إلى السيد إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية تحية طيبة، وبعد سيدي الرئيس، اسمح لي أن أخاطبكم مباشرة، وذلك بمناسبة الخطاب الذي وجهتموه لي كمواطنة مغربية إثر الزلزال الذي أصاب بلدي العزيز، وحصد أرواح العديد من آبائي وأمهاتي وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي، وأردتم أن تقتاتوا على أنقاض شهدائنا وجرحانا وحطام منازلنا ومدارسنا وشوارعنا (إلخ)، وتُوهِّموا للعالم وللشعب المغربي خاصة، أن مصالحنا تَهمكم ولكم غِيرة علينا أكثر من أنفسنا كأننا "أَضْيَعُ من الأيتام في مَأْدُبَةِ اللِّئام". سيدي الرئيس، أولا، شكرا للشعب الفرنسي على التضامن الكبير الذي عبر عنه، وعن المشاعر الإنسانية الخالصة التي أبداها من خلال الحملات التضامنية التي أطلقها في مختلف الأراضي الفرنسية مما يبرز القيم الإنسانية والديمقراطية التي يتشبع بها، وهي قيم عالمية دافع عنها الشعب الفرنسي بالغالي والنفيس من أجل الحرية، والمساواة، والأخوة لبناء الجمهورية الفرنسية التي قمتم مرارا بتلطيخ شرفها في العديد من المحافل الدولية خصوصا عند لقاءاتكم ببعض قادة ورؤساء وزعماء الدول الإفريقية، حيث كل مرة لم يكن تصرفكم بالرئيس المسؤول الذي على عاتقه نمو وازدهار بلده ومصلحة شعبه. ثانيا، لم أرد أن أكتب هذا الخطاب مباشرة بعد خطابكم المباشر معنا كشعب مغربي بحيث أنني انتظرت أن تكون لخرجتكم الإعلامية الأخيرة (الحوار الصحفي) فرصة لتقديم اعتذار رسمي لما بدر منكم من إساءة للشعب المغربي، وهذا يبين عن ضعفكم السياسي وقلة تجاربكم وخبراتكم السياسية والدبلوماسية. لهذا السبب، أود أن أرد عليكم مباشرة كما خاطبتني مباشرة. سيدي الرئيس، لقد كان خطابكم بعيدا عن اللياقة الدبلوماسية وعن الأعراف الدولية، حيث خاطبتم شعبا غير شعبكم ينتمي إلى بلد عريق ذي سيادة كاملة. إن خطابكم، سيدي الرئيس، أبرز عن عجرفتكم واحتقاركم ليس فقط للشعب المغربي بل للشعوب الإفريقية، لأنكم لا زلتم توهمون بأن لكم الحق في امتلاك إفريقيا وخيرات الأوطان التي استعمرتموها سابقا. إن هذا الوهم حال بينكم لفهم الواقع المتغير ولاستعمال الدهاء السياسي من أجل تغيير مواقعكم ومواقفكم السياسية حتى تتمكنوا من "استغلال" العلاقات التي تجمعنا كبلدين وكشعبين لبناء نوع جديد من العلاقات تعتمد على التعدد وحسن الجوار والتعاون الإقليمي على جميع المستويات. وهكذا يمكنك الاستمرار في إفريقيا، وفي شمال إفريقيا. سيدي الرئيس، لقد تتبعت باهتمام كبير قنواتكم الرسمية، ولم أجد من المحللين (رجال ونساء) إلا المتعجرفين والأميين الذين لا يعلمون شيئا عن بلدي المغرب. فلا يهم يفقهون في العلاقة التي تجمعنا مع الملك، ولا مع الأرض كسكان الجبال والواحات والوديان والصحراء... وما قوافل التضامن التي انطلقت من جميع ربوع المغرب الحبيب إلا عنوان عريض عما يجمعنا كأمة غيورة على مصالحها القومية والاستراتيجية. سيدي الرئيس، اتضح لي جليا أننا نعرف تاريخكم وثقافتكم وهويتكم أكثر من الفرنسيين أنفسهم، وربما منكم أيضا، بيد أنكم لا تفقهون في تاريخنا وثقافتنا وهويتنا سوى ما هو سطحي وإعلامي. فكان في خطابكم وخطاب زبانيتكم الكثير من البكاء بحيث لم تعودوا تستطيعون فهم الموجة التي تتعالى في كل مكان من القارة الإفريقية تطالبكم بالرحيل. والحق يقال، سيدي الرئيس، أن من بينكم مفكرون وسياسيون، استطاعوا فهم المغرب كجزء من إفريقيا ليطالبوا فرنسا بتغيير مقاربتها السياسية مع الدول الصديقة، إذا كنتم تعترفون بالمغرب كدولة صديقة. والملاحظ أن هؤلاء لا يتم استضافتهم في قنواتكم الرسمية، مما يبرز أن عهد رئاستكم اتسم بالديكتاتورية وخنق الحريات والقضاء على الخدمات الاجتماعية وتزايد الفقراء؛ إنها لعمري انتكاسة ديمقراطية وسقوط لفرنسا الإفريقية. إنه عهد الانحطاط بامتياز. سيدي الرئيس، إنكم لا تستطيعون أن تفهموا بأننا قادرون على تحمل مسؤولياتنا تجاه بلدنا المغرب، وأننا نثق في مؤسساتنا. أنتم، سيدي الرئيس، لن تستطيعوا فهم الشعب المغربي، نحن نثق في ملكنا ومؤسساتنا وشعبنا. ومشاكلنا لا دخل لكم فيها، لا نريد وصاية من أحد، نحن بدمائنا وأرواحنا نفدي بلدنا. أما أنتم، سيدي الرئيس، كان الأجدر بكم وبزبانيتكم أن تتعلموا مثلا من صديقتكم ألمانيا حيث كان خطابها ديبلوماسيا وراقيا يحترم الأعراف والقيم. سيدي الرئيس، أعلم جيدا أنكم لست في وضعية مريحة لحل مشاكل الآخرين خصوصا لتوالي هزائمكم سواء في إفريقيا أو من "أصدقائكم" الأوروبيين والأمريكيين، لذا اسمح لي أن أخاطب الشعب الفرنسي ليس من باب التحريض كما تفعله قنواتكم الرسمية، ولكن من باب الغيرة على الديمقراطيات وحقوق الإنسان في العالم. أيها الشعب الفرنسي العزيز، كل التضامن معكم في المحنة الاجتماعية والنكسة السياسية التي تتعرضون لها. أتمنى أن الاستحقاقات الرئاسية القادمة تفرز عن شخصية سياسية لها من الحنكة والحكمة ما يمكنها من تجاوز المحن الحالية لفرنسا، وترد الاعتبار للاقتصاد الفرنسي والوضعية السياسية لبلدكم وطنيا وأوروبيا ودوليا؛ أما دون ذلك ومع الرئيس الحالي، فاعلموا أنكم ستصبحون أتباع أسياد العالم الجدد خلال السنوات المقبلة. كل التضامن معكم. واعلموا أن ليس في القلب غل تجاهكم.