أسدل قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، فجر اليوم الجمعة، الستار عن واحدة من أهم وأخطر القضايا الجنائية التي نظر فيها القضاء المغربي في السنوات القليلة الماضية؛ وهي القضية المعروفة ب"ارتباطات إسكوبار المالي". وقد أصدر قاضي التحقيق قرارات بالإيداع في السجن في حق 20 متهما؛ من بينهم سياسيون ورجال أعمال وموثقون وأمنيون، يتقدمهم عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، وشقيقه عبد الرحيم بعيوي الذي يشغل منصب رئيس جماعة عين الصفا بوجدة، وسعيد الناصري رئيس فريق الوداد البيضاوي... إلخ. وكانت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قد أحالت، زوال أمس الخميس، 25 متهما على الوكيل العام للملك بالدار البيضاء، في أعقاب انتهاء البحث التمهيدي الذي استغرق أشهرا عديدة في هذه القضية، بسبب امتداداتها وارتباطاتها المتشابكة بعدة جرائم مالية وبقضايا التزوير وتهريب المخدرات. النيابة العامة.. صك متابعة متشدد تعاطت النيابة العامة بكثير من الحزم مع هذه القضية، وأشهرت صك متابعة متشدد، إذ أخضعت أربعة متهمين فقط للمراقبة القضائية وسحبت جوازات سفرهم وأغلقت الحدود في مواجهتهم؛ بينما قررت متابعة باقي المتهمين في حالة اعتقال مع إحالتهم على قاضي التحقيق. وقد ضمنت النيابة العامة في ملتمس التحقيق الذي وجهته إلى قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء مجموعة من التهم الجنائية الخطيرة. وتتمثل في التزوير في محرر رسمي، والمشاركة في تزوير سجل، ومباشرة عمل تحكمي، والإرشاء، وتسهيل خروج أشخاص من التراب المغربي في إطار عصابة واتفاق، والمشاركة في مسك المخدرات، ونقلها وتصديرها، وإخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة، والتزوير في محررات رسمية وعرفية، واستخدام مركبات ذات محرك. وقد استغرقت مسطرة الاستنطاق أمام النيابة العامة ساعات عديدة، بسبب حجم المسطرة التي أنجزتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وكثرة الإجراءات المسطرية والتقنية المنجزة، والافتحاصات المالية العديدة، وبسبب كثرة المتهمين الذين كان يتم التحقق من هويتهم ومواجهتهم بالتهم الجنائية الخطيرة المنسوبة لهم في صك المتابعة. قاضي التحقيق.. وقرار الإيداع شرع قاضي التحقيق في استقبال المتهمين في جلسات الاستنطاق الأولي في الساعات الأولى من منتصف ليل الخميس الجمعة، حيث قام بمواجهتهم بالتهم الجنائية التي تتابعهم بها النيابة العامة، قبل أن يصدر قرارات بالإيداع بالسجن في حق المتهمين. وكان أول المرحلين إلى سجن عكاشة بعدما صدر في حقه قرار الإيداع بالسجن هو رجل الأعمال عبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، الذي وجهت إليه النيابة العامة تهما خطيرة لها علاقة بالتزوير في محررات رسمية والمشاركة في مسك المخدرات ونقلها وتهريبها وغيرها من الأفعال الإجرامية الخطيرة. وقد عرف محيط محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حالة استنفار كبيرة، ولوحظ توافد سيارات عديدة مخصصة لنقل المعتقلين التي كانت تنقل بشكل تدريجي المتهمين الذين صدرت في حقهم قرارات الإيداع، انطلاقا من محكمة الاستئناف بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء نحو سجن عكاشة بمنطقة عين السبع. وقد ظلت حركية نقل المعتقلين نحو سجن عكاشة مستمرة من منتصف الليل حتى بداية صباح اليوم الجمعة، بعدما انتهى قاضي التحقيق من جلسات الاستنطاق الأولي وقرر إيداع جميع المتهمين المتابعين في حالة اعتقال؛ ومن بينهم سعيد الناصري والشقيقان بعيوي وموظفو أمن ودركيون وموثقون ورجال أعمال. تحول إيجابي شكلت قضية عبد النبي بعيوي وسعيد الناصري ومن معهما محطة فارقة ومنعطفا إيجابيا، سواء في تعاطي الدولة مع جرائم الفساد المالي أو حتى في تعامل الأحزاب السياسية مع أعضائها المتورطين في قضايا إجرامية. فمبادرة حزب الأصالة والمعاصرة بتجميد عضوية عبد النبي بعيوي بمجرد الاشتباه في تورطه في هذه القضية تقطع مع بعض السلوكات السلبية التي كرّسها أحد الأحزاب، الذي كان يشهر دائماً شعار "لن نسلمكم أخانا" كلما تورط أحد من أعضاء الحزب في قضايا إجرامية، حتى وإن كانت جرائم ضرب وجرح مفضي للموت. ويرى بعض المتتبعين أن تجميد عضوية المنتخبين والسياسيين الذين تحوم حولهم جرائم الفساد المالي أو التورط في قضايا إجرامية ينفي عن الحزب أو التنظيم النقابي أو السياسي "المقاومة المؤسسية" للقانون، ويقوي سلطة القانون والتخليق الداخلي ضمن هذه الهيئات، كما ينزع عن السياسيين الفاسدين فرصة التذرع والاستقواء بتنظيماتهم الحزبية أو السياسية. كما تبرهن قضية بعيوي والناصري على أن سلطة القانون تتقوى في المغرب أكثر من أي وقت مضى، وأن لا أحد فوق القانون، خصوصا أن هذه القضية تأتي في سياق تراكمات العديد من القضايا المماثلة التي اعتقل وأدين فيها سياسيون ورجال أعمال كان آخرهم الوزير السابق محمد مبدع والبرلماني رشيد الفايق ورؤساء جماعات ومجالس جماعية ومحلية.