فشل في السياسة وإخفاق في الثقافة وبؤس في الاجتماع وهزل في الاقتصاد وهزيمة في الرياضة... أهي لعنة أصابت المغرب اسمها الفشل؟ "" ليلة السبت الماضي مُني المنتخب الوطني لكرة القدم بهزيمة مُرَّة مُنكرة أمام نظيره الغابوني، هزيمة مُرَّة لأنها لم تكن متوقعة، ومُنكرة لأن الفشل داخل الملعب وخارجه كان على جميع الأصعدة باستثناء نقاط ضوء قليلة لم تلغ حدث الهزيمة. انتابني شعور بالظلم ممزوج بالحسرة، إذ لمَ يُقرِّر من يقرِّر أن يمثل بلدا بأكملها فلان أو علان مع أن كفاءته وأهليته مطعون فيها جماهيريا؟ وبأي حق يتقاضى من يتقاضى ملايين الدراهم دون نتائج ملموسة؟ وما سر هذا التخبط الذي تعرفه كرة القدم الوطنية منذ سنوات بل وكل القطاع الرياضي؟ عادت بيَ الذاكرة إلى الوراء، فلمحت وجه منتخب كثيرا ما أفرح المغاربة أعمدته التيمومي وبودربالة والزاكي ومدرب مقتدر اسمه "فاريا" ومقطوعة جميلة ينسجها صوت سعيد زدوق "واااخيرييييييييي". كان فعلا حب الوطن، ومنه دعم منتخب الكرة، ما زال له حظ في النفوس، إذ رغم ما شهدته تلك المرحلة من بؤس اجتماعي عام وانسداد سياسي، يسمى اليوم بسنوات الرصاص، فقد كان الأمل في مغرب أحسن مازال مرفوعا، خاصة وأن البلد لحظتها حافظت على كثير من ملامح مغربيتها. لاحقا عندما سنكبر ويكبر معنا هَمُّ هذا الوطن والوعي بأولوياته، سندرك أن لا معنى للنجاح المجزوء والفوز الكروي المبتور عن سياق المجتمع العام. إذ ماذا يفيد حتى منتخب كروي رائع في بلد الأمية فيه ضاربة أطنابها والفقر فيه مرخ سداله والاستبداد فيه صاحب الدار منذ زمن؟ وحتى لو حققت الكرة الانتصارات تلو الانتصارات، هل من شأن ذلك أن يخفف عن معاناة المغاربة في أنفكو وقبائل أيت عبدي وسيدي إفني وسائر مدن وبلدات المغرب المهمش و"غير المهمش"؟ أم وكما هي القاعدة ستذهب الأموال العامة إلى الحسابات الخاصة للمتحكمين في الشأن الكروي وقطاع الرياضة وأصحاب السياسة؟ وأراهن الجميع على أنه حتى لو كان لنا اليوم منتخب مثل منتخب "مكسيكو 86" فإننا لن نتذوق نفس طعم الانتصار، لأن الخيبة كانت كبيرة في مغرب العهد الجديد، الذي أصاب معاني الانتماء للوطن وحب الوطن في مقتل وضربها في الصميم، ليس لاستمرار نفس النسق السياسي العام لعهد الحسن الثاني فقط ولكن لتضييع كثير من معالم الهوية المغربية والذات الوطنية والتماسك المجتمعي. وللأسف لو عمَّمنا الحديث عن الرياضة لوحدها لوجدنا الفشل لم يعتر الكرة فقط بل شمل جل الميادين، ابتداء من ألعاب القوى والعدو الريفي ومرورا بكرة المضرب ووصولا إلى كرة اليد، على الأقل هذه الرياضات التي كان للمغرب فيها حضور معروف. وإلا فإن الحصيلة منعدمة في باقي المجالات الأخرى. وشخصيا لم أتأسف لهزيمة السبت الماضي في ذاتها، إذ هي تعبير طبيعي لحالة الفشل العامة، بل إني أدعي أن النتائج الإيجابية في الرياضة وخاصة كرة القدم لها تأثير عكسي ومفعول مخدر في حالة بئيسة كالحالة التي يعيشها المغرب اليوم، ولكن الهزيمة التي يتأسف لها، حالا ومقالا كل المغاربة، هي فشل الوطن في جل الميادين وصمت المجتمع-إلى الآن- أمام الدولة المسؤولة عن هذا الفشل. إن تسيب ولا مسؤولية الحاكمين والمسؤولين في هذا البلد هي التي جعلتنا أضحوكة في كثير من منتديات العالم، وهي التي بوأتنا المراكز المتأخرة في سلم التقارير الدولية في التنمية البشرية والتعليم ومعدل النمو الاقتصادي وتقدم الحريات، وهي التي دفعتنا إلى واجهة التخلف في الرشوة والمحسوبية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والدعارة والشذوذ... أبَعد هذا الفشل كله نتأسف على هزيمة في الكرة؟! عندما يتعبني حال التفكير في بلدي البئيسة، أستحضر تلك الوجوه التي تسببت فيها، والتي تريد إلهاءنا بفوز هنا وآخر هناك عن قضايا الوطن الرئيسة ومنها التأسيس الجدي لسياسة رياضية حكيمة، فأدرك أنهم لن يفلحوا أبدا لأن "الله لا يصلح عمل المفسدين".