تباينت الآراء بين مؤيد لوجود التكنوقراط داخل الحكومة لطبيعة المرحلة، وبين من يرى في ذلك إعاقة لتطوير الممارسة السياسية، خاص في الشق المتعلق بربط المسؤولية المحاسبة التي رأى جانب من المُحاضرين أن استوزار من لا يحملون أي انتماءات سياسية قد يصعّب تطبيقها، في حين أشار الجانب الثاني إلى وجود إمكانيات متعددة لتفعيل نظام المحاسبة في حقهم عبر آليات متعددة يُوّفرها القانون. السجال حول وجود التكنوقراط في حكومة عبد الإله بنكيران كان موضوع ندوة نظمها اليوم الخميس بالرباط، المرصد الوطني لحقوق الناخب، واستضاف خلالها عدداً من المهتمين بالشأن السياسي قَسّمهم إلى فريقين: فريق المتحزبين خلال الجلسة الأولى، وفريق الأكاديميين خلال الجلسة الثانية، في ندوة غاب عنها كلٌ من إدريس لشكر، حميد شباط، سعد الدين العثماني، ومحمد الطوزي لمبررات متعددة. الناصري: وجود التكنوقراط داخل الحكومة لا يتناقض مع الدستور استنجد وزير الاتصال السابق خالد الناصري بالفصلين 11 و47 من الدستور المغربي لتبرير وجود التكنوقراط في النسخة الثانية من حكومة بنكيران، معتبراً أن الوثيقة الدستورية لا تفرض على الملك تعيين جميع الوزراء من الأحزاب السياسية، وبأن إشراك التكنوقراط في الحكومة قادم من شرعيتين، الأولى تاريخية ودينية ممثلة في المؤسسة الملكية، والثانية تلبس غطاءً ديمقراطيا. عُضو حزب التقدم والاشتراكية الذي خلع جبة السياسي وارتدى تلك الخاصة بالأكاديمي خلال هذه الندوة، اعتبر أن ما يقال حول صعوبة ربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص عمل التكنوقراط أمر لا صحة له، مادام رئيس الحكومة والأحزاب المكونة للأغلبية يتحملون كامل المسؤولية بخصوص عمل الوزراء الذين لا انتماء حزبي لهم. واستطرد الناصري:" نحن في مرحلة تكامل بين الديمقراطية التمثيلية والتكنوقراط. المغرب يحتاج حالياً المزج بين الشرعية الديمقراطية وشرعية الأطر القادرة على تنفيذ البرنامج الحكومي"، مبرزاً أن الخلل الأصلي في الممارسة السياسية بالمغرب، يعود إلى مشكل النخب السياسية "المُنهكة والمُتعبة" وليس في الحكومة التي يطالب البعض بتغييرها. المودن: هناك خلط كبير بين التكنوقراط واللا منتمين أسهب عبد الحي المودن في تبيان الفرق بين التكنوقراط من جهة والسياسيين اللا منتميين من جهة أخرى، فإنْ كان تعريف الفريق الثاني واضحاً من أنهم سياسيون لديهم القدرة على التأثير دون ارتداء لون سياسي، فإنَّ تعريف الأول يشترط نوعا من التدقيق، ويكمن حسب قوله في تلك النخبة التي تتوفر على خبرات تقنية في بعض المجالات المهمة، والتي تتميز كذلك بنوع من التكوين المعرفي الذي يؤدي إلى التميز في تدبير تخصصات معينة. الأستاذ بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط، أشار إلى أن بعض الأحزاب المغربية استنجدت في فترات معينة من تاريخها بالتكنوقراط لأجل تقوية بيتها الداخلي، وبالتالي فليس شرطاً حسب المودن أن يبقى التكنوقراط خارج الحزب السياسي كي يحملوا هذه الصفة ما دام التاريخ المغربي عرف الكثير من "التكنوقراط المحزبين". وعكس ما تفضل به الناصري، اعتبر المودن أن وجود وزراء لا منتمين داخل الحكومة أمرٌ لا يساهم في تطوير العملية السياسية، مشدداً في جانب آخر أن المؤسسات الخاضعة للانتخابات لا تُشكل سوى جزء بسيط من صناعة القرار، بينما تمتلك المجالس غير المنتخبة التي وصفها بالدولة العميقة الجزء الأكبر من هذه الصناعة. داعياً في نهاية مداخلته، إلى الدفع بالنخب الوازنة إلى الدخول إلى الأحزاب، كي يتم تفعيل نظام المحاسبة بشكل دقيق. بلقزيز: الانتخاب لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من هيكل الدولة شبّه عبد الإله بلقزيز الدولة الحديثة بالشركة التي تقوم على قاعدة الاتفاق بين متعاقدين يتفقون على تفويض السلطة لجسم إما عن طريق الاقتراع أو عن طريق الكفاءة، مشيراً أن الدولة وإن كان جزءٌ منها يُبنى في دائرة الانتخاب، فهناك أجزاء أخرى لا تطالها هذه العملية ومن بينها الجيش والشرطة والتكنوقراط، معززاً وجهة نظره بذكره لعدد من الأزمات الحكومية التي تعاقبت ومنها ما أدى إلى إسقاط الحكومات دون أن تتوقف الدولة عن الاستمرارية. وأضاف المفكر المغربي في الفلسفة أن الخلط بين السلطة والدولة يفضي إلى حماقات سياسية كتلك التي وقعت في بعض البلدان والتي تمّ فيها حمل السلاح ضد الدولة، الشيء الذي أفضى إلى إسقاطها، مركزاً على ضرورة عدم الخلط بين السياسة والعمل الحزبي، ما دامت السياسة جزءٌ من المواطنة ومن حق المواطنين ممارستها دون انتماء حزبي، وهو ما يصدق كذلك على التكنوقراط حسب قوله، فهم ينتمون سياسياً وليس حزبياً، وما يقومون به يدخل في صميم العمل السياسي، مُقدما في السياق ذاته، بعض الآليات المتعددة كلجان التفتيش التي من شأنها محاسبة التكنوقراط دون المرور بالضرورة عن طريق محاسبة الحكومة ككل. ودعا بلقزيز النخب الحزبية إلى الارتقاء إلى درجة قيادة الدولة وعدم الانغلاق داخل الجدران الحزبية، معطياً المثال ببعض الأسماء المغربية التي حققت هذا الرهان من قبيل عبد الله إبراهيم وعبد الرحمن اليوسفي، منادياً في ختام مداخلته بتشجيع الأكفأ داخل الأحزاب والقطع مع الزبونية قصد ردم الهوة بين التكنوقراط والعمل الحزبي.