ما زالت مدينة فكيك تعيش على صفيح ساخن، بسبب استمرار احتجاجات ساكنة المدينة، منذ أسابيع، ضد انضمام المجلس الجماعي إلى مجموعة الجماعات الترابية "الشرق للتوزيع"، بذريعة أن تفويض تدبير قطاع الماء للشركات الجهوية متعددة الخدمات يعني عمليا خوصصة هذه المادة الحيوية. قافلة احتجاجية نحو العمالة تسير الاحتجاجات في فكيك، التي انطلقت منذ مئة يوم، في منحى تصاعدي، حيث يتم خوض شكليْن احتجاجين يوميْ الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع. وكان السكان يعتزمون تنظيم قافلة احتجاجية بالعربات صوبَ مدينة بوعرفة، الجمعة، غير أن السلطات منعتهم. واستبقتْ سلطات فكيك الشكل الاحتجاجي الجديد لساكنة المدينة بإصدار قرار يقضي بمنع القافلة التي كانت مقررة بالسيارات إلى مدينة بوعرفة حيث مقر عمالة الإقليم. قرار المنع الذي أصدره باشا فكيك قبل ساعات من الموعد المقرر للقافلة الاحتجاجية، تم تعليله بكون المنظمين لم يحصلوا على أي تصريح مسبق من طرف السلطة المحلية "وفق الشكليات المنصوص عليها في شأن تنظيم التجمعات العمومية". كما عللت سلطات المدينة منع القافلة الاحتجاجية، بكون تنظيمها "من شأنه الإخلال بالنظام العام وعرقلة السير بالطريق الوطنية 17 الرابطة بين فكيك وبوعرفة، وما قد يشكله ذلك من مضايقات وإزعاج لمستعملي هذه الطريق"، و"حرصا على صحة وسلامة المشاركين المفترضين وعلى الصحة العامة". وبحسب مصادر محلية، فإن القافلة الاحتجاجية لم تتجاوز مخرج مدينة فكيك، بعد أن تم تطويقها بالقوات العمومية، من عناصر الأمن والقوات المساعدة، التي تم استقدامها من مدينة وجدة، ما حدا بالمنظمين إلى التراجع. وتقود أطراف مساعيَ لإخماد الاحتجاجات التي تعرفها مدينة فكيك، عبر دعوة ممثلي السكان إلى الجلوس إلى طاولة الحوار مع السلطات، غير أن هؤلاء يشترطون أن يتم استدعاؤهم بشكل رسمي، وأن يتم إعلامهم بشكل مسبق بجدول الأعمال والنقط التي ستتم مناقشتها. محمد البراهمي، فاعل مدني، قال إن السكان الغاضبين "وعدوا بعدم التصعيد من أجل فسْح المجال لإنجاح مساعي الوساطة، ولكن في الطرف الآخر (يقصد السلطة) "هناك آذان صماء". وأضاف البراهمي في تصريح لهسبريس: "غايتنا من القافلة الاحتجاجية التي كان مقررا أن ننظمها اليوم نحو مدينة بوعرفة، هي إيصال صوتنا إلى المسؤول الأول في الإقليم (العامل)". وبالرغم من ترحيب السكان المحتجين بانتداب ممثلين عنهم لاجتماع مع مسؤولي عمالة الإقليم، إلا أن اشتراط السلطات ضرورة إلغاء القافلة الاحتجاجية وسّع هوّة الخلاف بين الطرفين. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن السلطات اشترطت على السكان إلغاء القافلة الاحتجاجية وانتداب ممثلين لمحاورة مسؤولي العمالة، في حين اشترط السكان ضرورة القيام بالقافلة الاحتجاجية، "أو أن يأتي العامل إلى فكيك". الجماعة توضّح يرفض سكان فكيك تفويت الماء للشركة الجهوية للتوزيع، "لأن الماء هو ملك للساكنة، كما أن السكان هم الذين أقاموا شبكات قنوات التوزيع، زيادة على أن بنود القانون رقم 83.21 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات غير واضحة"، يقول البراهمي. وبينما ما يزال التوتر مخيما على فكيك بسبب قرار المجلس الجماعي للمدينة الانضمام إلى مجموعة الجماعات الترابية "الشرق للتوزيع"، عادت الجماعة لنشْر ورقة توضيحية حول الموضوع، كخطوة تهدف إلى "التمهيد لفتح حوار جدي ومسؤول بين مختلف الأطياف الاجتماعية القاطنة بفكيك أو المنحدرة منه". وقالت جماعة فكيك، في الورقة التوضيحية التي نشرتها، إن الشركات الجهوية متعددة الخدمات هي شركات تابعة للدولة، ستحل محل الشركات الخاصة، والوكالات المستقلة للتوزيع والجماعات والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في تدبير قطاع توزيع الماء الشروب والكهرباء والتطهير السائل. وأوضحت جماعة فكيك أن الشركات الجهوية متعددة الخدمات ستدبر قطاع توزيع الماء الشروب والكهرباء والتطهير السائل "عبر وضع آلية ملائمة في شكل شركات دولة خاضعة للقانون العام تحت سلطة مجموعات الجماعات الترابية والدولة من خلال وزارة الداخلية (المديرية العامة للجماعات الترابية)، في كل جهات المملكة، تشكل إطارا مؤسساتيا لتضافر الجهود من أجل الرفع من مستوى تدبير هذه المرافق الحيوية. وبخصوص المخاوف المثارة بشأن إقدام شركة التوزيع على رفع تسعيرة الماء، قالت الجماعة إن هذه المخاوف "يتم الترويج لها بشكل متعمد"، وأن "خدمات الماء الشروب والتطهير السائل والكهرباء تندرج ضمن لائحة الخدمات ذات الأسعار المقننة، وتحدد هذه اللائحة بقرار للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة". مخاوف من تبعات تفويت الماء محاولة جماعة فكيك طمْأنة الرأي العام المحلي بجدوى الانضمام إلى مجموعة الجماعات الترابية لم تلْقَ أي صدى إيجابي من طرف ساكنة المدينة إلى حد الآن، حيث أفاد عبد السلام الكوش، فاعل مدني، بأن غالبية الفكيكيين يرفضون الانضمام، ويُصرُون على إبقاء تدبير قطاع الماء بيد المجلس الجماعي. الرفض الذي تبديه ساكنة فكيك لتفويت تدبير قطاع الماء للشركات الجهوية متعددة الخدمات، يتم تعضيده بكون الجماعات التي قامت بتفويض تدبير قطاع الماء، سواء إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أو الشركات الخاصة، ارتفعت فيها تسعيرة الخدمات التي يؤديها المواطنون. "أُعطيك نموذجا بسيطا، في فكيك تبلغ رسوم الربط بشبكة الماء (Branchement) 580 درهما، بينما تصل رسوم الربط في جماعات قريبة منا، فوّضت تدبير قطاع الماء للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إلى 6000 درهم"، يوضح الكوش. وأضاف المتحدث ذاته: "صحيح أن تسعيرة الماء في فكيك رخيصة جدا، ونؤدي قيمة الاستهلاك كل ثلاثة أشهر، ونعتبر هذا خدمة اجتماعية ونوعا من الدعم للمواطنين، لا سيما وأن فكيك منطقة حدودية"، متسائلا: "لماذا لا نستفيد من دعم كالذي يستفيد منه المواطنون في الأقاليم الصحراوية؟". وأشار المتحدث ذاته إلى أن هناك بلدة تسمى "إيش" متاخمة للحدود مع الجزائر يستفيد سكانها من الكهرباء مجانا، من أجل تشجيعهم على البقاء فيها، لأن الجزائر قد تستغل نزوحهم لضم تلك الأراضي إلى ترابها. سبب آخر يدفع سكان فكيك لرفض انضمام جماعتهم إلى مجموعة الجماعات الترابية "الشرق للتوزيع"، يتعلق بالخوف من استنزاف الفرشة المائية، وهو ما أشار إليه الكوش بقوله: "الشركة لا يهمها إلا الربح، ولن تهتم بالحفاظ على الفرشة المائية". وبالرغم من الاحتجاجات المستمرة لسكان فكيك، إلا أن رئيس المجلس الجماعي للمدينة ما زال متشبثا بقرار الانضمام إلى مجموعة الجماعات الترابية، حيث تقدم المستشارون المعارضون لهذا القرار بطلب إدراج نقطتين في جدول أعمال دورة المجلس يوم الإثنين المقبل، تتعلقان بمناقشة موضوع الانضمام، غير أن الطلب رُفض، بحسب إفادة عز الدين الكوش. ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات لوقف الحراك الاجتماعي الذي تشهده فكيك، إذ ما زال السكان يتشبثون بانسحاب المجلس الجماعي للمدينة من مجموعة الجماعات الترابية كشرط لوقف الاحتجاج، بينما قال البراهمي إن الاحتجاج قد يأخذ أبعادا أخرى، في ظل وجود مطالب عالية للسكان، منها عدم تعويض فئة كبيرة من الفلاحين عن الأراضي التي ضمّتها الجزائر، إضافة إلى "تردي القطاع الصحي"، على حد تعبيره.