بينما كانت إسرائيل تستعد لهجومها على غزة في أواخر دجنبر الماضي، كانت تتوقع تعرضها لخسائر كبيرة في الأرواح بين صفوف قواتها، وحذر قادتها من الهجمات الانتحارية التي قد يشنها عناصر حماس ومن الصواريخ التي بحوزة الحركة، وأنها قد تدمر دباباتها، أو تسقط طائراتها المروحية في سماء غزة، وكذلك من الصواريخ بعيدة المدى التي قد تمتلكها حماس والتي قد تدك المدن الإسرائيلية في العمق. "" ومع انحسار غبار المعركة، اتضح أن الإنجاز الوحيد لحركة حماس هو استمرار سقوط صواريخها على جنوب إسرائيل خلال أيام المعركة التي استمرت على مدى 22 يوماً، بينما لقي 10 جنود إسرائيليين مصرعهم في هذه المعركة، من بينهم 4 سقطوا بنيران صديقة. لقد زعمت حركة حماس وأنصارها أنها انتصرت في المعركة، ببساطة لأنها ظلت قادرة على البقاء رغم الضربات الإسرائيلية الشرسة، فيما أعلنت أن إسرائيل خسرت المعركة السياسية، نتيجة للخسائر الكبيرة في الأرواح والمصابين بين المدنيين، الذي أثار أنصار إسرائيل، وكذلك نتيجة لتعزيز موقف حماس. خلال المعركة، لم يظهر سوى عدد قليل من مقاتلي حركة حماس البالغ عددهم 15 ألف مقاتل. قدم العديد من الضباط الإسرائيليين رواية مفصلة لمجلة "التايم" الأميركية حول الحملة العسكرية على غزة، جاء فيها أن حماس "لم تنفذ أي عملية انتحارية على الإطلاق ضد قواتهم المتوغلة في القطاع." وقال أحد الضباط الإسرائيليين: "لقد كنا ننتظر أن يطلقوا أي قذائف متطورة مضادة للدبابات أو الطائرات، لكنهم لم يفعلوا ذلك." في حين كشف الضباط الإسرائيليين أنه جرت أربع محاولات لتنفيذ هجمات انتحارية ضد القوات الإسرائيلية، بدلاً من تنفيذ العشرات منها التي كانوا يتوقعونها من الوحدات الانتحارية التابعة للحركة. ماذا حدث لحركة حماس؟ يقدم الضباط الإسرائيليون تحليلاً للوضع وسبب عدم ظهور مقاتلي حماس ومواجهتهم للقوات الإسرائيلية والقوة الهائلة التي تتمتع بها. ويبدو أن قدرة حماس لا تتعدى إطلاق الصواريخ البدائية الصنع، أو أن تلك هي قدراتها، كما يقولون. وهنأ الإسرائيليون أنفسهم على التكتيك الذي اتبعوه في المعركة في قطاع غزة. فقد قال الضابط في قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، شالمون هراري: "إن حماس وحزب الله قلقان من نجاح إسرائيل في فك شيفرة (DNA) القتال في المدن" مضيفاً أن قادة الحركة على الأرجح يضعون الخطط لمواجهة القوات الإسرائيلية في هجومها المقبل على غزة في حال وقوعه. حماس تعارض الرواية الإسرائيلية يقول أحد قادة الحركة العسكريين في كتائب عز الدين القسام، الجنح العسكري للحركة، إن خطة حماس كانت تستند إلى جرّ القوات الإسرائيلية إلى المناطق العمرانية المزدحمة، حيث تخسر تلك القوات عامل الدعم الجوي والبحري. وقال ذلك القائد: "لقد كنا نقاتل جيشاً من جيوش القرن الحادي والعشرين، ونحن مجرد حركة مقاومة تعتمد حرب العصابات، فماذا تتوقع، أن نقف في الميدان وننتظر الإسرائيليين أن يمسحونا عن الوجود؟" على أن الإسرائيليين، رغم أنهم أعلنوا وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار، فشلوا في تفسير سبب عدم إطلاق حماس للصواريخ المضادة للطائرات، التي قالت الاستخبارات الإسرائيلية إن إيران زودت الحركة الإسلامية بها. يقول أحد الضباط الإسرائيليين: "إنها أحجية.. فقد كانت طائرات الاستطلاع تحلق بكثافة في سماء غزة، وكذلك الطائرات المروحية والطائرات المقاتلة من طراز إف-16، ولم تطلق حماس أي صاروخ ضدها." وهناك تفسيران محتملان لذلك: إما أن الاستخبارات الإسرائيلية أخطأت التقديرات وأن حماس لا تمتلك مثل تلك الصواريخ أو أن حركة حماس تدخرها للجولة المقبلة من المعارك. التكتيك الإسرائيلي لقد أحبطت القوات الإسرائيلية خطة حماس، عندما اقتحمت غزة من ثلاثة محاور، متجنبة المحور الرئيسي، المتمثل بالطرق الرئيسية، والتفت حولها، لأن مقاتلي حماس زرعوا العبوات الناسفة والشراك فيها، بحسب ما قال الضباط الإسرائيليون. وتمثل الهجوم العسكري الإسرائيلي بالتوغل داخل بعض الأحياء في غزة، ثم الانسحاب إلى الضواحي. وكان لكل وحدة عسكرية، طائرة استطلاع يتابع من خلالها التطورات على الأرض، وتمكن القوات الإسرائيلية من التقدم بشكل بطيء وتدريجي، باعتماد ما وصف بأنه "الحلول التكتيكية المصغرة." كذلك تجنب الجنود الإسرائيليون دخول المنازل من الأبواب الرئيسية، التي قد تكون مفخخة، وحطموا الجدران للدخول إلى المنازل، فيما تزعم منظمات إسرائيلية لحقوق الإنسان أن القوات الإسرائيلية استخدمت المعتقلين الفلسطينيين كدروع بشرية. وطلبت القوات الإسرائيلية من عناصرها عدم دخول إنفاق حماس، فتم إرسال كلاب وروبوتات صغيرة لاستكشاف تلك الأنفاق، كما تم تفجير كل شيء يعتقد أنه مفخخ. وقال أحد الضباط الإسرائيليين بعد انتهاء المعارك: "الجميع أخذ العبرة من الحرب على غزة، نحن وهم." ولا أحد يتوقع أن تكون هذه هي المواجهة الأخيرة بين الطرفين.