«كانت المجاعة الكبيرة بالمغرب وانحبس المطر ووقع القحط وكثر الهرج، ودام ذلك قريبا من سبع سنين. أكل الناس فيها الميتة والخنزير والآدمي و فنى أكثرهم جوعا..» المؤرخ المغربي أبو عباس الناصري (1835-1897). مرت قرون و مازال المطر هو الفاعل السياسي الأول في المملكة و صاحب الذكاء الإقتصادي القادر على إعطاء الحلول الآنية، يملأ صبيب السدود الموحِلة و يرفع من نسب النمو الملتصقة بقعر المؤشرات. يأتي المطر بدون جوقة و لا ميكروفونات و لا زرابي و لا صور و لا رايات و يعطي الحلول هنا و الآن و لا يَمن على أحد و لا يقول لأي كان أنه المسؤول الأول على الاستقرار.. استقرار الراعي قرب ماشيته و نايه و كلبه و الفلاح فوق أرضه و المياه في جوف الآبار. المطر هو المسؤول الأول عن ربيع بدون بيانات و لا لافتات و لا بنادق ترسم للجداول مسار جريها و للورود طريق زحفها. المطر لا يقدم برنامجا انتخابيا و لا يعطي الوعود و لا يبسمل و لا يحمدل قبل السقوط من أعلى نحو قحطنا و فوق جفاف قلوبنا، بل يأتي هكذا، منهمرا عندما تنهمر الدموع الصامتة على خدود الجياع في مكان لا تصله عدسات الكاميرات و لا عبقرية المبادرات. المطر لا يعين متحدثا رسميا بإسم الغيم و لا ينشئ مندوبيات سامية للأحلام و لا وزارات منتدبة مكلفة بالأرقام و لا يدخل سجالا و لا يوضح و لا يرد عندما يتنابز الساسة بالألقاب و ينسبون لأنفسهم أوراشا فتحتها الزخات النازلة من السحاب. المطر طبيب يحيي، على الدوام، بلدنا الميت و يجعله في وضعية مستقرة على سرير السكتة القلبية ضامنا تدبدب الخط مانعا إياه من أن يستحيل صراطا أحمر مستقيما على شاشة تقف على عليها قلوب سوداء تداري السواد بالجلابيب و الوزرات البيضاء. المطر "كَرَّابْ" بلا ناقوس يسقي بهيمة المغرب و عبيد المغرب و عباد الله في المغرب و يأبى أن يجعلهم من القانطين. المطر يكنس شوارع البلدات و ينظف أرصفة المدن الكبيرة و لا يطالب بصفقات تدبير مفوض كما يأبى أن يأخذ مليما أحمرَ من جيوبنا و أن قرشا أبيضا من الضرائب المتراكمة على ظهور الفقراء.. فالمطر حبيب للفقراء. المطر لم يفتح فروعا في الأقاليم و لم يبحث عن مقعد في القبة التشريعية و لا يقدم بيانات في اجتماعات اللجان الوظيفية و مع ذلك فهو أكبر الناجحين في "التنزيل" و أقدر الفاعلين على التأويل الديمقراطي لنصوص لم يُستشر إبان صياغتها و برامج لم تأخذ خبرته بعين الاعتبار. للمطر و جب الاعتذار فلا السيارات "زمرت" لمناقبه و لا الجماهير خرجت لتحيته و مع ذلك فهو أكبر من كل الجاحدين. يستحق المطر أن يكون رئيس دولة أو رئيس حكومة أو رئيس بلدية أو جماعة قروية منسية فهو قريب من كل الأكف المرفوعة و الدعوات المشفوعة بترتيل أسفار الفقر والفاقة والخصاص. هيا ننتخب المطر و نجعل منه حزبا و حيدا فقد أنهكنا تعدد لا يعني التنوع و ساسة يحترفون الملاّجة و المعارك الصغيرة تحت قباب ضيقة بينما ينثر المطر قطرات الفرح تحت سقفه الأزرق الواسع بجود و عدل دون أن ينظر الى صورنا.