هبّت رياح اليسار على البرازيل مرّة أخرى حاملة الحزب العمّالي الذي يقوده لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى سدّة الحكم في البلد الأكثر تأثيراً في أمريكا اللاتينية، وذلك بعد سقوط الرّئيس الحالي جايير بولسونارو (الحزب الليبرالي). وخلقت الانتخابات الرّئاسية البرازيلية الاستثناء هذه المرة، فقد جاءت نتائجها يسارية على غير ماضي البلد الذي اعتاد القرب من الإدارة الأمريكية وصعود أحزاب ليبرالية، طارحا بذلك سيناريوهات عديدة أمام الرباط التي ترى في البرازيل حليفا إستراتيجيا يصعب فقدانه. ومعروف أنّ العلاقات المغربية البرازيلية قويّة ولا تتأثّر بسياق الانتخابات الرّئاسية كيفما كانت نتائجها؛ ويتجلّى ذلك أساسا في ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين البلدين خلال الفترة الأخيرة. وبلغت قيمة صادرات المغرب نحو البلد الجنوب أمريكي بين شهري يناير ويوليوز الماضيين 600 مليون دولار، بزيادة 20 بالمائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية؛ في حين وصلت قيمة صادرات البلد الجنوب أمريكي نحو المغرب إلى 320 مليون دولار (زائد 35 بالمائة). ويعزى هذا التطور الملحوظ إلى الانطلاقة الجديدة والدفعة القوية التي أعطتها للعلاقات الثنائية الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى البرازيل في نونبر 2004، حيث فتحت المجال أمام المسؤولين في عدد من المرافق الحيوية البرازيلية. ولم يسبق للرّئيس المنتخب حديثاً طوال حكمه الذي امتد من 2003 إلى 2010 أن أصدر موقفا معاديا للوحدة التّرابية للمملكة أو ساند أطروحة الانفصال في الصّحراء. وصوّتت البرازيل على قرار 2654 الدولي الذي أصدره مجلس الأمن حول الصّحراء المغربية، وكانت من بين الدّول الثلاث عشرة التي أشادت بالمقترح المغربي. ويقول عبد الواحد أكمير، مؤرخ وباحث مغربي، مدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات بالرباط، إنّه "لن يكون هناك أيّ تغيير بشأن مستقبل العلاقات المغربية البرازيلية". ويبرز المحلل ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "لولا دا سيلفا سبق له أن ترأّس البرازيل لولايتين ولم يصدر عنه أيّ موقف أو قرار يمسّ السّيادة والوحدة التّرابية المغربية، ودائما ما كان يعبّر عن مواقف معتدلة في ملفّ الصّحراء"، مشددا على أن "الساحة البرازيلية تعتبر ملف الصّحراء مطروحا على الأجندة الدّولية الأممية، وهو بذلك ملف لا تحكمه الإيديولوجيات لأنه محكوم بروابط تاريخية". وأبرز المتحدث ذاته أن "البرازيل أهم بلد بالنسبة للمغرب في أمريكا اللاتينية، ولم يسبق أن اعترف بجبهة البوليساريو"، معتبرا أن هناك "علاقات تاريخية وطيدة تجمع البلدين تعود إلى القرن التاسع عشر". اقتصاديا، يضيف أكمير، "البرازيل هو ثالث شريك اقتصادي للمغرب بعد فرنسا وإسبانيا"، مشددا على أن "البرازيل تعول على المغرب للدخول إلى الأسواق الإفريقية". كما قال المحلل ذاته إن "اليسار في البرازيل معتدل ولا يبحث عن المشاكل"، وزاد: "لولا لن يحكم لوحده، فهناك أحزاب أخرى ستشكل معه أسس الحكم في البرازيل، من بينها أحزاب يمين ووسط"، مشددا على أن "ملف الصحراء لن يكون ضمن أولويات العمل الحكومي البرازيلي".