كان السكون يخيم على الأرض الطيبة، وكان حظر التجول مفروضا عليها.. الصمت عيد يداعب أناملها.. كان كل شيء يسير بهدوء إلا الأوراق تتساقط ، والمطر يهطل بلا خوف من الرصاص ولا فزع من مدافع الصهيون... ! كان الظلام يسود الأزقة .. يتجول قسامي في أرجاء غزة، يتأملها وهي في حلة لم تطل بها أياما طويلة، حلة خالية من الدماء.. اعتذر لغزة.. حكى لها عما يختلج الوجدان، و حكت هي عمّا يتعب الكيان.. نظر إليها فأحس بدفء حضنها.. نزلت دمعة فرح أن غزة لم تمت ، حضنها وقال بعد آهات خرجت من الأعماق: "ما أجملك وما أقواك وما أطهرك !" سكت لحظة، ثم أضاف:" أظنك من كوكب آخر.. قيمك قيم فاقت الدنيا وملاذها، فاقت الأرض و ترابها.. فاقت قصص الحب و عشاقها.. فاقت كل ما يوصف بالكلمات ويحكى في الحكايات و يغنى في السهرات.. فأنت من صنعت من الجرح رصاصا يقتل الأعداء، ومن الألم دروس نضال، ومن الطفل رجلا في السراء و الضراء، فيا أيتها المنارة و يا أرض الشهداء لا تبكي و لا تحزني فدماؤك لم ترح هدرا، ولم تذرف غدرا.. نحن دائما على الوعد أحرار، وسنطرد العابثين و الخائنين من أرضك البيضاء، فالعهد قادم ولن ينجوا أحد ..الكل سواء.. !" ابتسمت غزة فرحا بصدق الحماسيين ..وعرفت أن لغزة رجالا يحمونها مهما طال الطريق.. قالت بصمت: "كم أحبكم وكم أشتاق لضحكتكم؟! لكن الجهاد أسمى ما تملكون و لأرقى ما تطمحون ،وبه إن شاء الله تكرمون ، وبتاج الشهادة تزينون.. كم أعتز أني صنعت رجالا في زمن غاب فيه الرجال، وزرعت فيهم الصبر والحماس، وعلمتهم أن التضحية واجب وليست اختيارا، فلا داعي للاعتذار.. نحن وجهان لعملة واحدة، فعتبي ليس عليكم ،عتبي على أولئك.. نعم أولئك الذين باعوني بأرخص الأثمان.. الذين اكتفوا بمشاهدة المجازر وأنا أتألم تحت القصف، عتبي على الحكومات العربية التي رمت الضمير الإنساني وراء ظهرها ،فأين مواثيق الدفاع المشترك؟! وأين التزامهم الديني والأخلاقي تجاهي؟! ولماذا تركن وراء معاهدات السلام المزعوم؟! ولماذا .. ولماذا...؟ ! خانوا غزة.. لكن غزة لن تخون ،فقد رويت أرضها بالدم الطاهر... ! فيا عرب قفوا وقفة الرجل الواحد في يوم واحد.. أرجعوا كرامة أُهدرت.. أخبروا العالم أن لا ثمن للعزة، و سيروا في الطريق بلا رجعة، و أثبتوا أنه لن تنزل بعد اليوم دمعة.. يا عرب أوقفوا الحوار وانزعوا عنا الحصار، وخذوا أصوب قرار.. لا تخذلونا ..كونوا أصحاب كرامة ونخوة وعزة.. أشعلوا الشموع لتضيئوا غزة... ! فيا ابن مدرسة الجهاد، اذهب وأخبر حماس أن بك ترفع الراس... !