قال الدكتور عبد الله بوصوف، خبير في العلوم الإنسانية وشؤون الهجرة، إن "العالم تابع التعامل الفج والخارج عن كل سياقات التاريخ والأعراف الديبلوماسية وآداب الجوار في تعامل جنرالات النظام العسكري الجزائري مع وزير الخارجية ناصر بوريطة وهو يشارك في اجتماع وزراي تحضيري لقمة عربية وصفتها أبواق الجزائر بقمة جمع الشمل العربي". وأضاف بوصوف، في مقال له بعنوان "القمة العربية بالجزائر.. أو قمة التواطؤ ضد الأمن القومي العربي"، أن "إصرار الجزائر على الدفاع عن مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار يفضح مكاسب وسرقات جزائرية سياسية ضد صحراء تونس وأراض مغربية اقتطعها المستعمر الفرنسي لفائدة الجزائر الفرنسية، فيما تلقي بملف الطوارق في غياهب النسيان". وأوضح الخبير في العلوم الإنسانية وشؤون الهجرة أن "المغرب فاجأ النظام الجزائري بحضوره الوازن في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية وبخطفه الأضواء وسحب البساط من تحت أقدام الجنرالات في عقر دارهم، لكن ضرْبةْ لمْعلّمْ كانت هي طلب المغرب من رئاسة الدورة 31 للقمة العربية إدراج نقطة تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية وتهديدها الأمن القومي العربي في وثيقة الجامعة العربية". هذا نص المقال: لقد تابع العالم التعامل الفج والخارج عن كل سياقات التاريخ والأعراف الديبلوماسية وآداب الجوار في تعامل جنرالات النظام العسكري الجزائري مع وزير الخارجية ناصر بوريطة وهو يشارك في اجتماع وزراي تحضيري لقمة عربية وصفتها أبواق الجزائر بقمة جمع الشمل العربي. فبعد عدد من التأخيرات والتأجيل الذي عرفته هذه القمة الفريدة التي أرادت من خلالها عصابة النظام الجزائري الخروج من عزلتها السياسية على مستوى العالم العربي من جهة، ومحاولة عزل المغرب بإرغامه على إعلان مقاطعته لأعمال القمة من جهة أخرى، فشلت في فرض أجندتها العدائية للمغرب على طاولة الاجتماع، كما فشلت في بتر الصحراء من مغربها على مستوى الخريطة الرسمية لبلدان الجامعة العربية، وفشلت في إقناع أغلب الملوك والرؤساء العرب بالحضور الشخصي؛ إذ اكتفوا بإيفاد ممثلين عنهم من الصف الثاني، كما فشلت في فرض "ابنها غير الشرعي"، أي البوليساريو، على جدول أعمال القمة، خاصة وأنها تنعقد مباشرة بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2654 ليوم 27 أكتوبر 2022، الذي أكد من جديد قوة المبادرة المغربية ودور الجزائر كطرف في القضية، كما دعا إلى استئناف طاولات الحوار. النظام الجزائري كان يعرف مسبقا أن حضور المغرب للقمة هو خسارة سياسية له بعد فشل محاولات عزل المملكة سياسيا واستنزافها اقتصاديا بعدم تجديد عقد أنبوب ميدغاز نحو الجارة إسبانيا، ثم بقطع العلاقات الديبلوماسية من طرف واحد وإغلاق المجال الجوي. هذا رغم المحاولات العديدة لليد الممدودة من طرف جلالة الملك محمد السادس منذ سنة 2007. كما كان النظام العسكري يعرف مسبقا أن الوفد المغربي سيخطف الأضواء على المستوى الإعلامي والسياسي، وهو ما شاهدناه بالفعل؛ حيث أغلب القصاصات العالمية تناولت كل ما تعلق بالوفد المغربي منذ دخوله مطار بومديان إلى قاعة الجلسات مرورا بسوء الاستقبال والتهميش أثناء حفل العشاء، وغيرها من أساليب الاستفزاز الممارس على الوفد المغربي من أجل الضغط عليه على المستوى النفسي. لكن الوزير بوريطة بدا مبتسما في أغلب صوره، دليلا على حالة نفسية مريحة، وهو ما أزعج جنرالات سونطراك. كما تداولت الصحف العالمية المصافحات الدافئة لبوريطة مع مختلف ممثلي الدول العربية الشقيقة، وهو ما جلب فعلا ألم "الشْقيقة" لرمطان لعمامرة الذي بدت عليه علامات الذهول والحسرة والشيخوخة. لقد اعتقد النظام العسكري الجزائري أن بإمكانه حصر الوفد المغربي في الزاوية الضيقة، من خلال دعوته إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام سيادة الدول العربية ووحدتها. وبقراءة متسرعة، قد يعتقد البعض أنه يعترف ضمنا بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على كل ترابه، لكن مجرد استحضارنا مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، نفهم أننا أمام تصريح ماكر ونكتشف دس السم في الطعام، وأن النظام الجزائري يهدف إلى خلط الأوراق بين إرث حدود المستعمر الفرنسي والإسباني بالمغرب، وأن "الابن غير الشرعي" البوليساريو هو من مخلفات الاستعمار الإسباني. أكثر من هذا، فإصرار الجزائر على الدفاع عن مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار يفضح مكاسب وسرقات جزائرية سياسية ضد صحراء تونس وأراض مغربي اقتطعها المستعمر الفرنسي لفائدة الجزائر الفرنسية، فيما تلقي بملف الطوارق في غياهب النسيان. لقد فاجأ المغرب النظام الجزائري بحضوره الوازن في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية وبخطفه الأضواء وسحب البساط من تحت أقدام الجنرالات في عقر دارهم، لكن "ضربة لمْعلم" كانت هي طلب المغرب من رئاسة الدورة 31 للقمة العربية إدراج نقطة تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية وتهديدها الأمن القومي العربي في وثيقة الجامعة العربية، حيث شمل تهديد الأمن العربي دول الخليج ولبنان والعراق وسوريا واليمن ومخيمات تيندوف الجزائرية حيث يقبع الانفصاليون، وتقديم إيران أسلحة من نوع "درون"، وقيام عناصر من "حزب الله" الشيعي بتدريب عناصر البوليساريو؛ فكل الوقائع تدل على تدخل إيران في منطقة الخليج العربي، سواء في حرب اليمن أو الاعتداءات على جنوب السعودية وغيرها، وتزويد البوليساريو بالأسلحة، وهو ما يعني توقيع إجماع عربي على إدانة النظام الإيراني في المنطقة العربية. وبطبيعة الحال، هذا ما لا يرغب فيه جنرالات الجزائر ضد حليفهم الإيراني الشيعي. لقد انقلب السحر على الساحر وفشلت الجزائر في تفاصيل قمة جمع الشمل العربي، بل حاولت تشتيت العرب حتى قبل انعقاد القمة؛ فقد فرضت عودة سوريا إلى البيت العربي، ولعبت بورقة الفصائل الفلسطينية، أو ما سُمي "إعلان الجزائر"، وقسمت الاختيارات العربية حصريا بين التطبيع مع إيران وحزب الله أو مع إسرائيل! لكنها فشلت في كل ذلك رغم محاولات استفزاز وزير خارجية المملكة المغربية ناصر بوريطة، ورغم مُصادرة معدات الفريق الصحافي المغربي، ورغم حجم "الأخبار الزائفة" التي روجتها أبواق النظام العسكري الجزائري حول المغرب ورموزه ومقدساته. وهي بلا شك مقدمات قوية لانهيار أعصاب النظام العسكري الجزائري، ولفشل قمة عربية تأجلت منذ ثلاث سنوات وماتت قبل ولادتها؛ لأنها انتصرت للولاء الشيعي الإيراني مقابل حماية الأمن القومي العربي.