"تسريبات مفضوحة وتناقضات سمجة".. هذه هي القناعة التي سيخلص إليها كل من طالع مقال صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية حول مزاعم الاغتصاب المنسوبة إلى اللاعب الدولي أشرف حكيمي، نجم المنتخب المغربي وفريق باريس سان جرمان الفرنسي. فمن يقرأ هذا المقال، بموضوعية بعيدا عن الإثارة المبدئية التي يحدثها اسم أشرف حكيمي لوحده، سوف يقف على الكثير من التناقضات غير المقبولة والتسريبات المفضوحة التي تنسف في العمق مسلمات قانونية بديهية؛ من قبيل: "سرية الأبحاث والتحقيقات"، و"افتراض البراءة"... والتي ينص عليها التشريع الفرنسي وباقي التشريعات الدولية. إن الصحيفة الفرنسية تزعم أن الضحية المفترضة لم يتم الاستماع إليها بعد من لدن المحققين، ومع ذلك سرد كاتب المقال معطيات منسوبة إلى الضحية تتحدث عن كيفية التعرف عليها من قبل أشرف حكيمي، وطريقة استقدامها إلى المنزل، ومزاعم الإيلاج الأصبعي، وكيفية استخدام الضحية لرجلها في المقاومة، وطريقة استنجادها بصديقتها برسالة نصية... وكل هذه المعلومات تطرح أكثر من علامة استفهام: كيف توصل محرر المقال بهذه المعطيات المفصلة والحال أن الضحية لم يتم الاستماع إليها بعد من لدن المحققين؟ وحتى إذا افترضنا جدلا أن ضابط المداومة تلقى فعلا الشكاية، فكيف تم تسريب محتوى البلاغ إلى الصحافة بكل تفاصيله حتى قبل أن يوثقها المحققون؟ أكثر من ذلك، ادعت صحيفة "لوباريزيان" أن الضحية المزعومة توجهت إلى مقر ديمومة الشرطة في نهاية الأسبوع، وبالضبط يوم أمس الأحد؛ وهو ما يعني أن الشكاية وجدت طريقها مباشرة إلى الصحافة في أقل من 24 ساعة، أي في وقت لا يزال مشمولا بالسرية المفروضة في البحث التمهيدي وفقا لأحكام قانون المسطرة الجنائية الفرنسي! ولم تقف التناقضات عند هذا الحد؛ بل ادعت الجريدة الفرنسية أن ضابط المداومة اتصل مباشرة برؤسائه في ولاية الأمن، قبل أن يربط الاتصال بعد ذلك بالنيابة العامة الفرنسية.. وهذا الاتصال إن صح فهو ينطوي على تجاوز خطير في الإجراءات المسطرية الفرنسية، على اعتبار أن النيابة العامة هي الأولى بالإشعار والتبليغ قبل أية جهة إدارية أخرى، وذلك باعتبارها السلطة القضائية التي ترأس الضابطة القضائية. ومن ضمن المزاعم الأخرى التي سردتها جريدة "لوبارزيان"، ويصعب تصديقها من الناحية المنطقية، هي عندما ادعت الجريدة أن الضحية لم ترغب في تقديم شكاية وإنما أرادت فقط التبليغ عن وقائع اغتصاب! وأن خطورة الأفعال هي التي جعلت النيابة العامة تضع يدها تلقائيا على الملف! فهذا الزعم البعيد عن المنطق يجعلنا نتساءل: كيف لضحية حقيقية لجريمة اغتصاب أن تستنكف عن تقديم شكاية وتفضل الإبلاغ فقط؟ اللهم إلا إذا كانت هناك خلفيات أخرى وراء هذا الملف غير الاغتصاب في حد ذاته، على اعتبار أن هذه القضية انفجرت بالتزامن مع إدانة سعد لمجرد بعقوبات قاسية في جريمة مماثلة؛ وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لتناسل مثل هذه الشكايات، التي قد يطغى عليها الطابع الكيدي إلى أن يثبت العكس بمقتضى حكم قضائي. لكن يبقى المثير في تسريبات وتناقضات صحيفة "لوباريزيان" هو أنها جزمت بوقوع الاغتصاب حتى قبل الاستماع للضحية المزعومة من لدن المحققين، لا سيما عندما وصفت أشرف حكيمي ب"المعتدي والمغتصب" في خرق سافر لمبدأ افتراض البراءة. وتثير قضية أشرف حكيمي الكثير من التوجسات والمخاوف، إذ إن كل مغربي أصبح مدانا في فرنسا حتى قبل تسجيل شكاية في مواجهته من لدن الضحايا المفترضات! وكل مشتبه به يحمل الجنسية المغربية أصبح مغتصبا حتى قبل عرضه على النيابة العامة! بل إن الصحافة الفرنسية أصبحت هي الجهة التي تتلقى الشكايات حتى قبل أجهزة العدالة الجنائية! إنها عدالة فرنسا... أو بالأحرى إنها العدالة على مقاس إمانويل ماكرون.