-1- "" المؤسف في ما وصل إليه المغرب اليوم، هو أن المتحكّمين في زمام الأمور دارو فران أمان ودارو الكالا حتى هي، لذلك لم تعد عجلات بلدنا تتحرك ولو بتلك السرعة البطيئة التي كانت تسير بها في السنوات الأولى لما يسمّى ب"العهد الجديد". وحتى عندما تتحرك هذه العجلات يظل تحركها كتحرّك الزعلولة، تتحرك جيئة وذهابا، لكنها لا تبرح مكانها أبدا! -2- صحيح أن بعض المكاسب تحققت، لكن هذه المكاسب على كل حال ليست كافية، بمعنى أننا نريد المزيد!...المزيد المزيد! هناك من يقول مثلا، بأن المغرب حقق خطوات مهمة على درب القطع مع سياسة نظام الحسن الثاني، حيث تمّ "طي صفحة الماضي"، وذلك بإنشاء هيأة للإنصاف والمصالحة، وإغلاق المعتقلات السرية، وأصبح بإمكان الصحافة أن تفتح كثيرا من الملفات التي لم تكن تجرؤ على الإقتراب منها في العهد الماضي... لكن الغريب في الأمر، هو أن هذا المغرب الذي أغلق معتقلاته السرية السابقة، ما زال الصحافيون يحاكمون فيه بشهور من السجن النافذ، وغرامات مالية خيالية، ونقرأ في صحافته كل يوم تقريبا، أن كثيرا من المعتقلين، المتهمين بالتورط في قضايا الإرهاب غالبا، يتعرضون لأنواع كثيرة من التعذيب لا يختلف كثيرا عما كان يتعرض له معتقلو سنوات السبعينات والثمانينات، وآخر مثال في هذا الصدد، ما صرّح به مصطفى المعتصم، زعيم حزب "البديل الحضاري" المنحلّ، المعتقل مع خلية بلعيرج، بكون المحققين هددوه بإجلاسه فوق فوهة القرعة! أكثر من ذلك، نقرأ كثيرا عن وجود منطقة يحظر الإقتراب منها قرب مدينة تمارة، لأنها تحتضن معتقلا سريا حديثا! فهل قطعنا حقا مع الماضي؟ -3- نحن إذن أمام مغرب غير مفهوم بالمرّة. فإذا كان المعتقلون السياسيون في عهد الحسن الثاني يُرمون في أقبية المعتقلات السرية، فالرأي العام على كل حال لم يكن يطّلع على ما يتعرض له هؤلاء إلا في حدود محدودة، لأن الصحافة التي تجرؤ على الإقتراب من هذه الملفات الشائكة، يتم منع توزيعها على الأكشاك، ومن ثم يظل الرأي العام بعيدا عن معرفة ما يجري. أما اليوم فالصحافة تجري حوارات مع المعتقلين، يكشفون فيها أمام الرأي العام الوطني عما تعرضوا له من صنوف التعذيب، أضف إلى ذلك أن الاختطاف أيضا ما يزال مستمرا. ويبقى المثير في الأمر هو أن هذه الأفعال التي كانت أحزاب المعارضة والحقوقيون في العهد الماضي يدخلون بسببها إلى السجون، صارت اليوم شيئا "عاديا"، ما دام أنها لم تعد تثير رد فعل أحد. فأحزاب المعارضة استطاع المخزن أن يبتلعها بفضل خطة "التناوب التوافقي" الباهرة! والحقوقيون السابقون نراهم يهرولون ويتسابقون من أجل الضفر بمكانة تحت سلهام المخزن واحدا تلو الآخر. والبقية الباقية صار صوتها ضعيفا للغاية، حتى أن رجال القوات المساعدة يسقطونهم أرضا ويشبعونهم العصا أمام عدسات المصورين! فهل هذا هو المغرب "الديمقراطي الحداثي" الذي نطمح للعيش فيه؟ -4- الذين يقولون إن المغرب يتطور ويتقدم إلى الأمام، يبنون موقفهم هذا انطلاقا من مقارنة بلدنا بالدول العربية المتخلفة. عندما يتحدثون مثلا عن حرية التعبير، يقولون بأن هامش الحرية الممنوح للصحافة في بلدنا أفضل بكثير مما هو موجود في بلدان عربية أخرى. هذا جميل، لكن، لماذا ننظر دوما إلى الخلف ولا ننظر إلى الأمام؟ إذا كان المغرب أفضل حالا من الدول العربية فالذي يجب علينا أن نفعله هو أن ننظر إلى الدول التي هي أفضل منا، ونستعجل الخطى كي نلتحق بها، وليس الالتفات إلى الوراء كي ننظر إلى الدول التي تجاوزناها. أنا لا يهمني مثلا، أن يكون المغرب أفضل من الجزائر أو ليبيا، لكن ما يهمني هو أن يتطور المغرب كي يصير مثل إسپانيا أو فرنسا. فمن يريد أن يتقدم إلى الأمام عليه أن يجتهد كي يلتحق بالمتفوقين، وليس أن يقارن نفسه بالمتخلفين! -5- المغرب إذن يعيش مرحلة فراغ قاتلة. الأحزاب السياسية والنقابات العمالية لم تعد لها أية مصداقية. الشخصيات السياسية التي تقف في صف الشعب من طينة الذين كانوا يدخلون إلى المعتقلات السرية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بسبب مواقفهم السياسية الشجاعة وآرائهم المزعجة لم يعد لها أثر على الساحة الوطنية. الجامعات المغربية لم تعد فضاء لتأطير الشباب سياسيا وفكريا من أجل تخريج شخصيات كفأة في الميدان الفكري والسياسي، وكل ما يفعله الطلبة اليوم عندما تطنّ الذبابة في رؤوسهم هو حمل الهراوات والسلاسل الحديدية ليصبوا جامّ غضبهم في بعضهم البعض! المثقفون أيضا لم يعد لهم وجود، ليست هناك كتب، وليست هناك ندوات ولقاءات ولا مقالات فكرية في الصحف. فلك الله أيها الشعب المغربي المسكين! لذلك تبقى الصورة الوحيدة التي يمكن أخذها عن مغرب اليوم هو أن الساسة والنقابيين باعو الماطش، وعامة الناس كفروا بكل شيء تقريبا، ولم يعودوا يهتمون بالسياسة ولا بالرياضة، أي أننا نعيش حياة بلا معنى، بعد أن صار بلدنا مثل باخرة بدون بوصلة. ويبقى السؤال المحيّر هو: إلى أين نسير يا ترى؟؟؟