يبدو أن علينا ابتداء، أن نطرح هذا السؤال البسيط والمباشر، هل نريد فعلا إصلاح التعليم؟ ثم نجيب عنه بالوضوح المطلوب سلبا أو إيجابا، ذلك أن ما يسمى بمسألة إصلاح التعليم عندنا، طال أمدها وتحولت مع الوقت وفي العديد من وجوهها إلى ما يشبه الألغاز والأساطير، الأقرب إلى أعمال السحرة والدجالين. لا نكاد نمسك ببعض خيوطها أو نعتقد ذلك، حتى تنفلت من بين أيدينا فجأة وتضيع في الهواء؛ الحكاية نفسها تقريبا يتم نسجها كل مرة، ومع جميع الوزراء تقريبا. يبدأ الحديث عن أزمة التعليم أو ما يسمى كذلك، ويتطور النقاش في اتجاهات معينة ومحددة دون غيرها، وتتدحرج كرة الثلج شيئا فشيئا من الأعلى إلى الأسفل، لتتوقف عند الأطر التربوية المكلفة بالتدريس ويتم الإشارة إليهم وتحميلهم كل المشاكل المرتبطة بالقطاع، وحين يشتد عليهم الخناق وينفذ صبرهم يحتجون ويتظاهرون، ويعيدون الكرة مرة أخرى إلى الأعلى وإلى مكانها الذي انطلقت منه أول مرة. ليبدأ الحديث من جديد وبشكل أكثر هدوءا، أو هكذا يبدو، عن ضرورة توسيع دائرة النقاش والبحث في كل العناصر المرتبطة بمنظومتنا التربوية، وعدم التركيز على عنصر بعينه، ما يعني في النهاية، أن كرة الثلج تظل تتدحرج من الأعلى إلى الأسفل ويظل الجميع يشير إلى الجميع في كل الاتجاهات، دون أن نحرز أي تقدم واضح ودال. ترى ما الذي يفعله كل هؤلاء الذين تمكنوا من إصلاح منظوماتهم التربوية، في بلادهم؟ كيف تمكنوا من امتلاك تعليم جيد؟ هل يتوفرون على عقول أفضل من عقولنا؟ هل يقصدون إلى غايات محددة غير التي نريد نحن؟ الواضح البين أنهم جعلوا مسألة التعليم أولوية، حقيقة لا ادعاء، وباشروا مسألة الإصلاح بروح وطنية عالية، والواضح البين أيضا، أن الإصلاح عندنا مازال في عمومه، مجرد ردود أفعال ينقض بعضها بعضا ويقفز بعضها على أنقاض بعض. فما معنى إنجاز نظام أساسي بعيدا عن المعنيين المباشرين بالموضوع؟ وما معنى تخصيص جهاز الرقابة الإدارية والتربوية، بتعويضات جديدة، وحرمان من يفنون أعمارهم في عملية التدريس ومن يواجهون التلاميذ يوميا؟ بل وتكليفهم بمهام إضافية وتهديدهم بعقوبات في حالة عدم الاستجابة؟ وقبل ذلك وبعده، ما معنى وجود وزير للتربية والتعليم لا يحسن التحدث باللغة الرسمية للبلاد، ولا يحسن التواصل مع الشغيلة التعليمية، نخبة البلاد افتراضا، ولا يبدو راغبا في ذلك. يبدو أن هناك أشياء محددة نظل نلف حولها باستمرار ولا نريد أن نعبر عنها بوضوح؛ إننا لسنا حريصين على تمكين عموم المواطنات والمواطنين من تعليم جيد، بما ينقلهم فعليا من دائرة الجهل والخرافة والتسطيح والتفاهة، إلى دائرة الوعي والفهم والقدرة على التحليل وامتلاك رأي. لسنا جادين في حديثنا عن المدرسة العمومية؛ وما يفعله أكثر المعنيين المباشرين، وغير المباشرين بالموضوع، هو إشاعة بعض الاطمئنان الكاذب، ويكفي أن جل أبنائهم يدرسون بأرقى المدارس الخاصة وبمدارس البعثات الأجنبية ويكملون دراساتهم خارج البلاد، ثم يتحدثون إلينا وراء مكبرات الصوت في المقرات الحزبية وفي الفنادق الفخمة عن المدرسة العمومية. حين نريد إصلاح التعليم العمومي فعلا، ستبدو الطريق أمامنا واضحة وسنتجه إليها مباشرة.