عشنا مع "مونديال" قطر 2022 حدثا مختلفا بكل المقاييس، فلأول مرة ينظم كأس العالم لكرة القدم في بلد عربي، وقد أضاف صعود المغرب بوصفه أول بلد عربي إفريقي إلى المربع الذهبي نكهة خاصة، سال على إثرها مداد كثير وحرارة غير مسبوقة في تاريخ الكرة، وجدل عنيف واختلافات رياضية وسياسية، لكن أهم نكهة ستبقى تكمن في الحضور الداعم لأمهات لاعبي المنتخب المغربي. في كل "مونديال" تحضر النساء بأشكال مختلفة، لكن خصائص "المونديال القطري" جاءت بمظاهر جديدة؛ فقد حضرت العائلة بخصائص المجتمعات التقليدية التي كانت وراء العديد من الروايات الأسرية للاعبين، إذ لا تخلو حكاية للاعب مغربي من مرارة تعب الأمهات. فوراء كل عالم خاص حكاية طويلة ودموع مستترة خلف كل ما حدث. لم تمر هذه الحكايات مرور الكرام، إذ سرعان ما التقط الإعلام العالمي هذه الحكايات وحولها إلى مادة إعلامية يتجاذبها مؤيد ومعارض؛ فقد رآها البعض مبالغة في القصص واستعراضا للمشاعر، في حين بصم الآخرون على أن العناية بالعائلة أمر ضروري تجلى في رقص اللاعبين مع الأمهات الشعبيات البسيطات اللواتي قدمن من الكدح، وكأن اللاعبين يخبرون العالم بأن وراء كل قصص النجاح أمهات سهرن الليالي، وتغربن من أجل خلق شباب عتيد يعاند الظروف ويواجه هذا العالم بكل ثقة. خلال "المونديال" سمعنا الكثير من الكلمات التي لم يسبق تداولها من قبل في أي "مونديال"، وهو معجم خاص مشتق من حرارة الأرض العربية، يتحدث فيه شخص مثل وليد الركراكي كمدرب قاد هذه البطولة بصبر وتحد تتمثل في "رضى الوالدين" و"النية" إلى غيرها من الكلمات التي تحفز المنتخب، كل ذلك يعززه الحضور النسائي، سواء للأمهات أو الزوجات اللائي كان لهن الوقع الأقوى. في المغرب وفي العالم العربي بأسره، كانت هناك متابعة غير مسبوقة لمنتخب يتحدر من الجذور العربية والإفريقية، ليكون شاهدا على تحول جديد غير مسبوق في التاريخ، وكانت المتابعات في المقاهي من طرف كل النماذج النسائية أمرا مثيرا للغاية، ففي المقهى تجد كل النماذج النسائية بدون استثناء يتابعن "المونديال" بحماسة لا مثيل لها، حتى أن حضورهن قد ضايق الكثير من الأصوات التي ترتفع بين الفينة والأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنها تذكرنا بأن مكان المرأة هو بيتها و"كوزينتها" و"مالها هي وكرة القدم!"، ولكن على الرغم من كل هذا الجدل، فإن النساء لم يتوقفن عن الذهاب إلى المقاهي ومشاهدة المباريات في جو جماعي. لا يمكن أن ننسى أن النساء في المغرب قد بدأن الآن يخضن غمار كرة القدم، وقد تابعنا فريق "لبؤات" المغرب وجسارتهن، كما أن النساء عبر العالم انخرطن في هذا السحر الغريب لكرة القدم، رغم كل المضايقات التي اعترضتهن كممارسات لهذه اللعبة، ومع ذلك لم يتوقفن عن المغامرة، وأذكر كيف أن نجيب محفوظ وثق جدل حضور الفتيات في الجامعة في رواياته بين رافض ومؤيد في آن معا. لا يمكن أن نغفل حضور العديد من النساء المشجعات اللواتي حضرن من مختلف أنحاء العالم لكي يشجعن منتخباتهن، اللواتي مازال الجمال هو النقطة الأقوى التي ترصدها الكاميرات من خلالهن. فمازالت عيون الكاميرا تلتقط الوجوه الجميلة كي تحظى بالصورة الأكثر مشاهدة، ويمكن لهذه الصورة أن تصبح ممثلة لشعب بأكمله، بحيث تنتقل سواء عبر الإعلام المرئي أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح علامة على البلد من خلال مفتاح الجمال، حتى أن عارضات أزياء مثل العارضة الكرواتية، تلاحقها العيون أينما حلت بسبب الإثارة وإبراز المفاتن ونسب البلد كله من خلال جمالها الذي يتم تبادله عبر "واتساب" و"مسنجر" إلى غير ذلك. يتخذ الحضور النسائي أشكالا متعددة ومتباينة عبر الشعوب، ولا يمكن القول إن "مونديال" قطر قد خلا من الاثارة والعيون والإغراء، فهناك مشجعات نزعن ملابسهن بعد نجاح منتخباتهن فتم ترحيلهن، ومع ذلك تحولن إلى حضور إعلامي تقتات منه الصحافة والإعلام. في هذا "المونديال" كان لنون النسوة نكهة خاصة، "مونديال" حضرت فيه الأمهات وروح العائلة، كما حضر الفرح الطاغي الذي سرى في أوصال العالم العربي الذي تحول إلى جغرافيا واحدة. والأكيد أن صور وفيديوهات هذا الحدث ستظل علامة فيها الكثير من الحب والإخاء والإنسانية التي لا تعرف الحدود، وذلك لأنها بنكهة نون النسوة.