على بعد يومين من انطلاق كأس العالم لكرة القدم بقطر، تعيش الأرجنتين على وقع حمى كرة القدم؛ فانطلاقا من البرامج الحوارية على التلفزيون، ومستجدات الفريق الوطني التي تتصدر الصفحات الأولى للصحف، مرورا بالنقاشات بالمقاهي أو وسائل التواصل الاجتماعي، ليس هناك موضوع آخر يشغل بال الأرجنتينيين غير "المونديال" والتفاصيل الدقيقة ليوميات منتخب "الألبيسيليستي" بالخليج العربي. لا نسبة التضخم المتزايدة التي تقارب 90 في المائة، ولا الصراع الحاد القائم بين السلطة القضائية ونائبة الرئيس كريستينا كريشنر، ولا حتى مخاطر الجفاف التي تضرب البلاد، حظيت بالاهتمام نفسه الذي يوليه الأرجنتينيون لأخبار "سكالونيتا"، اللقب الجديد للمنتخب الوطني، نسبة للمدرب الشاب ليونيل سكالوني. وفي العادة يرافق مباريات كرة القدم بالأرجنتين شغف وإثارة على الهوى اللاتيني، لكن الحماس الذي يخلقه المونديال القطري استثنائي لسبب وجيه: إنه المونديال الأخير الذي يلعبه ليونيل ميسي، الذي يعلق عليه الأرجنتينيون آمالا كبيرة لجلب اللقب العالمي إلى الأرجنتين بعد غياب طويل. هو حلم مشروع بالتأكيد، فالأرجنتينيون أصبحوا مهووسين بهذه الكأس التي تنقص خزانة نجمهم، أيقونة كرة القدم العالمية ميسي، الذي فاز هذه السنة بكوبا أمريكا وكأس الفيناليسيما (كأس الأبطال كونميبول يويفا). وكشفت دراسة حديثة ببوينوس آيريس أن 8 أرجنتينيين من أصل 10 متحمسون للمونديال، ومعظم من لم يستطيعوا التنقل لقطر نظموا برنامجا محكما لمشاهدة المباريات مع العائلة أو الأصدقاء. عزيمة الأرجنتينيين هاته لن يثبطها فارق التوقيت مع الشرق الأوسط، إذ إن بعضا من المباريات التي سيلعبها منتخب التانغو مبرمجة على الساعة ال7 صباحا بتوقيت بوينوس آيريس. ظاهرة أخرى تعكس هذا الحماس هي نفاد مخزون قمصان منتخب "الألبيسيليستي"، بجميع فئاتها، ومجسمات اللاعبين الحاضرين في كأس العالم. وبلغت نشوة المنتخب في الأرجنتين مبلغها لتلامس دائرة السلطة السياسية، إلى درجة جعلت وزيرة الشغل كيلي أولموس تضع على سلم أولوياتها فوز المنتخب الأرجنتيني قبل خفض التضخم، وهو الأمر الذي أثار حنق منتقديها؛ ففي سؤال وجه إليها حول أولويات الحكومة على المدى القصير، لم تتردد في الرد: "سنواصل الاشتغال على التضخم، لكن قبل ذلك فلتحقق الأرجنتين الفوز" في كأس العالم. وفي المدارس، وبينما تتجه السنة الدراسية نحو نهايتها، سيتم تغيير الجدول الزمني بشكل يأخذ بعين الاعتبار مواعيد لعب المنتخب الأرجنتيني، وذلك للسماح للجميع بمشاهدة المباريات. والأكيد أن كأس العالم تغير ترتيب الأولويات بشكل عميق في الأرجنتين وباقي العالم، لكن الأمل متوهج داخل هذه البلاد لمعانقة اللقب القاري الذي غاب عن خزائنها بعض مضي 36 عاما على الملحمة التي تحققت بالمكسيك مع الراحل مارادونا. ومنذ أسابيع تنبض الحياة اليومية بالأرجنتين على أنغام المونديال، وكل الأحداث الملاحظة داخل هذه البلاد تناقض المقولة المشهورة "كرة القدم هي الشيء الأكثر أهمية بين الأشياء الأقل أهمية في الحياة". ويبدو أن الأرجنتينيين استبدلوا هذه المقولة، خلال هذا الشهر، بتعبير يلائم طبيعتهم "كأس العالم هي كل شيء وكل شيء هو كأس العالم".