أصبح موضوع الفتح الإسلامي لإسبانيا يستأثربإهتمام المفكّرين، والباحثين، والكتّاب، والروائييّن الإسبان فى السّنوات الأخيرة بشكل ملفت للنظر، فبالإضافة إلى العديد من الأعمال الرّوائية التي صدرت فى مؤخّرا حول الأندلس ومختلف المراحل التي مرّ بها تاريخها المتقلّب الحافل بالأمجاد، والإنتصارات، مثلما هو حافل كذلك بالهزائم والإنتكاسات، نجد العديد من الأعمال الرّوائية التي لفظتها المطابع فى تواريخ متفاوتة مثل روايات : "طارق وموسى فاتحا الأندلس" للكاتب الإسباني خوان أنطونيو سيلفا، أو" أستور" للكاتبة إيسابيل سان سيباستيان،أو "معماريّو السّماوات" أو " سرو قرطبة " ليائيل غيلادي،أو " كتاب قرطبة المحظور" لأغنيس إيمهوف،أو "الغزال رحّالة المشرقين"،لخيسوس دي لاطورّي،أو "جرّاح الأندلس" لأنطونيو كابانياس دي بلاس،أو " طريق المستعرب" لخيسوس سانشيس أداليد، أو" مومس دول الطوائف" للكاتبة ماغدالينا لاسالا،أورواية "السيّد" لخوسّيه لويس كورّال ، أو " قرطبة بني أميّة " لأنطونيو مونيوث مولينا، أو "غرناطة بني نصر" ، و"المخطوط القرمزي" لأنطونيو غالا، أو " سبيّ قرطبة" لأنطونيو سانطوس، ناهيك عن ألاعمال الروائية لخوان غيتسولو ، وخوان إسلافا غالان،وسواهما من الكتّاب الإسبان الآخرين. إلى جانب هذه الأعمال الروائية والإبداعية التي تصبّ فى نفس الإتجاه وغيرها وهي كثيرة ، نجد دراسات، وأبحاثا، وكتبا عديدة تعالج مختلف المواضيع التي لها صلة بالأندلس،أو بتاريخ الوجود الإسلامي فى شبه الجزيرلة الإيبيرية بشكل عام. ومن الدراسات القيّمة فى هذا القبيل التي تعالج المغزى الذي ينطوي عليه هذا الوجود، سواء بالنسبة للتاريخ الإسلامي أو الاسباني على حدّ سواء هناك أربع بحوث معمّقة لمؤرخين ومستعربين إسبان مشهود لهم بطول الباع في هذا المجال ، حيث يقدّم المستشرق الإسباني "خواكين بالبي بيرميخو" الذي شغل منصب أستاذ كرسي بالجامعة المركزية بمدريد فى البحث الأوّل من هذه الدراسات مفهوما جديدا حول الطرق والسّبل التي سلكها المسلمون عند فتحهم لإسبانيا.ويحلّل "مانويل غراو مونسرّاط" الأستاذ بجامعة برشلونة سابقا فى البحث الثاني منها موضوع الخلافات التي نشبت بين مختلف القبائل العربية غداة الفتح. ويعالج"خواكين فرنيط"عضو الأكاديمية الملكية الإسبانية للتاريخ فى الدراسة الثالثة عملية إنتشارالإسلام في إسبانيا.أمّا الباحثة"مانويلا مارين" التي عملت أستاذة بالمعهد العالي الإسباني للبحوث العلمية،فقد قدّمت فى الدراسة الرّابعة والأخيرة من هذه الباقة من الأبحاث القيّمة تعليقا ضافيّا حول آخر النظريات المتعلقة بهذا الموضوع. ونقدّم فيما يلي عرضا لأهمّ ما ورد في هذه الدّراسات من أفكار، وتحاليل،ورؤى ، ومعطيات . إسم الأندلس يعدّ المستشرق الاسباني "خواكين بالبي بيرميخو" من أشهر المؤرّخين الإسبان المتخصّصين في مادّة التاريخ الأندلسي. وهوعضو كذلك في الأكاديمية الملكية للتاريخ الاسباني،حيث كان موضوع الكلمة التي قدّمها خلال حفل مراسيم إنخراطه في هذه الأكاديمية يدور حول هذا الموضوع بالذات، أيّ الطرق أو السّبل التي سلكها المسلمون عند فتحهم لشبه الجزيرة الإيبيرية . أشار الكاتب في البداية إلى أنّ موضوع الفتح الإسلامي لإسبانيا ما زال يثير فضول غير قليل من الكتّاب، والباحثين، والمؤرّخين،ذلك أننا نجد أنفسنا إزاء كثير من الإشكاليات عند تحليلنا لمصادرالمؤرّخين المسلمين في القرون الوسطى.سواء من حيث الرّواية التاريخية، أو أسماء الأماكن ، أوالعنصر الجغرافي . فبخصوص إطلاق إسم الأندلس على إسبانيا المسلمة يشير الباحث إلى أنّ هذا الإسم كان موجودا منذ العصر الجاهلي ، والعهد الإسلامي، وأيام الخلفاء الراشدين وجميع هذه المصادرهي قبل تاريخ711 م ، وهو التاريخ الذي فتحت فيه الأندلس. وبالتالي يتأكد لنا أنّ هذا الإسم مصدره الشرق العربي، ولا علاقة له بالنظرية القائلة بأنّ الإسم مشتقّ من " الوندال" الذي ينطق فى اللغة الاسبانية بصيغة قريبة من النطق القشتالي الأندلسي وهي " فاندالوس" ،ويشير الباحث الإسباني أنّه منذ ذلك الإبّان كان يقال جزيرة الأندلس، كما أنّ بعض المصادر في شمال إفريقيا تعني ببحر الأندلس البحر الأطلسي. أنساب العرب والبربر وعند معالجة الباحث "مانويل غراومونسرّاط " لموضوع المشكل القبلي بالأندلس غذاة الفتح الإسلامي لها إستدلّ في التعريف بالقبائل العربية التي كانت في الأندلس إستنادا إلى كتاب "جمهرة أنساب العرب"لابن حزم" (1064م) حيث يحفل هذا الكتاب بمعلومات وافية وغزيرة حول أنساب العرب منذ الجاهلية. بل لقد تضمّن الكتاب أنساب قبائل أخرى مثل البربر. و يشير الباحث إلى المواقع الجغرافية التي كان يقيم فيها العرب والبربر بإسبانيا ومن أهمّها منطقة الأندلس، و يستشهد الكاتب برأي المستعربة الإسبانية المعروفة "ماريّا خيسوس ريفيرا" التي تذهب فيه إلى أنّ عرب جنوب الأندلس اليمنيّين كانوا أكثر عددا من عرب شمال الأندلس الذين كانوا يتشكّلون من بني غذرة، والتميميين، وبني مخزوم، وبني عقيل، والكلبيين، والخزرجيين، والقضاعيين، و اللخميين إلخ، و تحدّث الباحث عن الخلافات، والصّراعات، والمواجهات، والمشاكسات التي كانت تنشب فيما بينهم سياسة كانت أم إجتماعية أم قبلية حيث كان للنّعرة العصبيّة تأثير واضح على مجرى الحياة العامّة في فترة ما قبل تأسيس الدّولة الأموية بالأندلس، أيّ حتى نزول عبد الرحمن الداخل الملقّب ب (صقر قريش) بثغر المنكّب عام755 م. الأندلس والمذاهب الأربعة يشير المستعرب الإسباني المعروف "خوان فيرنيط " من جهته في مستهلّ البحث الثالث من هذا الملفّ التاريخي إلى أنّ العنصر الأوّل الذي يمكن ملاحظته غداة الفتح الاسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية يتعلق بمجال العادات، والتقاليد الحياتية الجديدة التي جاء بها العرب والبربر إلى الأندلس. ويؤكّد الباحث فى هذا القبيل أنّ الفتح الاسلامي للأندلس قد تمّ بين711و755م ،وإنّ أصحاب المذاهب الإسلامية الأربعة عاشوا في الفترات التاريخية التالية : مالك بن أنس (710-795م)، أبوحنيفة (696-767م)، الشافعي (767-820م) ،ابن حنبل 780-855م) ،إذن هم حديثو العهد نسبيّا بالقياس إلى تاريخ فتح الأندلس المبكّر. وعليه فإنّ عملية إنتشار الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية ليس مردّها إلى العامل الدّيني في حد ذاته، بقدر ما يعود إلى مرونة القادة المسلمين الفاتحين، حيث أنّ الإسلام في الوقت الذي عزّز فيه مواقعه، وأصبح أمرا واقعا في إسبانيا ترك أهل الذمّة من يهود، و نصارى، يزاولون طقوسهم الدينية بحريّة وتسامح . الإسلام والتسامح ويشير الدكتور" فيرنيط " إلى أنّ اليهود كانوا يعرفون جيّدا مدى التسامح الذي ينادي به القرآن الكريم الذي كان يبيح حريّة العبادات، خاصّة بالنسبة لأهل الكتاب. بل إنّ القرآن يمنح اليهود نفس مستوى المسيحييّن، وعليه فإنّ يهود إسبانيا – حسب الباحث – لم يتردّدوا في مؤازرة الفاتحين. بل إنّ بعضهم إنخرط في جنود الإسلام للحفاظ على الأمن في بعض المدن المفتوحة ،والإسهام في تسهيل الزّحف العربيّ - البربري الإسلامي، وتغلغله داخل إسبانيا. ويرسل الباحث الكلام فيما بعد عن قانون الجزية في الإسلام، مستشهدا بالنصوص القرآنية و التاريخية، كما تحدّث عن نظام الأحوال الشخصية في ذلك الإبّان. البحث الرّابع والأخير من هذا الملف الدراسي الهام إستهلّته الباحثة الجامعية " مانويلا مارين" مشيرة إلى أنّ عملية الفتح الإسلامي في حدّ ذاتها تشكّل عنصرا تاريخيا فريدا فى بابه بالنسبة لإسبانيا ، يثير غير قليل من التساؤلات لدى المؤرّخين، وأن مد ّ الفتح الإسلامي و قضاءه على الدّولة الكبرى أمر يثير الحيرة والذهول والإعجاب ، ممّا أدّى على إثر ذلك إلى تغيير جذري في الخريطة السياسية في حوض البحر الأبيض المتوسط رأسا على عقب . و تشير الباحثة إلى أنّ المسلمين وجدوا في شمال إفريقيا من المواجهة مالم يجدوه في إسبانيا التي فتحوها بنفس السّهولة التي فتحوا بها سوريا، والعراق، ومصر. وتشير "مانويلا مارين " إلى أنّ الفتح الإسلامي موضوع يحظى باهتمام كبير من لدن المؤرّخين الإسبان في الوقت الرّاهن حيث تتمثّل معالجتهم لهذا الموضوع في تأمّلات، ودراسات،وبحوث تدور برمّتها حول أسباب هذا الفتح،ودوافعه، ومبرّراته، ومعناه الحقيقي بالنسبة لتاريخ إسبانيا. وتورد الباحثة في هذا الصّدد أقوال مستشرقين أجانب مشهورين، ومشهود لهم بطول البّاع فى الدّراسات التاريخية للفتح الإسلامي لإسبانيا مثل "ليفي بروفينسال" الذي يقبل أساسا بمصداقية المصادر العربية، على الرّغم ممّا يكتنف بعضها من طابع الأسطورة،والخرافة، والخيال. و"بيير غيشار" المتخصّص في القبائل العربية و العائلات الأندلسيّة، وسواهما من الباحثين الآخرين . -------- *عضو الأكاديمية الإسبانية-الأمريكية للآداب والعلوم التي يوجد مقرّها بكولومبيا.