ظلَّ الاقترابُ منَ المقدس في الأعمال الفنيَّة بمثابةِ حقلِ ألغام، من الخطورة بمكان أنْ يعبرهُ المبدع، بدول كثيرة من العالم، لا تشذُّ فرنسَا عن قاعدتهَا، لدى تمظهر العلاقة الجدلية بين شرط الحرية في الإبداع، وضابط توقير المقدس، حيث أوصدت جلُّ المسارح الفرنسية أبوابها، مؤخرًا، في وجه الممثل الكوميدي من أصل كاميروني، ديودونيه مبالا، على إثر اتهامهِ من الحكومة الفرنسية، بالتمادِي في إهانة ضحايا المحرقة التي تعرضَ لها اليهود، وكذَا تهديد الأمن العام، وإطلاق شعاراتٍ اعتبرتْ معاديَة للساميَّة، فِي مسرحيَّة له بعنوانِ "الجدَار". الكومِيديُّ الذِي بنَى شهرتهُ على انتقاداتٍ يعتبرها البعضُ قاسيةً في حقِّ اليهُود، خلقتْ انقسامًا في الشارع الفرنسِي، بينَ منْ يرَى المنعَ من المسارح والتضييق على عروضه دعايةً مجانيَّة، يمارسها أصحابهَا من حيثُ لا يدرُون، وآخرون يدرجون، العروض الساخرة في خانة المعاداة الصريحة للساميَة. من ثلَّة المتحفظين، على أعمال ديودونيه، الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذِي طلب من ممثلي الدولة، ومسؤولي البلديات، في فرنسا، أن يحترسوا، وألا يذرُوا أيَّ شخصٍ يستغلُّ العرض الكوميدي كيْ يحرضَ ويروج لأفكار تعادِي السامية". أبعد من ذلك، بلغتْ عروضُ ديودونيه قاعاتِ المحاكم، فبعدَ سماحِ محكمة نانت الإدارية للممثل الساخر ديودونيه، بتقديم عرضه، وفقَ كان مبرمجا في قاعة "الزينت"، عمدَ وزير الداخلية الفرنسي، مانويل فالس، إلى استئناف الحكم أمام مجلس الدولة، الذِي سينظرُ في الطلب. قرار محكمة "نانتْ"، الذِي اعتبرهُ محامِي ديودونيه، جاك فرديي، هزيمةً لوزير الداخلية الفرنسي، الذِي بعثَ بمرسوم وزارِي إلى ولاة فرنسا، يطلبُ فيه حظرَ العرض المسرحِي، لأسباب قالَ إنَّها ذات صلة بحفظ الأمن، يأتِي فيمَا لمْ تتوانَ وزيرة الثقافة الفرنسية، أوريليه فيليباتيه، عن تأييد المنع، رافضةً جعلَه اغتيالا لحرية التعبير. على اعتبار أنَّ ديودونيه لمْ يعد فنانًا بقدر ما باتَ ناشطًا يعادِي السامية، ويثيرُ الشغب، في بلدٍ تؤول فيه الكلمة الفصل في كل الأمور إلى القضاء، وفقَ تعبيرها. خليقٌ بالذكر، أنَّ الممثل الساخر ديودونيه مبالا، رأى النور في ضاحية فونتي أو روز الباريسية سنة 1966، وبرزَ من خلال الثنائي المسرحي إلى جانب صديق طفولته، اليهودي إيلي سيمون، منذ عام 1991 وحتى 1997، الذي انفصلا فيه، وقال سيمون بعده إنه نادمٌ على عمله سابقا مع شخصٍ معادٍ للسامية، أدَّى ديودوني عشرات الأعمال المسرحية الفردية، بيدَ تطبيق شهرته الآفاق، كانَ بعروض "اعتذاراتي" 2004، وَ"عن العلمانية والحجاب" و"بست أوف"، كما أنَّ عرض "محمود" الذِي قدمه سنة 2010، تكريمًا للرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، جعل الكثيرين يؤكدون معاداته للسامية، خصوصا أنه سافر إلى طهران والتقى نجاد شخصيا.