أن تخرج الجماهير العربية في مظاهرات في اتجاه السفارة المصرية احتجاجا على المسؤولين في مصر فهذا حادث لا يجب أن يمر مرور الكرام إذ أن دلالاته أكبر وأقوى من أن يتم إخفاؤها. "" وبالكاد نجحت قوات الأمن في لبنان صباح هذا الأحد 28 ديسمبر في صد الجماهير ومنعها من اقتحام السفارة المصرية.. وفي الأردن واليمن ومصر نفسها وفي عدد من الدول العربية طالب الآلاف بمحاكمة المسؤولين المصريين على ما يعتبر بلغة مؤدبة "مشاركة للعدو الصهيوني في المجازر المرتكبة في قطاع غزة".. فكيف حدث هذا ولماذا، لماذا تم خلط الشعارات هذه المرة، فأضيفت مصر إلى لائحة الشعارات المناهضة للإجرام الصهيوني؟.. الحقيقة أن تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط سلطت الضوء منذ مساء الخميس 25 ديسمبر الجاري على هذا الموضوع وأوضحت الجواب، ومن حسن حظ مصر أن لديها وزير خارجية عجيب غريب مثل أبو الغيط، الذي نجح في شيء واحد منذ مجيئه عام 2004 خلفا لأحمد ماهر، وهو تأليب الرأي العام العربي ضد النظام المصري... قبل شهور، تجرأ الوزير المصري على تهديد كل من يقتحم أرض مصر ب"كسر رجله".. وتوعد بتصريحه هذا طبعا الجوعى والمرضى والثكالى المحاصرين في قطاع غزة.. ففضحه الله وتحدته إسرائيل ثلاثة أيام بعد تصريحه بقتل وليس فقط دخول سيناء طفلتين مصريتين ورب عائلة فقيرة بمحاذاة حدود الكيان المحتل. وقتها تحدثت الصحافية المصرية منى الشاذلي خلال برنامجها العاشرة مساء بكثير من الحسرة على ما حدث، واستضافت أسر القتلى المصريين، ووجد المسؤولون المصريون حرجا شديدا في تفسير تصريح وزير الخارجية أبو الغيط حول كسر الأرجل.. والمثير أن مصر لم تفعل شيئا البتة لرد كرامتها واكتفت بقبول اعتذار جيش الاحتلال الإسرائيلي عن قتل الأطفال وكأنها بذلك حققت إنجازا... هذا الوزير العجيب، سيستقبل الإرهابية تسيبي ليفني وزيرة خارجية تل أبيب مساء الخميس 25 ديسمبر الجاري، وسيبتسم لها وهي تعلن الحرب ليس على حماس فقط وإنما على الشعب الفلسطيني الجائع المحاصر.. فجاء قرار قتل المئات من الشباب الذين كانت تنتظر عودتهم أمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم بما تيسر من الأكل أو الدواء، من وسط القاهرة.. وبرغم وجوده واقفا أمام ليفني لم حرك المسؤول المصري ساكنا مما أثار فضول الصحافيين وكثرت التعليقات حول هذه النقطة بالضبط.. إذ أن الوعد بقتل الفلسطينيين قد يكون مقبولا من تل أبيب أو واشنطن أو باريز أو لندن، أما من القاهرة، فذاك ما لم يكن في الحسبان وهو يوضح حقيقة الموقف الرسمي المصري.. وللأسف لم يبق حديث ليفني مجرد "وعد"، بل استعمل الجبناء في إسرائيل الطائرات الأمريكية من آخر طراز لقصف شعب هم يعلمون أصلا أن ليس لديه ما يدافع به عن نفسه.. الأدهى من ذلك أن أبو الغيط لم يجد غضاضة في التأكيد بعد مقتل وجرح المئات من الشباب والنساء والأطفال أن سبب ما يجري "هم أولئك في غزة" وأن "مصر أنذرت لكن الذين لم يسمع الإنذار يتحملون المسؤولية"، في إشارة إلى حماس.. بل سيضيف هذا الوزير العجيب أن "حماس منعت الجرحى الفلسطينيين من العبور إلى مصر لأجل العلاج".. وهنا يقف العقل عن التفكير كون هذا الوزير ببساطة وجد في الكذب حلا ربما للتغطية على فضيحته يوم استقبل ليفني.. وقد رد عليه مدير مستشفى الشفاء في غزة، حين أكد أنه يستحيل نقل الجرحى على مدى 60 كلمتر إلى الجهة المصرية من رفح، دون وجود سيارات مجهزة وإلا سيصعد الجرحى شهداء إلى بارئهم. المشكل أن الكذبة كانت ساذجة ومضحكة، وإلا فلماذا يأبى النظام المصري منذ شهور فتح معبر رفح لإيصال المساعدات إلى الجوعى والمرضى في غزة، ولماذا أغلق هذا الباب على بساطته وتوعد أبو الغيط المحاصرين في غزة بكسر أرجلهم إذا ما دخلوا سيناء غير المحررة.. أما حماس وفصائل المقاومة، فقد أكدوا أن أبو الغيط والمسؤولين المصريين أكدوا لهم طيلة الخميس والجمعة أن إسرائيل لن توجه أي عدوان على غزة... وهذه كارثة! ولسوء حظ أبو الغيط، فصوره إلى جانب ليفني ستظل وراءه إلى يوم لقاء الله، خاصة تلك التي تتكأ فيها هذه المجرمة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من زيارة المغرب، على يده.. أما عمر سليمان، مدير المخابرات العامة المصرية فكان موقفه أكثر وضوحا، وكشفت التقارير الإعلامية التي سربها أمنيون فلسطينيون أنفسهم تحريضه الجيش الإسرائيلي خلال لقاءاته معهم على ضرب غزة وحماس، لأن "قيادة حماس أصابها الغرور، وهي تتعامل مع مصر بفوقية واشتراطات، وأنه لا بدّ من تأديب هذه القيادات، حتى تستفيق من أحلامها" كذا.. وعموما فعمر سليمان وأبو الغيط وقيادات الأمن والسياسة المصرية هي تعبير عن النظام المصري برمته.. هذا النظام الذي يعرقل الآن عقد قمة عربية دعت إليها دول عربية أخرى، بالرغم من أن الجميع بما فيهم الزعماء العرب يعتقدون جازمين أنها غير ذات جدوى.. أما عباس ورفاقه في الضفة الغربية فهم على كل حال افتضح أمرهم منذ سنوات واتضح للقاصي قبل الداني أنهم مجرد أدوات تنفيذ للسياسة الإسرائيلية الأمريكية.. ومن تتبع الصحافة الإسرائيلية (خاصة الناطقة بالإنجليزية) هذين اليومين يتأكد من أن عدوان غزة تم بموافقة واشنطن وتل أبيب والقاهرة للأسف، أما سلطة رام الله فموقفها معروف ولم يكن هناك داع لاستشارتها. إن حصار غزة يعطي للمسلمين صورة تقريبية عما جرى للرسول صلى الله عليه وسلم، حينما حاصرته قريش في شعب أبي طالب هو وآل بني هاشم، لثلاث سنوات.. سنوات ملؤها الجوع والمرض والقهر والذل والهوان، كل هذا لأن نبي الإسلام رفض الخضوع والتخلي عن قضيته.. مثلما يريد البعض الآن لحماس أن تتخلى عن قضية تحرير الأرض، ويحرضون على قتل المئات والآلاف بل وحتى الملايين من الشعب الفلسطيني في سبيل إسقاطها. وحماس ببساطة لن تسقط، والسبب شرحته عجوز فلسطينية بلكنتها الجميلة قبل شهور قائلة "نحن نعلم أن حماس تقدم شهداءها واحدا تلو الآخر، وتجوع مثلنا وتعاني من المرض وآثار الحصار كما نعاني، فأين أولادك يا محمود عباس؟" وأضيف من عندي أينك يا قريع ويا دحلان ويا نمر حماد ويا مشهراوي ويا رشيد أبو شباك....إلخ، وفضائح علاقتهم مع إسرائيل وأمريكا تزكم الأنوف.. الشعب الفلسطيني عرف قيادات حماس ورآها كيف تخرج من حضنه للدفاع عنه مذ كانت غزة كلها تحت حكم إسرائيل.. رأتها كيف تقدم قياداتها البارزة وأبناءها شهداء، وكيف تسترخص المال والنفس والولد في سبيل فلسطين، كما رأوها تضع حدا لعصابات القتل والجريمة والتهريب والمخدرات بعد سيطرتها على غزة عام 2007، فكيف لا يرتبطون بها؟ إن "الديمقراطية الغربية" ترفض قيام نظام حكم معارض لقيمها ومبادئها وهي لإجل إسقاطها مستعدة للدوس على كل شيء.. لكن ما لا يعلمونه هو أن حصار شعب أبي طالب انتهى في نهاية المطاف، وقام عرب بتمزيق وثيقة الحصار، وانتصر رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، ووصلت دعوته إلى كل الأرض إلى يوم يبعثون... [email protected] صحافي بشبكة إسلام أونلاين.نت صور من زيارة ليفني الأخيرة لمصر يومين فقط قبل مجزرة غزة