ربما نتلقى دعوة من مهرجان عربي لو قررنا ارتداء فساتين "" اليهودي لا يولد والحقد في دمه نحن لسنا تجار دم، وعرضنا ليس ممولا من طرف المناديل إسمه الفني النايلي، وُلد عام 1976 بدانكيرك من أبوين جزائريين مهاجرين. دخل الجزائر في سن السادسة ليتابع دراسته فيها حتى نيله البكالوريا، حيث سيعود إلى فرنسا ويكمل دراسته الجامعية. ينحدر من مدينة "الجلفة" التي تبعد 300 كلم عن الجزائر العاصمة. ينتمي لقبيلة " أولاد النايل" ومن هنا جاء لقبه الفني والتي يقول أن لها بعض الجذور في المغرب، معللا ذلك باستقرار جده الأكبر لبعض الوقت في الساقية الحمراء. احترف فن الراب وغنى بشكل فردي قبل أن يؤسس فرقته "غزة تيم" التي تضم شباباً فرنسيين وجزائريين، وهم الآن بصدد جولة فنية في المغرب. "هسبريس" تابعت سهرة "غزة تيم" بأكادير، والتقت أعضاءها لتجري هذا الحوار مع رئيسها ومؤسسها. كيف كان تجاوب الجمهور معكم في المغربية التي أحييتم فيها أمسيات فنية؟ غنينا بفاس والرباط والدار البيضاء وطنجة وتطوان ومكناس وها نحن بأكادير. كانت الأمورمميزة إلا في مدينة مكناس (يضحك). وماذا حدث في مكناس؟ "مكناس يا مكناس". الكل كان يحكي لنا عن مكناس، ويصفها بعاصمة الراب والموسيقى الشبابية، لكننا فوجئنا بجمهور قليل جدا يعد على رؤوس الأصابع. ومن تعرف من فناني الراب المغاربة؟ أسمع كثيراً عن "البيغ الخاسر" ولا أعرفه شخصياً. أحترمه كفنان له أفكاره ومن حقه الدفاع عنها. استمعت أيضاً لموسيقاه فأعجبتني بعض الأشياء، لكني لا أشاطره في مضمون كلماته. هل كل أعضاء فرقتك يحترفون الموسيقى، أم منهم من يمارس مهنا أخرى؟ الجميع في "غزة تيم" يحترف الموسيقى ولا شيء آخر غير الموسيقى. بين الألم والأمل، كيف توزانون أغانيكم، ففي النهائية الموسيقى يجب أن تكون ممتعة؟ هذا صحيح، الإنسان مزيج من المشاعر المتعارضة أحيانا، وإن تخلى عنها أو عن بعضها يفقد إنسانيته، ولهذا لا بد من الموازنة بينها. عرضُنا الفني ليس ممولا من طرف المناديل، لذا عندما يغضب أحد أعضاء الفرقة يعمل الآخرون على خلق نوع من التوازن، ولم يسبق لنا أن استسلمنا للحزن والغضب والكراهية ولا يجب أن نفعل هذا يوما مهما حدث. رمزية القضية الفلسطينية جعلت مارسيل خليفة يمنع التصفيق خلال سهراته أنا لا علاقة لي بمارسيل خليفة... (مقاطعاً) لكنكم غنيتم مقاطع له؟ لا.. يجب أن أوضح شيئا، فلا علاقة تربطنا بمارسيل الذي نحترمه. صحيح أن لدينا مقطعاً له في آخر أغنية نؤديها، لكن لا مشكلة لدينا مع التصفيق أو الرقص. نحن لا ننافق.. نحن ننظر إلى الإنسان كمجموعة من القيم والمشاعر المتكاملة التي تتأرجح بين الفرح والحزن والغضب والطموح والفشل والنجاح.. نحن لم نأت لنجعل الشعب المغربي يبكي لمدة ساعة ونصف. لقد رأيتم العرض.. استمعتم إلى أغاني ثورية.. أغاني حزينة وأخرى مضحكة، وتطرقنا إلى مواضيع حساسة كما هو الحال عندما حكينا عن الراقصة والسياسي.. وأعتقد ان من واجبنا أيضاً أن نجعل الجمهور يستمع للنص. صحيح أن موسيقانا إيقاعية وراقصة وبها نوع من الخفة، لكن النص يتكلم ويحكي، ومن خلاله نحاول أن نتجول بين أحاسيس مختلفة ونُفهِم الناس بأننا متشابهون. لنعُد إلى رمزية وحساسية القضية الفلسطينية.. أنا لا أتصور عرضا من ساعة ونصف كله غضب وحزن.القيام بذلك خطأ كبير. عرضُنا متكامل نقدم فيه للجمهور متعة فنية ونجيب فيه عن سؤال "من يكون هؤلاء الشباب"، ومن تكون "غزة تيم". بالحزن سنساعد المنتقدين ونضع لهم الماء في الطاحونة كما يقال (L’eau dans le moulin)، وأنا لا أريد تقديم خدمة مجانية لهم. من هؤلاء الذين تقصدهم بالضبط؟ أولئك الذين يرددون كل يوم أن الشباب العربي والمسلم لا يعرف شيئا آخر غير الحقد والكراهية. وكلامي هذا لا يعني في المقابل أن كل شيء على ما يرام وأن الغد مفروش بالورود.. لا أريد أن أفرط في الأمل. طالعت أن جولتكم الأخيرة بفرنسا وصلت عشرة أشهر؟ أقل بقليل من عشرة أشهر.. لكن والحمد لله كان النجاح كبيراً والجمهور الفرنسي احترمنا، وقد كان لنا شرف إحياء حفلات إلى جانب فنانين مرموقين، وعقب ذلك جاءتنا اتصالات عديدة للغناء مما أغنى برنامجنا. سبق وغنيتم في إسرائيل؟ لا، لكني غنيت في حيفا بشكل فردي. وهل الأمر ممكن الآن مع "غزة تيم"؟ أنا أؤمن بأن الحقد والكراهية لا وجود لهما في العربي، وهذا أطبقه على باقي الشعوب والشعب اليهودي لا يخرج عن هذا الإطار، فاليهودي لا يولد والحقد في دمه. اليهودي أيضا إنسان يتعلم أشياء ولديه أفكار. وعندما ذهبت إلى إسرائيل لمست أن المجتمع. الإسرائيلي مجتمع فصائلي وعِرقي غير متجانس، ولولا هذه التجربة ما اكتشفت هذا الواقع. لو جاءتكم دعوة من إسرائيل أتلبونها؟ والله، سأكون صريحاً معك. أنا شخصياً لا أعارض انطلاقاً من مبدأ حرية التعبير. إذا توفرت لي ضمانات أن أعبر بحرية، وضمانات أمني وسلامتي، فسأذهب. سأقول لك لماذا، لا يجب أن نكذب على أنفسنا، فالواقع فيه دولة اسمها إسرائيل، ولا أرى داعياً للدخول في خطاب يُراد به تنويم الشعوب العربية من قبيل " محو إسرائيل من الخريطة ". " واش تمحي يا خويا؟"، هذه الدولة لديها ستين سنة من الوجود رغما عن أنفك. أنت هكذا تعترف بدولة الكيان أنا أعترف بممثل الشعب الفلسطيني. هناك سلطة فلسطينية منتخبة من طرف الشارع الفلسطيني وتقول بأنها الممثل الشرعي للفلسطينيين، ومنظمة التحرير الفلسطينية أمضت معاهدة اسمها "أوسلو" تعترف من خلالها بدولة إسرائيل، وأنا لا أستطيع أن أكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين. هناك شيء آخر أود أن أقوله، المفاوضات التي تُجرى اليوم، تجرى مع من؟ إنها تُجرى مع شيء اسمه إسرائيل. أنا لا أؤمن ولا أستعمل لغة الخشب، لكن مع كامل الأسف البعض يعيش في الأوهام والمجتمع العربي يحب الخطابات. ألم تواجهوا احتجاجات حول تسمية "غزة تيم" بالنظر إلى ثقل الاسم؟ هو اسم اخترناه وجمعنا حول راية واحدة بعدما كنا نمارس الفن بطريقة فردية. الجميع يحب غزة. أحببنا غزة قبل الأحداث فما بالك الآن. صحيح أن البعض يتكلم كثيرا عن ثقل الاسم، وما يمكن أن يجلبه لنا من تعاطف أو مشاكل، لكن كل كلام من هذا القبيل لا يهمني. ما يهمني هو تقديم موسيقى ذات جودة من حيث الكلمات والألحان وإيصالها إلى الجمهور. وعندما أحيينا ثلاثين حفلة في فرنسا فهذا لم يأت لأن اسمنا "غزة".. الفرنسيون لم يختاروا "غزة تيم" لأنها قادمة من غزة، وأنا أشدد دوماً على هذه النقطة، وقد قلت لهم أن يعاملونا على أساس مستوانا الفني ولا شيء غير ذلك، فكان السؤال في كل مرة "هل نملك مستوىً فنياً يؤهلنا لصعود خشبة مهرجانكم؟". لكن الاسم فيه ما يكفي من الماركوتينغ الإعلامي غزة ليست مِلكي ولا ملك أحد، إنها ملك الإنسانية، وبين قوسين أود أن أهمس في أذن كل من يشكك فينا وفي نوايانا وأقول له نحن لسنا تجار دماء. لقد شاهدتم السهرة.. هل كنا نتحدث في كل مرة عن أطفال غزة؟؟ نحن لا نتاجر بأرواح الأبرياء والشهداء، فهدفنا ليس هو خطف القلوب. لدينا أحباء وأصدقاء ماتوا في أحداث غزة وكان بإمكاننا الحديث عنهم وانتزاع تعاطف الآلاف.. لكن لا.. تلك حياتنا الشخصية. أعتقد أن كلامنا واضح تماماً مثل موسيقانا، وحتى الآن إذا لم نربح الناس فقد ربحنا احترامهم. ألا تعتقد بأن نجاح الفرقة رهين بمدى الانتقادات التي تتلقاها من إسرائيل أو من طرف المدافعين عن القضية الفلسطينية، وأن ما دون ذلك سيعني أن "غزة تيم" لا تحرج وتهادن الطرفين؟ حتى الآن ليست هناك جهة اعترضت علينا وقالت لا يجب أن تتحدثوا عن هذا الموضوع أو ذاك. وحتى لو جاء طرف ليمارس علينا رقابة فسنضحك عليه لأننا أحرار وخطابنا نظيف، والكلمة النظيفة تصل إلى الجمهور.حتى الآن نحن سعداء بما نحققه وسعداء أيضا بتواجدنا في المغرب، وأنا أستغل الفرصة لأشكر السلطات والسفارة الفرنسية.. لكن أحس بأن هناك أشياء غير منطقية تحدث.. كيف تأتينا دعوة من جهة أجنبية بعد أن وضعنا طلبات كثيرة للمشاركة في مهرجانات عربية ومن بينها مهرجانات مغربية لم نتلقى أي دعوة أو حتى إجابة عنها. أنا لا أدعي أن موسيقانا رائعة فربما لا تروق البعض وكل واحد حر في أذواقه، لكن الغريب أن نجد في الوطن العربي مهرجانات موسيقية متضامنة مع غزة تُستدعَي لها فنانات فيديو كليبات من المشرق ب 60 أو 70 ألف دولار، وهذه معلومات أنا متأكد منها. وقد قلت للشباب ذات يوم أننا ربما نتلقى دعوة لو قررنا يوماً ارتداء الفساتين (يضحك). على أي حال، سنتركهم مع ضمائرهم.. والقضية ليست قضية مال فنحن مستعدون للقيام بثلاث جولات في ثلاث بلدان بنفس السعر الذي تتقاضاه فنانة من الفنانات اللائي حكيت لك عنهن. هل أعتبر هذا تخفيضا رسمياً؟ لا يتعلق الأمر بتخفيض بقدر ما يتعلق بالضمير. نحن لا نطالب بالآلاف، فضمائرنا هي التي تحركنا لا جيوبنا.. كل ما نطلبه هو ما يمكن أن نعيش به. أنا إنسان قنوع وأرفض امتهان فن الارتزاق.. " تحطّ لي كسيرة وحْليبة الله يجعل البركة، مانيش طالب أكثر من هاداشي". دعنا نحلم قليلاً، ولنتصور أن فلسطين حصلت على استقلالها، هل ستكون تلك نهاية "غزة تيم"؟ (يبتسم ثم يأخذ نفساً عميقاً) ربما.. لا أدري.. ذاك حلم.. وهو في الحقيقة ما يحركنا. إذا جاء هذا اليوم، وإن شاء الله يأتي في وقت قريب، أظن أن حبنا للموسيقى سيجعلنا نستمر ونواصل الغناء. كالطبيب الذي يطمح أن يعالج كل مرضاه لكنه يعود لينتظر قدومهم كل صباح هذا صحيح نوعاً ما.. نحن حساسون بمحيطنا وربما سنغني عن مشاكل دولة جديدة، ففي النهاية لا وجود لدولة في العالم بدون مشاكل. يمكن أيضاً أن تكون فرصة لنحكي عن المشاكل الفردية التي تمسنا، لأن غزة لا تسمح لنا اليوم بالقيام بذلك.