يهدد النزاع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بزيادة المشاعر المعادية لإسرائيل في السعودية، التي كانت قطعت شوطا كبيرا في مفاوضات مستمرة منذ أشهر للتوصل إلى تطبيع تاريخي مع الدولة العبرية برعاية أمريكية. وجاء الهجوم المباغت وغير المسبوق، الذي شنه مقاتلو "حماس" على إسرائيل السبت وما تلاه من ضربات جوية انتقامية على قطاع غزة، ليُعقد الإعلان عن تطبيع مرتقب، بعد أن قال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، لمحطة "فوكس نيوز" الشهر الماضي، إنه "يقترب كل يوم أكثر فأكثر". وجاء التصعيد بعد أيام فقط من زيارة وزيرين إسرائيليين الى الرياض للمشاركة في مؤتمرات دولية، في أول زيارتين علنيتين الى المملكة؛ فيما تبارى قبلهما بأسابيع قليلة لاعبون من الدولة العبرية في مسابقة إلكترونية لكرة القدم في العاصمة السعودية. وقبل أيام من اندلاع القتال، أعرب الطالب الجامعي محمد بن بندر (20 عاما) لوكالة فرانس برس عن معارضته التطبيع بسبب "احتلال" إسرائيل الأراضي الفلسطينية. ومع شن الطيران الإسرائيلي آلاف الغارات وتعهده بتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007، يتوقع أن تزداد هذه الآراء صلابة، وفق ما عبر عنه المهندس السعودي المتقاعد محمد الذي وافق على إعطاء اسمه الثاني فقط لحساسية المسألة. وأضاف محمد بينما يحتسي قهوة في مقهى في جنوبالرياض: "التطبيع بات، الآن، في الدرج"، متابعا: "لا أستطيع أن أتخيل أن تعلن السعودية التطبيع مع إسرائيل؛ بينما هناك قصف مستمر على الفلسطينيين. مستحيل!". "تعليق كل شيء" ومنذ التوصل الى "اتفاقات أبراهام" في العام 2020 برعاية أمريكية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، تسري تكهنات حول انضمام السعودية الى مجموعة الدول المطبعة. ولطالما شددت الرياض على أن تحقيق ذلك يتوقف على تطبيق حل الدولتين مع الفلسطينيين وعلى تسوية عادلة لقضية اللاجئين؛ لكن ولي العهد السعودي اكتفى، في حديثه إلى "فوكس نيوز"، بالإشارة إلى "أهمية القضية الفلسطينية" بالنسبة للمملكة. وأعرب عن أمله في أن تؤدي المفاوضات مع إسرائيل "إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دورا في الشرق الأوسط". وعلى جدول مفاوضات التطبيع، هناك مطالب سعودية بضمانات أمنية من الولاياتالمتحدة ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني. وأكدت الرياض، في أول رد فعل لها على هجوم حماس السبت، أنه "نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته". وفجر الثلاثاء، أبلغ بن سلمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه يعمل على منع "اتساع" نطاق النزاع، مشددا على أن المملكة "مستمرة في وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني". ولم يصدر عن السعودية وإسرائيل أي تصريح بخصوص وضع حد لمفاوضات التطبيع بعد التصعيد الأخير. لكن عليا الشهابي، المحلل المقرب من الحكومة السعودية، قال: "أعتقد أنه سيتم تعليق كل شيء حتى نرى ما سيحدث". ولطالما شكل التعاطف مع القضية الفلسطينية نواة صلبة لدى الرأي العام السعودي. ولم تخض السعودية حروبا مباشرة مع إسرائيل؛ لكن الرياض قادت حظرا تاريخيا للنفط إبان حرب 1973 بين مصر وسوريا والدولة العبرية. ولا يمكن تقدير حجم التجاوب الشعبي مع فكرة التطبيع مع إسرائيل في ظل قمع السلطات للمعارضة والناشطين. وكشف استطلاع نادر للرأي العام، أجري بتكليف من معهد واشنطن نشر في ماي 2023، موافقة 20 في المائة فقط من المستطلعين على أن اتفاقيات أبراهام ستفيد المنطقة فيما وافق 40 في المائة منهم على الروابط الاقتصادية مع إسرائيل. لكن معرض الرياض للكتاب عرض، الأسبوع الماضي، لفافة من الجلد تضم شروحات للتوراة باللغة العبرية يبلغ عمرها نحو 500 عام؛ ما أثار ردود فعل سعوديين يعتبرون أنه لا يؤخذ برأيهم في أي اتفاق للتطبيع في غياب برلمان مُنتخب. ويؤيد الطالب الجامعي فيصل بن محمد (21 عاما) التطبيع، وقال وهو يحدق في اللفافة: "كل ما يجعل بلدي في المقدمة، ويساعد على تقدمها، ويجعلنا من أوائل دول العالم، أرحب به وأقبله بالتأكيد". "القضية الأساسية" لكن ليس من الواضح إذا كانت هكذا آراء ستصمد أمام العنف المتصاعد في غزة. وقُتل 1200 شخص على الأقل في إسرائيل منذ بدء هجوم حركة حماس، وفق الجيش الإسرائيلي. في المقابل، قتل ما لا يقل عن 1055 فلسطينيا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وفقا لوزارة الصحة في القطاع. وسجل فهد، موظف المبيعات الذي فضل إعطاء اسمه الأول فقط، أن "دماء الفلسطينيين" ستعيق المضي في مشروع التطبيع. وأضاف الشاب، البالغ 30 عاما، أثناء متابعة آخر أخبار النزاع على شاشة محطة "الجزيرة" القطرية: "كلما زادت الدماء التي ستريقها إسرائيل في غزة، كلما أصبح من الصعب الإعلان عن اتفاق سلام مع إسرائيل". ويؤيد بعض السعوديين فرضية أن تكون إيران ضالعة في عملية حماس المباغتة لعرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وهو اتهام نفته طهران رسميا. وقال منصور المالك، على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إن إيران وحزب الله "لا مانع لديهما بأن يُقتل آلاف من أطفال ونساء غزة في مقابل أن تفشل خطة السلام السعودية ويفشل البرنامج النووي السعودي". وأضاف: "سيأتي السلام وسنقوم بتنفيذ كامل برامجنا". وتتمتع السعودية بموقع رمزي مهم في العالم الإسلامي. من جانبه، سجل هشام الغنام الخبير السعودي في العلاقات الدولية، أن الحرب تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للسعوديين بغض النظر عن التقدم على المسار الدبلوماسي. وقال: "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كان دائما القضية الأساسية بين العرب والإسرائيليين"، مشددا على أنه "طالما لم يتم حل هذا الصراع، سيكون من الصعب تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والحفاظ عليهما".