إلى أن يحين ذلك الوقت تدفع الشعوب المغاربية وحدها الثمن مضاعفا: مطرقة الوصاية الاستكبارية وسندان الأنظمة المتسلطة. بدأ المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء السيد كريستوفر روس الأربعاء الماضي أول زيارة له للمنطقة بجولة استطلاعية تشمل المغرب وتندوف باعتبارهما طرفي النزاع، وكذلك الجزائروفرنسا وإسبانيا بحكم ارتباطهما وتأثيرهما على مجريات هذا الملف. "" وكان كريستوفر روس عين في هذا المنصب خلال شهر يناير الماضي خلفا لفان والسوم، للعمل على أساس القرار الأخير لمجلس الأمن 1813 الصادر في أبريل 2008 وكذا القرارات السابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التقدم الحاصل حتى الآن في مسار البحث عن تسوية سياسية عادلة ودائمة ترضي الطرفين؛ وبعد أربع جولات من المفاوضات بمنهاست دامت تسعة أشهر (بين يونيو 2007 ومارس 2008) وأسفرت عن تمسك كل فريق برأيه وفهمه وتأويله لقرار مجلس الأمن 1754 (الصادرفي 31 أبريل 2007) ولذلك لم يحصل أي تقدم أو تقارب أو حتى اختراق للحواجز النفسية والسياسية والتاريخية؛ والسيد كريستوفر على دراية تامة بالمنطقة لأنه سبق أن شغل منصب سفير لواشنطن في الجزائر، وأمضى ثلاث سنوات مديرا لمركز ثقافي أمريكي بمدينة فاس، ويعي مختلف المنعرجات والتموجات والإكراهات التي تعوق هذا الصراع الذي عمر لأكثر من ثلاثة عقود فأنهك أطرافه وأعاق المسار الوحدوي للمغرب العربي، وأفشل جهود خمسة أمناء عامين للأمم المتحدة وأكثر من مبعوث أممي، ولذلك فإنه صرح بأن مهمته تكتسي أهمية خاصة بالنسبة لمستقبل شمال أفريقيا. بعد كل هذه المعطيات هل سينجح كريستوفر في مهمته هاته فيتمكن من فك طلاسم صراع فاقت دائرة تأثيره الأطراف المعنية به وتجاوزت انعكاساته السلبية الدائرة السياسية لتشمل جوانب إنسانية واقتصادية واجتماعية؟ وهل باستطاعته تقريب وجهات النظر المتضاربة بين أطراف النزاع؟ من خلال ما رشح من معطيات حتى الساعة، ومن خلال تصريحات محتشمة يفرضها واجب التحفظ على رجل وضح منذ البداية أنه في جولة استطلاعية استكشافية يمكن الجزم بأن مصيره لن يكون أحسن من سابقيه. فكريستوفر، لحد الآن، لم يخرج عن دائرة المجاملات، وتصريحاته غامضة وعباراته عامة تتضمن الدعوة لحل سياسي عادل ودائم وشامل متوافق عليه، والمطالبة باستئناف المفاوضات التي سيتم تحديد زمانها ومكانها في المستقبل القريب، والبحث عن سبل للدفع بعملية المفاوضات؛ ولكنه حين يلتقي بزعيم البوليساريو يتحدث عن "مفاوضات بدون شروط" وعن "حل يكفل للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير"، وبالمقابل حين يلتقي المسؤولين المغاربة يؤكد على وحدة المنطقة وسيادة المغرب وما شابه ذلك من العبارات التي تنزل عليهم بردا وسلاما. أما على مستوى المقترحات فلم يفصح لحد الآن عن الصيغة الإبداعية التوفيقية أو الوصفة السحرية التي من شأنها بعث نفس جديد في أجواء مشحونة تتميز بتهديد بالعودة لحمل السلاح، ولم يتحدث بعد عن خارطة طريق يمكن أن تعيد الدفء لمسار مفاوضات جامد، وإن كان لا يتصور أن يأتي بمقترح جديد خارج عن الخيارات الثلاثة السابقة. ولذلك يطرح السؤال: هل سيبدأ كريستوفر من جديد؟ أم سيبدأ من حيث انتهى من سبقه؟ وفي هذه الحالة ما الذي يتوفر له من إمكانيات وسلطات لم تكن في حوزة سابقيه؟ هل تتوفر له أدوات جديدة تمكنه من إقناع أحد أطراف النزاع بخيار رفضه في السابق؟ شخصيا لا أعتقد، والمعطيات الموضوعية لا تفيد إمكانية تحقق ذلك في المستقبل القريب. إن أهم عائق لحل نزاع الصحراء هو الحياد السلبي للقوى الكبرى التي لم تتدخل لحد الساعة لفرض الحل الأمثل لأن من مصلحتها استمرار النزاع، ولذلك لا يجب استبعاد الصراع الخفي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة، وأوربا، وخصوصا فرنسا، من جهة أخرى على النفوذ في شمال إفريقيا. والعائق الثاني يتمثل في غياب إرادة لدى أطراف النزاع لطي هذا الملف وتجنيب المنطقة التشرذم والمجهول وخاصة في ظل التهديد باستخدام القوة والعودة لمرحلة الحرب وخيار حمل السلاح، وفي ظل انتعاش حركات متشددة تستثمر هذه الأجواء مما يجعل المنطقة مفتوحة على احتمالات خطيرة قد يصعب التحكم في نتائجها إن لم تتدارك في وقت مبكر. أمام كل هذه المعطيات، لا أمل يرجى من وسيط أممي جديد ومفاوضات جديدة تجري في ظروف مشابهة وبوسائل قديمة وتتحكم فيها إكراهات لم تذوب بعد ومضبوطة بحسابات الآخرين، وفائدة هذه المفاوضات الوحيدة هي بعث دينامية جديدة تبرئ المنتظم الدولي وتلصق تهمة الفشل بأطراف النزاع مباشرة. أما حل النزاع فيفوق إرادة أطرافه ورغباتهم وإمكانياتهم، وحتى أمانيهم؛ وحتما فإن أدوات فك ألغازه ليست في متناولهم، والأدهى أن لا يفهم هؤلاء بأن هذا الصراع يراد له أن يستمر ليبقي المنطقة بكاملها بؤرة توتر خاضعة لرغبات اللاعبين الكبار، والأمر أن لا يستوعبوا بأن حسم هذا الصراع يتطلب شجاعة من المعنيين به بشكل مباشر وغير مباشر، وهي غير متوفرة اليوم على كل حال، لأنها تتطلب من القوة العظمى التنازل عن أطماعها، ومن دول المنطقة الإنصات لشعوبها.. وحين يتحرر هؤلاء وأولئك من هذه القيود نقول آنذاك بأننا وجدنا الحل بفرح يضاهي فرح نيوتن حين اكتشف الجاذبية وصاح: وجدتها. وإلى أن يحين ذلك الوقت تدفع الشعوب المغاربية وحدها الثمن مضاعفا: مطرقة الوصاية الاستكبارية وسندان الأنظمة المتسلطة. [email protected]