أصبحوا القوة النقابية الثانية ونالوا مشروعية المشاركة في الحوار الاجتماعي ظهرت النتائج الأولية للانتخابات النقابية التي جرت الجمعة الماضية (15 مايو) تقدما كبيرا لنقابة الإسلاميين (الاتحاد الوطني للشغل)، وفي مختلف القطاعات التي قدموا فيها لوائح، ومن المرجح أن تتجاوز سقف 90 ممثلا في قطاع التعليم، بينما لم يتجاوز عدد الممثلين الإسلاميين في انتخابات 2003م 71 ممثلا. ""
وينتظر مع هذا العدد المهم من الممثلين أن يجعل من الإسلاميين القوة النقابية الثانية في المغرب بعد الفيدرالية الديمقراطية للشغل التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، كما سيجعلهم -من جهة ثانية- مخاطبا رئيسيا للدولة في السنوات الست القادمة، فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي.
وقد شارك الاتحاد الوطني للشغل المقرب من حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في انتخابات ممثلي المأجورين من العمال والموظفين، والتي تسمى ب"انتخابات اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء"، وتتشكل هذه اللجان على صعيد كل إدارة عمومية وفي القطاع الخاص من جهة من مناديب العمال أو الموظفين، ومن جهة ثانية من الإدارة، ومناصفة. وتختص بالنظر في بعض القضايا المصيرية للأجير كالترقية، والتأديب، والاستيداع، والإحالة على المعاش؛ بسبب المرض، ومن ناحية أخرى يعتبر هؤلاء الممثلين من "الناخبين الكبار" الذين يشاركون في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين (الغرفة الثانية من البرلمان المغربي). وتكتسي هذه الانتخابات أهمية خاصة بالنسبة للإسلاميين فهي من جهة مصدر مشروعية المشاركة في الحوار الاجتماعي الذي تجريه الدولة مع النقابات، والذي اشترطت فيه تمثيلية لكل نقابة لا تقل عن 6%، ثم من جهة ثانية هي مدخل أساسي بالنسبة للإسلاميين لتحسين موقعهم في الغرفة الثانية من البرلمان المغربي. تاريخ المشاركة النقابية الإسلامية كانت الحركة الإسلامية المغربية في عقد السبعينيات من القرن الماضي تعتبر العمل النقابي "بدعة" ماركسية وشأنا يساريا صرفا، إلى درجة كانت تصف النقابة الطلابية "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بالاتحاد الوثني لطلبة المغرب، ولم يتغير هذا الموقف إلا بعد سنوات طويلة، ومراجعات عسيرة في أواخر الثمانينيات؛ حيث سيفد الإسلاميون على النقابة الطلابية بقوة وحماس، وسيدخلون في صراع مفتوح مع قوى اليسار المتطرف، مكنتهم في نهاية المطاف، وبعد "معارك" طاحنة، من تقاسم السلطة النقابية مع ما تبقى من اليسار داخل الجامعة. ونظرا للحظر القانوني الذي كان يعانيه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ولا زال، وتعطل هياكله بعد فشل مؤتمره 17، فلم ينتفع الإسلاميون انتفاعا كبيرا من سيطرتهم على هذه المنظمة، واقتصر الأمر على أسوار الجامعة وساحاتها، ولم يستطيعوا النفوذ إلى ساحات العمل العام، والمساهمة في القرار السياسي الذي يعني الشباب عموما والجامعة على وجه الخصوص. أما خارج أسوار الجامعة، فتعتبر أواخر التسعينيات من القرن الماضي البداية الفعلية والرسمية للمشاركة النقابية الإسلامية في المغرب، وتزامن ذلك مع التوافق الذي تم ما بين قطاع عريض من الحركة الإسلامية المغربية ممثلا في حركة الإصلاح والتجديد مع الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (حزب العدالة والتنمية فيما بعد)؛ حيث التحقت مجموعة من كوادر الحركة، وفي مقدمتهم محمد يتيم عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح والأمانة العامة لحزب العدالة بنقابة حزب الخطيب الاتحاد الوطني للشغل، وعملوا إلى جانب القيادات القديمة للاتحاد على صياغة رؤاه، وإعادة هيكلته، وتأسيس فروعه ومكاتبه الجهوية والمحلية، وأيضا العمل على تأسيس عدد من الجامعات القطاعية كالتعليم، والجماعات المحلية، والصحة، والسكك الحديدية والموانئ...، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أولى المبادرات العملية لهذا الإطار النقابي الجديد. أما جماعة العدل والإحسان فقد نحت منحى آخر في ممارسة العمل النقابي؛ حيث أوصت أعضاءها بالانخراط في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي كان يرعاها الاتحاد الاشتراكي، ويتزعمها نوبير الأموي الذي انشق فيما بعد عن الاتحاد، تقديرا منها لأهمية الوحدة النقابية، واستطاع عدد من عناصر الجماعة أن يحتلوا مواقع محلية متعددة، غير أن الأموي وحلفاءه من اليسار حالوا بين العدل والإحسان والهياكل الوطنية للكونفدرالية، ومنعوا عناصر الجماعة من أي موقع قيادي يسمح لهم بالتأثير في الحياة النقابية المغربية كهوية جديدة، الشيء الذي جعل مساهمة العدل والإحسان في النضال النقابي المغربي محدودا وضعيفا. ويتجلى هذا الأمر بوضوح في هزالة وضعف عدد المرشحين من جماعة العدل والإحسان تحت مظلة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في الانتخابات الحالية والتي قبلها. قراءة في النتائج الأولية شارك الإسلاميون لأول مرة في الانتخابات المهنية سنة 2003م، ورغم حداثة عهدهم بالعمل النقابي فقد استطاعوا الحصول على عدد من المقاعد والممثلين في اللجان الثنائية، خاصة في قطاع التعليم؛ حيث احتلوا الرتبة الرابعة، وقدرت نسبة نجاحهم آنذاك ب 14%، مستفيدين من دعم التيار الإسلامي واحتضانه لهم، خاصة حركة التوحيد والإصلاح، وقد مكنهم ذلك من الظفر بمقعد في الغرفة الثانية من البرلمان المغربي. أما التقدم الكبير للإسلاميين في الانتخابات الأخيرة فقد كان على حساب عدد من النقابات التاريخية والعريقة في المغرب، وعلى رأسها الفيدرالية الديمقراطية للشغل (الاتحاد الاشتراكي)، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (اليسار المنشق عن الاتحاد الاشتراكي وبعض قوى اليسار الأخرى)، والاتحاد المغربي للشغل (اليسار المتشدد)، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب (حزب الاستقلال) الذي تراجع بشكل ملحوظ في معظم القطاعات ولصالح نقابة الاتحاد الوطني للشغل (حزب العدالة والتنمية)، وتأتي هذه النتائج المطمئنة للإسلاميين قبل أيام من الانتخابات الجماعية التي ستجرى في منتصف شهر يونيو القادم. دلالات الفوز كثيرة هي الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذه الاستحقاقات المهنية، غير أن أبرزها: 1- النفوذ المتزايد داخل الطبقة الوسطى: أظهرت هذه الانتخابات أن الناخب الأساسي والمستقر للنقابة الإسلامية هو الطبقة الوسطى التي تتشكل أساسا من فئة رجال التعليم والأطباء والمهندسين...، والمتمركزة في المدن والحواضر الكبرى أساسا، بعدما كانت هذه الفئة محسوبة تاريخيا في المغرب على اليسار بفصائله المختلفة وتصوت له. 2- امتحان المرجعية الإسلامية: إن العمل النقابي يتصل بحبل سري بالحداثة بوجهيها الرأسمالي والاشتراكي، وتقريبا جل قوانينه وعاداته النضالية "مصلحية" - "مادية" ضيقة. وتفوق الإسلاميين من حيث العدد في هذه الانتخابات، لا يعني بالضرورة تفوقا نوعيا (كمرجعية)، يبرز ممارسة جديدة ومختلفة بشكل كبير عما هو سائد، الشيء الذي يقتضي تعميقا للرؤية الإسلامية في تدبير الشأن النقابي وإدارة المعارك النضالية والمطلبية. 3- التعبير الدقيق عن خريطة النفوذ السياسي والاجتماعي للإسلاميين في القطاع العام: نظرا لقلة عوامل الفساد في الانتخابات المهنية في القطاع العام والوظيفة العمومية مقارنة بالوضع في القطاع الخاص الذي يعاني من اختلالات عديدة، فإن ما أفرزته صناديق الاقتراع يوم الجمعة 15 مايو له مصداقية كبيرة، ويعكس القيمة السياسية لتيار المشاركة في المغرب من حيث القوة والترتيب. 4- التعليم قطاع رائد: إن تفوق النقابة الإسلامية كان واضحا وجليا في قطاع التعليم، الشيء الذي يدل على حيوية هذا القطاع وطابعه الإستراتيجي بالنسبة للإسلاميين، ويؤشر بشكل واضح على مزيد من التقدم في القطاعات الأخرى في المستقبل، خاصة إذا تحلت بالجرأة والشجاعة في مناهضة الفساد والمفسدين، وانحازت لمصالح "الشغيلة"، ولعل أسوأ ما يمكن أن يصيب العمل النقابي الإسلامي في هذا السياق هو الغلو في تسييس النضال والمعارك. 5- موقع مؤثر في الغرفة الثانية: إن هذه النتائج ستسمح للإسلاميين بتحسين موقعهم في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، وبالتالي تعزيز حضورهم التشريعي على صعيد البرلمان بغرفتيه، خاصة إذا استحضرنا ما يمكن أن تتمخض عنه الانتخابات المحلية في هذا المجال. إن الإسلاميين المغاربة -وهم يحتلون مواقع جديدة من خلال الانتخابات المهنية التي جرت يوم 15 مايو- يعززون مكانتهم في المشهد السياسي المغربي الذي ظل ناقصا من هذه الناحية طيلة السنوات الأخيرة، ويحصنون مقعدهم في الحوار الاجتماعي مع الدولة حول قضايا المعيشة، وهموم "الشغيلة" المغربية في ظرفية اقتصادية عالمية ومحلية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها صعبة. لكن التحدي الكبير الذي يواجه النقابية الإسلامية في المغرب هو: ما مدى قدرتها على قلب علاقات العمل –على الأقل في القطاعات التي فازت فيها- من منطق الصراع إلى منطق التعاون الذي جعلته عنوانا لمنهجها النقابي انطلاقا من قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا»؟، ثم ما مدى التزام "الشغيلة" المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بشعار الاتحاد "الواجبات بالأمانة والحقوق بالعدالة" في مقرات عملها، خاصة في شقه المتعلق بالواجب؟. فنجاح الإسلاميين في رفع هذا التحدي، وتأطير المنخرطين في "الاتحاد الوطني للشغل" تأطيرا سليما في ضوء المبادئ والشعارات المعلنة سيجعل النقابية الإسلامية في المغرب نقابة غير تقليدية، ومدرسة جديدة، قادرة على توظيف الخصوصية الثقافية لخدمة متطلبات النمو الاقتصادي، وتفهم إكراهاته، بنوع من الاعتدال والتوازن. (إسلام اونلاين)