عندما ينقلب السعيد بن سديرة، أو "ابن قسديرة"، طبال العسكر الجزائري، على أسياده ويهاجمهم عيانا بيانا، وجهارا نهارا، وهو الذي كان لا يتردد في الافتخار عندما يلعق أحذيتهم حتى لا أقول شيئا آخر يؤذي قراء الزاوية الكرام فإن هذا الانقلاب، أو "قليب الفيستة" كما سماه أحد المعلقين الفطناء، يستحق أكثر من وقفة تأمل. كثيرون تفاجؤوا بالكم الهائل من السباب والشتائم التي وجهها هذا "اليوتيوبرز" إلى "الجزائرالجديدة"، منتقدا الرئيس عبد المجيد تبون، والقيادة العسكرية للبلاد، لأنهم تركوا للمرتزقة والنصابين و"قوس قزح" (في إشارة إلى مثليي الجنس) فرصة تسيير شؤون البلاد. وفي مقطع فيديو جديد هاجم "ابن قسديرة" قيادات الجزائر من رئيس و"كابرانات" لأنهم يسمحون لنصابين وغشاشين بالدفاع عن الجزائرالجديدة، قبل أن يخص بالتلميح الصريح "أحد الأبواق المشتهرة حديثا بالهجوم على المغرب وسيادته"، وهو مصطفى بونيف، الذي قال عنه إنه "ما قادرش يتزوج ويدير دار (أسرة) كيف كاع الرجال"، (في إشارة إلى مثليته). ويبدو أن أصحاب "المهنة" الواحدة المأمورين من طرف أصحاب النياشين العسكرية الذين يحكمون في قصر المرادية وخارجه، صاروا يتعاركون أمام الملأ، في مواقع التواصل الاجتماعي، ويكشفون عورات بعضهم بعض؛ فهذا ابن سديرة قد اشتغل فترة من الزمن في مهاجمة المملكة ورموزها، قبل أن يظهر في الساحة مصطفى بونيف الذي "زاد في الشعر بيتا" من الهجاء وقلة الأدب الذي وصل به بدوره إلى قاع الحضيض. ووفق ما يظهر، فإن البوق القديم (ابن سديرة) لم يعجبه أن تتبنى "دولة العساكر" البوق الجديد (بونيف) وتمنحه الزاد والمدد لتشويه سمعة المغرب، واختلاق الترهات الغريبة والسفاسف العجيبة، لعل آخرها قوله إن "أسد الأطلس" جزائري محض، متحديا المغاربة أن يأتوا ب"أغنية فيها السبع". نعم، هكذا وصل "النيفو" عند بونيف .. مستوى متدنٍّ من الفكر والتواصل والأخلاق، يكاد يضحك سامع ثرثرته وشتائمه الساقطة من فرط حموضتها وسماجتها، غير أنه ضحك كالبكاء، والعجيب أن لهذا المتملق بدرجة "كابورال" مجموعة قصصية سماها بالفعل "قفا نضحك ولكنه ضحك كالبكاء". وبالعودة إلى خرجة "انقلاب ابن سديرة"، أو لعله انقلاب أسياده وأولياء نعمته عليه، فإن الذي أغاظه هو اعتماد "الجزائرالجديدة" (وهو الاسم الذي باتت تروجه الطغمة الحاكمة في الجارة الشرقية للمملكة للدلالة على مرحلة ما بعد الحراك في الجزائر) على من سماهم أصحاب قوس قزح و"طيط"، على حد قوله. ووجه ابن سديرة، الذي بدا في مقطع الفيديو مسعورا مثل كلب هائج لم يجد العظم الذي دأب على نهشه، الكلام مباشرة إلى تبون (أستغفر الله) والقيادة العسكرية والمدنية و"أولاد فطومة" أيضا، قبل أن يردف قائلا: "أنا كافر بكم"، ولم ينس أن يؤثث خرجته هذه بسب الدين والله تعالى بلا حياء ولا خوف. وكمن فقد "مورد رزق" اعتاد عليه بفضل خرجاته وفيديوهاته ضد المملكة وسيادتها وعدد من أكابر مسؤوليها، ختم ابن سديرة مقطعه بنبرة حزينة قائلا: "ربي وكيلكم في الجزائر.. ضاعت وضيعتوها". ويبدو أن المعلقين "عايقين وفايقين" بسياقات الخرجة المثيرة لابن سديرة، فهذا أحدهم كتب يقول: "ابن سديرة كاعي حيث تهلاو في بونيف وهو لا"، وزكى معلق ثان كلام الأول قائلا: "قطعوا عليه الصالير"، وزاد ثالث ساخرا: "خلصوا السيد.. راه غادي يهبل. سبحان مبدل الأحوال". واعتبر معلقون أن من سموهم "الكراغلة يفضحون أنفسهم"، ودعا معلق آخر: "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"، في الوقت الذي لم يستغرب معلق ذكي ما يحصل: "ابن سديرة فشل في مهاجمة المغرب وتسخين الرأي العام، وأصبح ورقة محروقة، فكان طبيعيا أن يتحول إلى شخص مسعور". و"يبدو أن الأيام ستظهر لنا ما لم نكن نعلمه، ويأتينا بالأخبار من لم نسأله"، مع الاعتذار للشاعر الحكيم طرفة بن العبد على هذا "التحوير الطفيف"، فأدوات العسكر الفاشل في الجزائر صارت تأكل بعضها بعضا. نعم.. الأفق هناك محدود، والأمل مسدود، والجهد مجذوذ، وحتى تلك "الجزائرالجديدة" مجرد شعار مردود، والدولة آيلة إلى فشل ذريع. وليس نحن من نقول هذا الكلام؛ فهذا السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر، كزافييه درينكور، قالها مدوية في "لوفيغارو": "إذا كان من الضروري تلخيص الوضع بإيجاز وواقعية، فينبغي القول إن الجزائرالجديدة في طريقها نحو الانهيار أمام أعيننا". اللهم لا شماتة. اللهم لا شماتة.