ثلاث ساعات تبدو زمنا قصيرا لكن في خضم الحرب على غزة هي وقت لا يسمح بهدر ثانية منه قبل عودة إسرائيل إلى عدوانها العسكري الذي لا تميز فيه لا بين مقاوم ولا مدني، ل 3 ساعات يوميا وافقت إسرائيل تعليق القصف على غزة حتى يسمح للمساعدات الإنسانية بالمرور إلى القطاع، وحتى يستطيع أهل غزة أن يسيروا في جنازات شهدائهم دون خوف من قذيفة تسقطهم أرضا، وأن يخرجوا لجلب المؤونة الغذائية أو لأداء واجب العزاء لعائلة شهيد دون أن يتسلل الذعر إلى قلوبهم وإن كان الحذر لا يبرح مكانه في حياتهم. "" ثلاث ساعات من تعليق القصف ليست فرصة لأهل غزة فقط، بل هي فرصة لأهلهم في الشتات للاطمئنان عليهم. في المغرب، الجالية الفلسطينية تتابع بحسرة ما يحدث لأهلهم في غزة في ظل صمت دولي وعربي مثل صمت الأموات، شاركوا في المظاهرات، نددوا مع المنددين، قاموا بالتبرعات وكل هذا لا يكفيهم، فالخوف والذعر والقتل والدم في كل ركن من أركان القطاع الصغير مساحة والكثيف سكانا، وفي أي لحظة يمكن أن يقتل قريب أو يشرد عزيز. "الرأي" رافقت ثلاثة فلسطينيين أثناء محاولتهم الاتصال بأهلهم في غزة، دموع وحنين وحسرة واستشهاد وزغاريد وصمود...، هكذا تخرج من لقائك بفلسطيني يتصل بأهله في غزة. "جاد" طالب في أوار العشرينات يتابع دراساته العليا في إحدى الجامعات المغربية، لم ير أهله الموجودين في غزة منذ سنوات، فقد أخذته الدراسة وزاد عليه الحصار، ليضيف العدوان العسكري من خوفه على سلامة أهله. لمدة ثلاثة أيام كان يحاول الاتصال بهم بدون جدوى وفور علمه بخبر الساعات الثلاث استطاع الاتصال بهم لينهي المكالمة الهاتفية على خبر استشهاد أخيه وزوجته أثناء قصف متعمد للمنازل. جاد بعد المكالمة كان مغيب الذهن، وكأنه يتساءل بأي حال وبأي عقل وبأي نفسية سيمكنه مواصلة الدراسة ووجدانه وكل ذرة في كيانه لا تفكر إلا بأهله وفي مصيرهم، حتى أنه بات يخشى الاتصال بهم مخافة سماع خبر لا يسر أحدا إلا العدو. "ستصبح غزة غدا على نصر من مؤزر سننتصر يقينا بوعد الله دعاءكم إخواننا"، هذه واحدة من الرسائل القصيرة التي توصلت بها "سناء" مقيمة في المغرب من أبوين فلسطينيين، رسالة تحمل بين طياتها إصرارا على المقاومة من أجل الكرامة، هكذا تقول "سناء" التي تقطن عماتها الثلاث في قطاع غزة. قالت إنه منذ اندلاع عملية الرصاص المسكوب وهي لا تكف وعائلتها في المغرب عن الاتصال بهن للاطمئنان على وضعهن هناك، وأضافت أن فرصة الثلاث ساعات لتعليق القصف الإسرائيلي مكنتهم من الاطمئنان عليهن ولو مؤقتا وذكرت أنهن أخبرنها باحتمائهم بالمنزل وعدم خروجهن منه مخافة أن يتعرضن لقصف جوي وإن كان احتماؤهن بالمنزل لا يعني أنهن في مأمن. "أروى" مغربية الأب فلسطينية الأم، ذكرت أنه في الأيام الأولى لبدء الاعتداء الإسرائيلي كانت تتصل بعائلة والدتها في غزة وكانت تتحدث إليهم وهي تسمع صوت القذائف، وأن ذلك أصابها بالذعر وكانت تخجل من إبداء تخوفها أمام صوت جدتها الهادئ وهي التي توجد في وسط معركة غير متكافئة. لكن صمودهم وصبرهم خير سلاح تقول "أروى" لتضيف أنها حالما عرفت بخبر ساعات الفرج الثلاث سارعت إلى الهاتف واتصلت بعائلتها بعد تعذر الاتصال في الأيام الماضية وهو وضع فسرته جدتها في غزة على أن الكهرباء كانت مقطوعة، وأضافت أن جدتها أخبرتها أنها تدبر شؤون العائلة تدبيرا جيدا وأنها اعتادت على التأقلم مع أجواء العدوان من حصار وتنكيل وقصف وأن هذا لم يزدها إلا تشبثا بمنزلها وأرضها وأكدت لها أنها تتوق إلى الشهادة في سبيل الله وأنها لن تتنازل عن كرامتها وكرامة أهلها للعدو. جاد، سناء، أروى، يجمع بينهم الوطن والقطاع والانتماء الواحد وصغر السن، منهم من عاش في غزة ومنهم من حكى له أهله عنها، منهم من قصد المغرب راغبا وإن كان لمدة معلومة، ومنهم من قصده مرغما وإن كان قد أوجد فيه العمل والمنزل والعائلة، فإن حلم العودة إلى الوطن لا يغيب عن الأذهان مهما كثرت المشاغل، فقط لأنه الوطن.