نشر الموقع الإلكتروني "هسبريس" بتاريخ 6 يناير 2023 مادة تحت عنوان "مبادرة تفوض الإشهاد على الإمضاء للموظفين"، يخبر من خلالها بتقدم الفريق الحركي بمجلس النواب بمقترح قانون يروم إسناد اختصاصي الإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة نسخ الوثائق لأصولها إلى موظفي الجماعات والمقاطعات من دون الاقتصار على الأشخاص الواردين في المادة 102 من القانون التنظيمي للجماعات. وإن كان هذا المقترح يرمي إلى خفض الكلفة المرهقة للاختصاصين المذكورين من حيث تسريع وتيرة ممارستهما وتقريب الإدارة من المواطن، فنرى أن الاختصاصين اكتنفهما تاريخ من الاضطراب لا بد من الانتباه إليه حتى يتم التفكير في معالجة مختلف جوانبهما بنفس شمولي يقطع مع التدبير اللحظي. والاضطراب الذي لازم الاختصاصين يشمل الجماعات، ووزارة الداخلية، والبحث العلمي المنصب على الاختصاصين. أولا- الاضطراب على صعيد الجماعات من تجليات هذا الاضطراب: – الخلط إلى حدود سنة 1993 بين الاختصاصين واختصاصات ضابط الحالة المدنية أو الشرطة الإدارية الجماعية؛ – عدم اهتمام الجماعات إلى حدود سنة 1993 بتوفير مصلحة معنية بالاختصاصين؛ – تكليف بهذين الاختصاصين إلى حدود سنة 1993 موظفين أغلبهم "تنقصهم الثقافة الأساسية والتكوين اللازم لممارسة عملهم على الوجه المطلوب" و"يمارسون أعمالهم الروتينية بصفة "تقليدية" وعلى هدي أحيانا الممارسات الخاطئة ودون اكتراث بالنتائج الوخيمة التي قد تترتب"؛ – عدم قدرة الكثير من الجماعات على تطبيق التعديل المدخل على الفصل 45 من ظهير التنظيم الجماعي سنة 1995، القاضي بحصر التفويض لممارسة الاختصاصين في الكاتب العام للجماعة (المدير العام للمصالح/مدير المصالح حاليا) ورؤساء الأقسام والمصالح الجماعية، والذي استمر مع المادة 51 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي أصبح المؤطر للعمل الجماعي بعد الانتخابات الجماعية المنظمة بتاريخ 12 شتنبر 2003، ومع المادة 102 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الذي أصبح المؤطر للعمل الجماعي بعد الانتخابات الجماعية المنظمة بتاريخ 4 شتنبر 2015. ثانيا- الاضطراب على صعيد وزارة الداخلية من مظاهر هذا الاضطراب: – معارضة وزير الدولة في الداخلية ادريس البصري لما تضمنه مقترح نواب من حزب الاتحاد الدستوري سنة 1995، من إمكان التفويض لموظفي الجماعات في ممارسة الاختصاصين وتدخله من أجل قصر التفويض على الكتاب العامين ورؤساء الأقسام والمصالح الجماعية، وذلك على الرغم من علمه بمشاكل الجماعات وبصعوبة التقيد بهذا الحصر؛ – عدم قدرة مصالح وزارة الداخلية عموما على التدخل لفرض التقيد بالحصر المذكور، وتفضيل تيسير ممارسة الاختصاصين على إثارة الإشكال القانوني المرتبط بمبدأ الاختصاص؛ – التأخر في إصدار دليل بالاختصاصين إلى غاية سنة 2005. ثالثا- الاضطراب على صعيد البحث العلمي يتجلى الاضطراب على صعيد البحث العلمي في: – خلو الساحة العلمية المغربية إلى حدود سنة 1993 من باحثين تناولوا الاختصاصين بالدراسة؛ – انكباب باحث واحد على البحث العلمي حول الاختصاصين من سنة 1993 إلى يوم الناس هذا. وإذا كان التجلي الأول واضحا ومفهوما، فكيف يمكن وصف انكباب باحث واحد على التناول العلمي للاختصاصين بالاضطراب، خاصة وأن هذا الباحث سد فراغا مهولا في هذا المجال؟ مما لا شك فيه أن محمد بوجيدة خاض غمار البحث حول الاختصاصين مثابرا ومتابعا لمستجداتهما. وكانت نتيجة مضيه في هذا البحث تقديمه لأربعة كتب هي: – "ممارسة اختصاصي الإشهاد على صحة الإمضاءات ومطابقة النسخ لأصولها" سنة 1993؛ – "الإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة النسخ لأصولها" سنة 1996؛ – "المرشد العملي للإشهاد على صحة الإمضاءات ومطابقة النسخ لأصولها" سنة 2005؛ – "الإشهاد على صحة الإمضاءات ومطابقة النسخ لأصولها على ضوء المستجدات القانونية" سنة 2021. إنه مجهود جبار لا يمكن إلا التنويه به، والدعاء لباحثنا بأن يجزيه الله تعالى أحسن الجزاء. ولكن اضطلاع فرد واحد بالبحث في مجال "لم يسبق" تناوله علميا، لا بد أن ترافقه عثرات يعمل اللاحقون على تصحيحها. ونرى أن إنجاز باحثنا تخللته ثغرات نشير إلى بعضها كما يلي: – التركيز على الترافع من أجل تعديل ظهير التنظيم الجماعي الخالي من النص على إسناد الاختصاصين إلى رئيس الجماعة، عوض البحث في النصوص الأخرى المنظمة لهما كالظهير الشريف المتعلق بالتصديق على خطوط اليد والمؤرخ في 12 رمضان 1333 الموافق ل25 يوليوز 1915؛ – عدم الذهاب بخاصية تمثيل الدولة المرتبطة بالإشهاد على صحة الإمضاء إلى أقصى مداها من حيث الدعوة إلى المطالبة بتعديل ظهير 1915، من خلال إدراج رئيس الجماعة إلى جانب الممارسين الآخرين للإشهاد على صحة الإمضاء؛ – عدم الانتباه إلى مقرر الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى سنة 1979، المصنف لأغلب فصول ظهير 1915 ضمن المجال التنظيمي، وإلى ما يتيحه من إمكانية التحيين الميسر لمقتضيات هذا الظهير من خلال التدخل بواسطة مرسوم لإدراج اختصاص الإشهاد على صحة الإمضاء إلى رئيس الجماعة مادام أن الظهير في الأصل يجعل هذا الاختصاص في جزء منه مهمة "بلدية" (أي "جماعية") من اختصاص رئيس الإدارة البلدية في المدن التي كانت خاضعة للنظام البلدي، والتي لم تنقطع بغض النظر عن صفة الأشخاص الذين مارسوا هذه المهمة بعد استقلال المغرب؛ – الاكتفاء بالمقارنة مع المقتضيات القانونية الفرنسية المؤطرة للاختصاصين والواردة في مدونة الجماعات، في غياب البحث التاريخي عن السند القانوني لممارسة الاختصاصين خارج هذه المدونة وسابقاتها؛ – الاكتفاء بالالتجاء إلى مقارنة المقتضيات القانونية الوطنية مع مثيلتها الأجنبية، في غياب الاستناد إلى المراجع الفقهية؛ – عدم بحث كيفية استنبات ممارسة الاختصاصين في التجربة المغربية في العقد الثاني من القرن الماضي. ويمكن إجمال هذه الملاحظات في تيمة ضعف التأصيل للاختصاصين. ونرى أنه لو حضر تأصيل الموضوع من خلال تجاوز نقط الضعف المذكورة، لسهلت إثارة انتباه المسؤولين إلى يسر تعديل مقتضيات ظهير 1915 في ما يتعلق بالشق المتعلق بالإشهاد على صحة الإمضاء؛ ولتم الاتجاه إلى البحث عن سند اختصاص مطابقة النسخ لأصولها، ولو من خلال ما تبقى من مناشير قد تكون مازالت محفوظة، والدعوة إلى تصحيح وضعيته. ولكن الذي حصل هو أن التركيز على تعديل ظهير التنظيم الجماعي، وإن أدى إلى النص على اضطلاع رئيس المجلس الجماعي بالاختصاصين، فإنه خلق تناقضا بين النص القانوني المحدد للمفوض لهم في ممارستهما وبين الممارسة العملية، التي جعلت الكثير من رؤساء الجماعات يفوضون لغير المسموح التفويض لهم من أجل التيسير على المرتفقين، من دون الاهتمام بإشكال تجاوز مبدأ الاختصاص! والخلاصة التي نراها صالحة للختم هي دعوة القيمين على الشأن الجماعي إلى نهج الخطوات الآتية: – السهر على تنظيم دورات تكوينية حول الاختصاصين تركز على المزاوجة بين أبحاث محمد بوجيدة لما تزخر به من معالجة عملية للمشاكل المرتبطة بالاختصاصين، وبين المراجع الفقهية التي وجدنا منها على الشبكة العنكبوتية كتابا صادرا سنة 1880 تحت عنوان "De la légalisation des signatures par les maires" من تأليف هنري مورغان "Henri Morgand"؛ – السير على المنوال نفسه، من الجمع بين الأبحاث ذات الطابع العملي والأبحاث النظرية والفقهية بالنسبة لمختلف المهام التي تضطلع بها الجماعات؛ – خلق فضاءات تضم الموظفين القادرين على البحث من حاملي الشهادات ومن غير حامليها لفحص مختلف الإشكاليات التي تنطوي عليها صلاحيات الجماعة ووضع خطط لمعالجتها؛ – الاستعداد لقبول ما يصل إليه البحث العلمي من نتائج مفندة لأخطاء التدبير أيا كان مصدرها.