يبدو أن ما حصل مع اللاعب المغربي الخلوق زكرياء أبو خلال كان "مفيدا" لطرح بعض المواضيع المتصلة والمنفصلة، التي يجمع بعضَها خيطٌ رفيع أو حتى "شعرة معاوية"، منها حدود حرية التعبير، والتشهير، والافتراء، والتدخل في حياة الآخرين، وغيرها من المفاهيم والسلوكيات. وفي رأيي الذي لا يُلزم أحدا في هذا "الكورنير الحاد" الذي يعود بنا إلى ملاعب كأس العالم التي أقيمت مؤخرا في قطر، أن هذه الضجة المثارة، التي يبدو أن اعتذار الموقع الإلكتروني المعني رسميا للاعب قد أسدل مبدئيا ستارا عليها، تحتم علينا تحديد بعض المفاهيم إعلاميا وأخلاقيا وفكريا أيضا. يبدو أن الذي أثار كل هذا اللغط هو نقطة "السلفية"، فعنوان المقال جاء بطريقة الجزم "أبو خلال سلفي بالمنتخب الوطني"، وهنا لم يضع المقال خيارا أمام القارئ، فقد صنف اللاعبَ المذكور بأنه سلفي، لتأتي ردة فعل جامعة الكرة قوية مهددة بمتابعة المنبر قضائيا. هنا قد يتساءل بعض الناس، ويحق لهم ذلك، هل السلفية تهمة أصلا؟ هل إذا كان اللاعب سلفيا لا يحق له اللعب بألوان "أسود الأطلس"، وهل الشخص المتدثر بالمذهب أو الفكر السلفي لا يجوز له اللعب للمنتخب؟ لكن في المقابل، قد يقول آخرون، ويحق لهم ذلك أيضا، إن المنتخب يمثل بلدا واحدا بدون تصنيفات عقائدية أو إيديولوجية، فالعقيدة الوحيدة له هي: الوطن، وإذا فتحنا الباب أمام لاعب سلفي، قد يأتينا لاعب شيعي، ولاعب بهائي، وآخر ملحد، وهكذا. وبالتالي، فإن اللونين الأحمر والأخضر يذيبان كل الانتماءات الدينية والعقدية التي يجب أن تنصهر في بوتقة الوطن. وقد يسأل أحدهم: هل أعضاء المنتخب المغربي صاروا "مقدسين" إلى هذه الدرجة؟ إلى درجة أن لا ينتقدهم أحد، ولا يتحدث أحد عن تصرفاتهم وسلوكهم، خاصة أن بعضها كان يظهر في الملعب، مثل السجود ورفع "سبابة التوحيد"، هل وصف لاعب بأنه يمتح من المذهب السلفي يعتبر اتهاما يجب جر قائله إلى ردهات المحاكم؟ لكن في المقابل، هل مجرد مظاهر إيمانية مثل السجود بعد كل هدف أو تقبيل يدي الأم أو مرافقة سيدة منقبة أو إمامة اللاعبين في الصلاة، تجعلنا نمتلك الحق في اتهام لاعب بأنه ينشر السلفية داخل المنتخب ويستقطب لاعبين آخرين لهذا التيار؟ وعندما ظهر أبو خلال يهتز فرحا وطربا بعد كل فوز وتأهل في المونديال، لماذا لم يقل بعضهم: "إنه يقوم بحركات ماجنة والعياذ بالله، متشبها بالكفار الفرنجة، ويهتز منتشيا بأصوات مزامير الشيطان"، على حد تغريدة زميلنا محمد واموسي. أليس في ذلك مبالغة فجة توازي السقطة الإعلامية المثيرة للسخرية التي وقعت فيها القناة الألمانية "فيلت" (Welt) عندما قارنت بين لاعبي المنتخب وتنظيم "داعش" الإرهابي لا لشيء سوى لأن أبو خلال والشاعر والصابري رفعوا سباباتهم عاليا بعد هزم البرتغال في ربع نهائي المونديال، باعتبار أن رفع السبابة هي إشارة "داعشية". أليست هذه المقارنات والأوصاف جهلا فظيعا بالدين؟ ألا يرسم ملايين المسلمين سباباتهم في التشهد خلال الصلاة أو في الدعاء أو في إشارة إلى الله في السماء؟ هل ملايين السلفيين داعشيون؟ وحتى لا أبدو في هذا "الكورنر" متسللا بشكل فادح، أو مُنَظرا متعاليا، فإن الرأي الذي أستحسنه هو أن لا أحد ينبغي أن يكون ضد حرية التعبير، كما أن قمع حرية التعبير بأية حجة كانت أمر مرفوض، سوى في حالة تدخلت حرية التعبير والرأي هذه في نوايا الآخرين، أو ساهمت في الهمز والغمز ضدهم، أو التلميح بما يثير الضغائن والشكوك، بدون أدلة ثابتة، حتى لا تتحول حرية التعبير إلى تشهير. ويكفي أن الموقع المعني قرر، بعد تردد، سحب المقال الذي أثار ضجة حينها، والاعتذار الرسمي لزكرياء أبو خلال، "عما قد يكون لحقه من أذىً معنوي بسبب ما قد يكون احتواه المقال من تعبيرات، عن غير قصد، أو بسبب التحوير والتحريف المغرض لمضامينه ومقاصده من طرف البعض"، وفق تعبير الجريدة الإلكترونية ذاتها.