراقبة الطبية المنتظمة ضرورية أيضا للتأكد من أن مرضى السكري الذين يصومون شهر رمضان يمكنهم القيام بهذا الواجب الديني بأمان مع الحفاظ على صحتهم. ويمكن أن تساعد النصائح والدعم والتوجيه من الأطباء ومتخصصي الرعاية الصحية المؤهلين في منع الاختلالات الخطيرة في نسبة السكر في الدم وضمان تدبير فعال وناجع لمرض السكري خلال هذا الشهر، الذي يعد من أركان الإسلام وشهر التفاني في التعبد والتقرب إلى الله. و.م.ع