حنا لمغاربة كامونيين .. "" هكذا نصف بعضنا البعض في العديد من الحالات والمواقف ، والواقع أننا ما كدبناش على راسنا لأننا بالفعل شعب راسو قاصح تربينا منذ الصغر على الصمطة والزرواطة وعلى القسوة والخشونة ، لا تنفع معنا لغة الإشارات ولا القوانين ولا المراسيم المنظمة لحياتنا العامة . والمعروف عن الكامون في شكله الأولي أنه لا يعطي الرائحة المرجوة منه إلا بعد فركه باليدين أو طحنه في مطحنة كهربائية أو دغدغته بمهراز تقليدي . وهكذا نحن المغاربة تماما لا نتفاهم بالتي هي أحسن ولانخضع إلا بالعنف وتحت التهديد بالقوة ، ولا نفهم بسهولة ما يراد لنا أن نفهم بالغمزة ، لأننا ونحن في القرن الواحد والعشرين لم نتمكن بعد من التحرر من قيود الجهل والأمية والكبر والعناد وما إلى ذلك من الآفات التي تحولت معها حياتنا إلى جحيم وتفاصيل يومياتنا إلى سوء تفاهمات تؤدي بنا غالبا إلى العنف وتبادل العنف والشتم والسب والضرب والجرح والتجرجير أمام المحاكم لأتفه الأسباب . لنأخذ على سبيل المثال مسألة التدخين في الأماكن العامة ، فقد سلكنا مع المدخنين - ومعنا الدولة والأجهزة التشريعية وجمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال الحفاظ على الصحة العامة والبيئة - جميع الطرق الودية لإقناعهم بضرورة احترام حقنا في الهواء النقي لكن بلا جدوى . قلنا لهم بكل احترام بأن التدخين رغبة شخصية لا ينبغي اقتسامها مع الآخرين بدون إذنهم فلم يفهموا هذا الكلام . كتبنا لهم بمنتهى الرقة والأدب زيارتكم تسرنا وسيجارتكم تضرنا فلا تفسدوا علينا الزيارة بالسيجارة لكن لم ترقهم هذه القصيدة الشعرية . وتوسلنا إليهم بكل اللغات لكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي ، فالمدخن على ما يبدو إنسان محجوب عن العالم وعن محيطه بكل تلك السحب من الدخان التي تنبعث من سيجارته وتخرج من فمه ومناخيره التي تشبه عوادم الحافلات المهترئة التي تجوب أحياء وشوارع العديد من مدن مملكتنا الملوثة . ولما لم تنفع كل هذه التوسلات والأساليب الحضارية والمهذبة في التواصل والحوار والتنبيه ، كان لزاما علينا تغيير اللهجة والخطاب مع هؤلاء المدخنين الذين لا يحترمون أنفسهم ويطلقون العنان لدخان سجائرهم كي يملأ الفضاء ويلتصق بكل شيء وصولا إلى الجدار الداخلي لصدور كل من يقتسم معهم الزمان والمكان . كان ضروريا أن يخرج من بيننا من يرى ضرورة الانتقال إلى أشكال احتجاجية أخرى لنقول لهم بالصوت العالي كفى من العبث والاستهتار بصحة أبداننا وعقولنا . وفي هذا السياق أثارني كثيرا أن أعثر على يافطة معلقة بمكتب متواضع في إحدى الإدارات العمومية لموظف مهلوك يتبين من خلال ملامحه وهندامه أنه متذمر جدا وساخط على الوضع ومستاء كثيرا من الاعتداءات المتكررة على صحته وبيئته من طرف أحد المدخنين . يافطة مكتوب عليها عليها بلهجة قاسية وبالبنط العريض لا تقتلني بسيجارتك .. ابتعد عني وانتحر ! إلا أنه رغم القوة والصرامة التي تحملها كلمات هذه اليافطة ورغم كل العنف والشرر المتطاير منها فإنني – بيني وبينكم – لا أعول عليها كثيرا ولا أثق في جدوى تعليقها بأي فضاء من فضاءاتنا العمومية ، لسبب بسيط وهو أن هناك ببلادنا نوع من البشر فاتو الكامون لهيه ولا أعتقد أنهم بمجرد قراءتهم لمثل هذه اليافطات سيمتنعون عن التدخين والابتعاد عن الناس . بشر لو ملأنا الدنيا وكل وسائل الإعلام بملايين اليافطات مثل هذه وبما هو أشد قسوة منها ونظمنا مئات الندوات التحسيسية من أجل فضاءات بدون تدخين وعشرات البرامج التلفزية مباشرة معنا أو معهم (..) فإن ذلك لن يزيدهم إلا إصرارا على الانتحار أمامنا بشكل يدفعنا نحن أيضا إلى التفكير في الانتحار ليتحول المشهد كله في غياب سلطة القانون ومن يطبق ومن يفهم أبعاد هذا القانون إلى كرنفال للمنتحرين والراغبين في الانتحار . الانتحار بسبب آفة التدخين طبعا وما شابهه من شيشة وحشيشة .. والله يهدي ما خلق ! [email protected]