بسم الله الرحمان الرحيم : مقدمة : لقد آثار مشروع ما سمي بمحاربة العنف ضد المرأة جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية والمختصين والقانونيين. ونحن بدورنا ندلي بوجهة نظرنا والتي تتضمن ملاحظات تقنية في اللغة القانونية وفي الشكل، وكذا ملاحظات على مضامين المشروع. مستحضرين في البداية أن الموضوع هو من مواضيع الساعة، وان الإفراج عن هذا المشروع وإخراجه من رفوف الأمانة العامة للحكومة، هو أمر قام بتلبية انتظارات الحقوقيات والمجتمع المدني، وهو ما تم تسجيله بارتياح كبير. أي أن المسألة إيجابية، غير أننا نخشى وبكل أسف أن تقوم الخصومات الأيدلوجية، وبلغة أخرى أن يتسبب الصراع السياسي في تعطيل إخراج هذا النص، أو إخراجه عن طريق ولادة قيصرية، حيث ربما يخرج المولود مشوها وهو أمر لا نتمناه لهذا النص باعتباره نصا حقوقيا بامتياز. ونرى أن هذا الصراع السياسي يجب تجاوزه عن طريق تقوية المجتمع المدني الذي هو السلطة الخامسة في الدول الديمقراطية، حيث يشكل الرقابة الاجتماعية القوية، وفتح النقاش من طرف الوزارة الوصية من جديد مع كل الفاعلين في المجال في إطار المقاربة التشاركية التي هي مبدأ دستوري على الوزارة أن تلتزم به. غير أنه يمكن القول صراحة أن هناك إشكال عميق وعرقلة مسطرية أمام تنزيل مبدأ المقاربة التشاركية، وهو عدم إخراج النصوص التنظيمية المشار إليها في الدستور حسب الفصلين 14و15 منه، والخاصة بشأن تقديم ملتمسات متعلقة بتقديم بمجال التشريع. وكذا حق المواطنين في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، حيث يجب الإفراج عن هذين النصين القانونين التنظيميين وكذا إحداث هيأت التشاور طبقا للفصل 13 من الدستور، ونلاحظ أن التأخير في عدم إخراج النصوص التنظيمية وإحداث هيآت التشاور من شأنه أن يحرم المجتمع المدني والمواطنين المغاربة من القيام بواجبهم في إطار الرقابة الاجتماعية، وكذا بهدف خلق الإطار القانوني لقيام المجتمع المدني بدوره. كما نتساءل بهذه المناسبة عن سبب تأخير هذا النص وتركه في قاعة الانتظار لأزيد من عشر سنوات رغم استفحال الظاهرة الخطيرة التي هي العنف ضد النساء والأطفال. كما نلاحظ في هذا التقديم عدم نجاعة الخلايا الموجودة على مستوى المحاكم و المهتمة بالموضوع لغياب عدة عناصر منها عنصر التحفيز والاعتماد أحيانا على أشخاص متطوعين، الأمر الذي يجعل عملها محدودا ولم يحد من الظاهرة، كما نتساءل عن الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء. غير أننا نعتبر النقاش الحقوقي والمجتمعي وحده مهم في التوعية والتحسيس بقضية العنف ضد المرأة، وعليه فإننا سنساهم بدورنا في هذا النقاش من أجل نص أفضل وناجع وسهل التطبيق وذلك على أربع مستويات: 1- على مستوى النص ومدى التزامه بلغة القانون. 2- على مستوى الشكل. 3- على مستوى الموضوع. 4- مدى خدمة المشروع لحقوق المرأة والطفل. وخاتمة. مع الإشارة إلى أن هذه القراءة النقدية للمشروع هي وجهة نظر قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ، نساهم بها في النقاش المجتمعي الجاري. 1- على مستوى اللغة القانونية : * بالنسبة للعنوان نلاحظ أن كلمة محاربة يجب استبدالها بكلمة مناهضة أو مكافحة للانسجام مع عناوين الأوفاق الدولية، كاتفاقية مناهضة التميز ضد المرأة وغيرها لأن ثقافة النهوض بحقوق الإنسان تشمل التوعية والتحسيس والتشريع والمحاربة من طرف المجتمع المدني فكلمة المناهضة أعم في نظرنا من مضمون كلمة محاربة. * استعمال المشروع لألفاظ ومصطلحات غير قانونية ذلك أن المشروع لما حاول تعديل الفصل 1-503 وتعريف التحرش بأنه « كل امعان» مصطلح غير قانوني يجب استبداله أو حذفه ونقترح كل مضايقة للغير... * واستعمل المشروع عبارة أخرى لا تفي بالغرض، وهي عبارة زميل في العمل، لأن التحرش أولا يقع من الزميل في العمل ويقع من رب العمل، وهو ما عبر عنه الفصل 1-503 بكلمة مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه. غير أن النص ولينسجم مع مقتضيات المادة 40 من مدونة الشغل التي تجعل من التحرش الجنسي الذي يرتكبه رب العمل خطأ جسيما يبرر المغادرة التلقائية للأجيرة، حيث تعتبر هذه المغادرة مبررة وطردها تعسفيا في نفس الوقت يستوجب التعويض. لذلك يجب تعديل المادة 13 الواردة في الصفحة 6 من المشروع والمتعلقة بتعديل الفصل 1-503 من القانون الجنائي، بإبراز ظاهرة تحرش رب العمل سواء كان ذكرا أو أنثى لأن الظاهرة موجودة وبكثرة، ينتج عنها طرد تعسفي. ولعل متابعة رب العمل بالتحرش من شأنه أن ينصف المشتكية المتحرش بها في مقر العمل، على مستوى رد الاعتبار لشخصها أو على مستوى التعويض وجبرا للضرر، وانسجاما مع المادة 40 من مدونة الشغل لذلك تصبح العبارة « زميل في العمل أو رب العمل...». * إستعمال المشروع كلمة الوالدين: عند تعديل الفصل 1-404 في الصفحة 7 لما استعمل كلمة الوالدين وهي كلمة أدبية لا علاقة لها بالقانون هنا، لأن القانون عموما يتحدث عن الأصول كما هو في النص المطلوب تعديله بذكر كلمة الوالدين ولكنه قال « من ارتكب عمدا ضربا أو جرحا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء ضد.... أو والديها».وبذكر والديها فقط تكون الكلمة قاصرة ولاتفي بالغرض، إذ لا تشمل الكافلين مثلا. كما أن عبارة امرأة وردت في النصوص المقترح تعديلها غامضة، حيث يجب التمييز في النص بين الذكر والأنثى والراشدة والقاصرة والزوجة، لأن الأحكام تتغير من حالة إلى أخرى. كما أن عبارة أموال الأسرة المذكورة في الصفحة 8 من المشروع عند تعديل الفصل 1-526 أي تفويت أموال الأسرة بسوء نية، تتعارض مع مقتضيات الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية المذكورة في المادة 49 من مدونة الأسرة، وهو ما يطلق عليه بالأموال المشتركة. وهل تتعارض فكرة أموال الأسرة مع الأمول المكتسبة خلال فترة الزوجية أم لا؟ خاصة وأن الفقرة الأولى من هذه المادة تشير إلى أن لكل واحد من الزوجين ذمة مستقلة عن ذمة الآخر. وما المقصود بأموال الأسرة في نص المشروع؟ وما علاقتها بالمقتضيات الواردة في المادة 49 من مدونة الأسرة؟. كما أن نص المشروع موضوع القراءة النقدية يتحدث عن أموال الأسرة. وفي الصفحة العاشرة عندما تحدث عن قانون الشكل والإجراءات المسطرية في الباب الثالث تحدث على أنه يمنع على الزوج التصرف في الأموال المشتركة، وفي النص الواحد مرة يستعمل عبارة أموال الأسرة ومرة يستعمل عبارة الأموال المشتركة وبينهما فرق كبير في القانون وفي الواقع. وفي كثير من الأحيان تكون اللغة العربية ركيكة مثل ماورد في المادة 14 عند تعديل الفصل 1-404 حيث وردت عبارة ثقيلة «حسب التفصيلات المشار إليها فيهما ......». وفي بعض الأحيان يخطأ المشروع في لغة بعض الكلمات مثل كلمة إشكاليات، وهو خطأ شائع في كليات الحقوق وغيرها بالمغرب، والسليم الصحيح وهو كلمة إشكال وليس إشكالية –أشكل- يشكل- إشكالا، وهو خطأ لغوي شائع يجب تصحيحه في النص. كما وردت في نص المشروع جمل ناقصة مثل ماورد في المادة 3 في الصفحة الأولى تحدث خلايا، يجب إضافة عبارة (ضحايا العنف). وفي الصفحة 8 وردت كلمةالنصب يجب أن تضاف لها كلمة احتيال،وفي الصفحة 6 ذكر المشروع كلمة تضاعف عند تعديل الفصل 1-608، يجب أن تضاف إليها كلمة العقوبة لتصبح العبارة القانونية سليمة. هكذا نلاحظ عدم التدقيق في الكلمات والجمل والعبارات على عكس ما هو معروف في المنهجية عند الكتابة القانونية والتي تتسم بالدقة والتركيز والوضوح. 2- عيوب على مستوى الشكل: لاحظنا أن نص المشروع تسربت إليه عدة عيوب شكلية، وأن هذه العيوب تؤثر من دون شك بوضع المرأة والطفل داخل المنظومة القانونية، وتمس كذلك بالحقوق والحريات لأن الشكل عندما نحن رجال القانون هو توأم الحرية. ذلك أنه إذا لم يتم احترام الشكل يضيع الحق وتموت الحرية. ونعطي أمثلة على العيوب الواردة في المشروع : • عيب شكلي في العنوان : إن عنوان المشروع هو محاربة العنف ضد النساء والأطفال، مما يتبن معه أن العنوان لا يغطي المضمون، مما يجب معه إصلاح العنوان وتجاوز هذا العيب الشكلي ليكون العنوان شاملا للمضمون وجميع محتوى المشروع. • قانون خاص أم قانون الإطار: هناك سؤال يطرح على نص المشروع موضوع هذه القراءة النقدية، هل نحن أمام قانون خاص أم أمام قانون إطار؟ وفي الحقيقة من خلال الاطلاع نجد أننا أما تعديل ترميمي وترقيعي جديد لفصول القانون الجنائي أي أننا نحن أمام مشروع قانونين، مشروع لتعديل القانون الجنائي ومشروع لمناهضة العنف ضد النساء والأطفال. • و الحل لهذا الإشكال هو الإسراع بمدونة جديدة للقانون الجنائي، للتخلص من المواد المكررة مرة أو مرتين و اكثر. • المشروع عبارة عن مواد و المدونات الحديثة تضم بين طياتها فصول مثل ما فعل الدستور، غير أن الملاحظ هو أن المشرع المغربي لا يوجد المصطلحات، سواء على مستوى المضمون أو على مستوى الشكل، مرة يستعمل كلمة فصل و احيانا أخرى يستعمل كلمة مادة، و عليه أن يوحد المصطلحات و يختار كلمة فصل نقترح بدل كلمة مادة انسجاما مع المصطلح الوارد في الدستور الذي هو كلمة فصل والذي هو أسمى قانون في البلاد. • الخلط في التبويب: لاحظنا عند قراءة النص أن الباب الأول يتحدث عن آليات التكفل بالنساء و الأطفال، غير أنه و في المادة الأولى من هذا الباب تم إقحام تعاريف و مفاهيم لا علاقة لها بالآليات، إذ يجب افراد باب خاص بالتعاريف، و إخراج هذه المادة من الباب الأول وحدفها بالمرة والاقتصار على فصل واحد يتم فيه تعريف واحد ووحيد للعنف يكون شاملا وعاما كما هو الأمر في القانون الجنائي، والمفاهيم الأخرى المتعلقة بالتحرش وغيره تضاف إلى القانون الجنائي. لأن التعاريف المفصلة تحجر واسعا ولم تشمل كل أنواع العنف والتحرش في نص المشروع. • عدم الانسجام بين الفقرات والخلط بينها: فالمشروع عندما تطرق إلى التعريف في مادته الأولى ابتدأ بالعنف ضد المرأة، ولم يذكر الطفل رغم أن الباب يتحدث عن آليات التكفل بالنساء والأطفال. وفي تعريف العنف الجسدي والجنسي ذكر الطفل، حيث سقطت كلمة الطفل عند تعريف العنف ضد المرأة ولم يصاحبها الطفل، حيث يجب تثبيتها من أجل الانسجام التقني للمصطلحات والتعاريف. عيوب في التفصيل في التعريف وهو خطأ منهجي : المشروع تحدث عن أربع أنواع وهي: الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي، وفي الساحة الحقوقية الوطنية والدولية يتحدثون عن العنف اللفظي، وعن العنف الزوجي، وعن العنف القانوني، والعنف الاجتماعي، والعنف السياسي وغيرها من أنواع العنف. فأين هي مفاهيم هذه الأنواع في مضمون التعاريف المشار إليها في نص المشروع؟ كما أن هذه التعاريف قد تكون قاصرة ولا تفي بالغرض، مثل تعريف المشروع للعنف الجنسي. • عدم التميز بين ما هو قانوني شكل وقانون موضوع داخل النص : حيث وقع الخلط بينهما، وذلك يتجلى من خلال المواد المتعلقة بتعديل الفصول 1-526- 1 -506 و 1-542- 1-550 . فمثلا في الصفحة 10 عند تعديل يتعلق بالمادة 2-5-80 فالباب الثالث المتعلق بالأحكام المسطرية، حيث وردت المادة المضافة «يعقاب بالحبس من شهر ...» العقوبة المشار إليها هي قانون موضوع وليس قانون شكل. هنا يتجلى بشكل واضح خلط الشكل بالموضوع، ونقترح هنا الإحالة على القانون الجنائي كما تفعل عادة المسطرة الجنائية لما تحيل على القانون الجنائي. مثلا المادة 15 من المسطرة الجنائية. • قصور على مستولى الموضوع : من خلال القراءة الأولية لنص المشروع نلاحظ أن النص لم يستجيب لعدة انتظارات حقوقية ببلدنا، وذلك لما نطرح سؤالا وجيها على النص، حيث نقول إلى أي درجة يستطيع هذا النص الذي لا زال مشروع قانون مناهضة ومكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة وخدمة قضية الطفولة، وجوابا على السؤال نبدي بعض الملاحظات من حيث المضمون: * نلاحظ أنه على مستوى بعض الجرائم العبر الوطنية المتعلقة بالدعارة الدولية والاتجار في البشر، فإن المشروع لم يتطرق لهذا النوع من الجرائم التي تمس بالمرأة والطفل وسكت عنها. وأجد النص أيضا حسنا فعل تحدث عن الاستغلال الجنسي، ولكن الدعارة أخطر أنواع الاستغلال الجنسي، ولذلك يجب إبرازها بشكل واضح عند تعديل الفصول الموجودة في القانون الجنائي، والمتعلقة بجرائم العرض والشرف للتصدي إلى الشبكات الدولية للدعارة والاتجار في البشر. أي النصوص المغربية يجب أن تتطور بشكل عصري وحديث لمكافحة جرائم لم يتحدث عنها نص المشروع، مثل الاستغلال الجنسي عبر الأنترنيت، وكذا التحرش الجنسي والتحريض على الدعارة بواسطة الهاتف النقال، والإخلال بالحياء العلني الذي بدأ يظهر لنا بشأن مستفز للأخلاق ومشاعر المغاربة المسلمين عبر شبكات التواصل الاجتماعي الفايسبوك والتويتر مثل القبلة الجنحية وغيرها. * كما أن النص لم يتطرق بشكل جلي ويفرز فصلا خاصا جديدا يتلائم مع مقتضات القانون الجنائي، ويتحدث عن كل أشكال و أنواع الاستغلال الجنسي للقاصرات والقاصرين، وخاصة عاملات وخدم المنازل...، لينسجم النص مع مقتضيات تشريعية واردة في مدونة الشغل والقانون الجنائي تتعلق بالتحرش الجنسي كما سبقت الإشارة إلى ذلك. • والملاحظ أن المشروع اعتمد المقاربة الزجرية، وشدد العقوبة بالنسبة للتحرش الجنسي وجرائم أخرى ذكرت في النص وهو أمر إيجابي إلا أننا نلاحظ تغيب المقاربة الشمولية ومن ضمنها المقاربة الوقائية. وعليه فإنه في نظرنا أن اعتماد المقاربة الزجرية وحدها لا تكفي، لكون القاعدة القانونية مرتبطة بالقاعدة الدينية والأخلاقية. كما نلاحظ أن المقاربة الزجرية التي تهدف إلى الردع تم إفراغها من محتواها لما استعمل المشروع عبارة – أو- في العديد من الفصول المراد تعديلها، وعبارة – أو- تعني أن القاضي له السلطة التقديرية في اختيار العقوبة، إما أن يحكم بالعقوبة الحبسية أو بالغرامة. حيث ترك المشروع الحبل على الغالب لقضاة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليهم في ذلك، والمقصود هنا هو عبارة «او بإحدى هاتين العقوبتين»، مما ينبغي معه إعادة النظر في هذه العبارة – أو- وتركها في بعض النصوص وحذفها مننصوص أخرى. • صعوبة عمل اللجان والخلايا لتكوينها المعقد، وكثرة أعضائها رغم أن هناك ملاحظة مهمة تتعلق بإقصاء مؤسسات رسمية وازنة مثل المجل العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف وكذا وزارة التربية... ذلك أن اللجان الوطنية مثلا تتكون من عدة ممثلين لعدة جهات إدارية (العدل والداخلية و الصحة والأمن والشباب والدرك الملكي والمندوبية السامية لادارة السجون) مما سيخلق لا محالة صعوبة وعرقلة واضحة لعمل اللجان والخلايا، وما التجربة الفاشلة لخلايا التكفل بالنساء داخل المحاكم عنا ببعيد لأسباب تتقنية ونفسية ولعدم التحفيز وأمور أخرى لا مجال لذكرها الآن. وغياب آلية التحفيز والاعتماد على متطوعين أحيانا في مثل هذه اللجان يؤدي إلى إقبار المبادرات في المجال. • نص المشروع أغفل أنواع أخرى للعنف، كما سبقت الاشارت في العيوب الشكلية مثل العنف اللفظي وهو أخطر من العنف الجسدي أحيانا، إذ قد تلملم الجراحات الجسدية ولا تلملم الجراحات النفسية، مثل فقد الثقة وغيرها. لما الزوج يتهم زوجته عن سوء نية وبقصد التخلص منها، ويشير في مقاله لدعوى الشقاق مثلا بأن بكارتها قد فضت من طرف شخص آخر قبل الدخول بها، وهي تحوز شهادة طبية تفيد عكس ما يدعيه، وتطلق الزوجة تطليقا استعمل فيه الزوج عنفا لفظيا وعنفا قانونيا. • غياب المقاربة التشاركية في الاعداد وعلى مستوى النص تم تهميش للسلطة الخامسة التي هي المجتمع المدني، وهو أمر واضح وصريح في النص. لأن النص لا يسعف المجتمع المدني بالتدخل في الوقت المناسب، وقد يتم الاستغناء عنه، على عكس ماهو حاصل في بعض الدول العربية، حيث أن تقارير الصلح والاستماع التي تعدها جمعيات المجتمع الأهلي – المدني- في الكويت مثلا تعتمد في ملفات قضاء الأسرة أمام المحاكم. النص المغربي تحدث عنها – المجتمع المدني- واستثنى الجهات العاملة في المجال من الخلايا واللجان وجاء بصيغة تمريضية «يمكن». « يمكن أن يحضر أشغالها شخصيات وممثلين عن منظمات والهيآت المعنية بقضايا المرأة والطفل إذا أرادت اللجنة فائدة في ذلك»، ولفظة يمكن لا تفيد الوجوب. لذلك نلاحظ أن نص المشروع صادر عن عقلية غير حقوقية، ويضرب حصارا على المجتمع المدني العامل في المجال. على المشروع أن يفك الحصار على المجتمع المؤهل في الميدان، وذلك تنفيذا للمبدأ الدستوري المتعلق بالمقاربة التشاركية. • سكت المشروع عن زنا المحارم ولم يبرزه بشكل واضح وجلي، رغم كونه ظاهرة متفشية وتنخر المجتمع في صمت رهيب، بين الاخ وأخته والأب وابنته...، وهو أمر يدمر الأسرة والمجتمع ولا يتحدث عنه بوضوح وكثرة، ولا تتحدث الجمعيات الحقوقية النسائية ولا تعالجه بما فيه الكفاية، وقد تتطرق له ولكن بشكل باهت ومحتشم. على المشروع أن يفرد له فصلا خاصا عند تعديل القانون الجنائي مع الإشارة إلى أن القانون الجنائي عند حديثه عن الزنا يستبدل هذه الكلمة الشرعية الواردة في القرآن الكريم عند قوله تعالى: « ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا» الآية 32 من سورة الاسراء وفي مواطن أخرى عديدة من كتاب الله.ويستبدلها بكلمة الفساد كما ورد في الفصل 490 من القانون الجنائي، لذلك نلاحظ أن المشروع لم يتحدث عن الفساد عندما لا يشكل اغتصابا، ويكون هذا الفساد برضى الأنثى، وتكون راشدة وتكون من محارمه. ففي نظرنا أن المشروع لم يتطرق لزنا المحارم بشكل جلي لا يثير أي جدل قانوني أو فقهي. كما أن المشروع لم يسد الثغرات الواردة في القانون الجنائي مثل بعض التعاريف، مثلا القانون الجنائي عرف جريمة الفساد وجريمة الإخلال بالحياء العلني وجريمة الاغتصاب، ولكنه لم يعرف مثلا الإخلال بالحياء العلني. حيث كان على المشروع موضوع المناقشة سد مثل هذه الثغرات واكتفى بذكر بعض الأمور وتكرارها وهي واردة في القانون الجنائي وتغني عما ورد في المشروع موضوع المناقشة. مما يدل على أنه لم يكن هناك تنسيق كاف وواضح بين وزارة التضامن ووزارة العدل، وخرج نص المشروع مبتورا وضعيفا ولا يرقى إلى وثيقة جديرة بالاعتبار، وإنما هو أرضية للنقاش يجب أن تبذل بشأنها جهود مكثفة لرفعه إلى مستوى طموحات المغاربة في المجال. • الملاحظ عند الممارسة في مجال العنف ضد النساء والأطفال والتحرش الجنسي وعموما في كل الجرائم العرض والشرف صعوبة كبيرة في الإثبات. لذلك جاء المشروع ووسع مسطريا في وسائل الإثبات. غير أننا نلاحظ عند اقتراح تعديل الفصل 446 من القانون الجنائي في الصفحة 5 من المشروع، أنه هناك إمكانية الإدلاء بالشهادة أمام القضاء كتابة، وهو من التساهل في وسائل الإثبات، قد يتعارض مع العمل القضائي الذي يؤكد على ضرورة حضور الشاهد أما المحكمة، وانه لا يعتد إلا بالشهادة أمام القضاء. وهذا نقاش فقهي وقضائي على عدة مستويات سواء كانت مدنية أو كانت جنائية. ولما حاول المشروع التوسع في وسائل الإثبات ذكر الصور والتسجيلات السمعية البصرية والمرئية، وهو أمر ذو وجهين فأمام التكنولوجيا الحديثة هناك إمكانية فبركة وصنع بعض الصور والتسجيلات المخالفة للواقع قد تساهم في تضليل العدالة، وخاصة إذا كانت هذه الصور والتسجيلات وغيرها بدون مراجع وغير مؤشر عليها من أيه جهة إدارية أو قضائية. • مشروع القانون هذا غامض في تحديد المفاهيم و التعاريف المقصودة بالتحرش الجنسي، مثلا لم يوضح بشكل واضح العناصر التكونية لجريمة التحرش الجنسي، سواء فيما يتعلق بالركن المادي أو الركن المعنوي المتعلق بالقصد الخاص أو القصد الجنائي. مما سيدفعنا إلى القول أن المشروع وضع هذه الجريمة في إطار قانون غير متماسك وغير واضح. • المشروع كرس بشكل جلي المقاربة الزجرية وتبنى النظرة العقابية بعيدا عن المعالجة والمقاربة الشمولية، وغض الطرف عن الجانب القيمي والأخلاقي والتربوي، وما هو اجتماعي واقتصادي وحقوقي إنساني. حيث عن النص في بعض الفصول المقترح تعديلها على المؤبد في الفقرة الثانية المضافة عند تعديل الفصل 2- 431 بالصفحة 6. • نلاحظ أن صدور هذا القانون أمر إيجابي، لكن يجب أن يصاحبه التحسيس والتوعية بخطورة الظاهرة المتعلقة بالعنف ضد النساء والأطفال والتحرش الجنسي، والحث على البوح والجرأة في التقدم بشكاية من طرف النساء ضد الجناة. ومادام أن المشروع ترك الباب مفتوحا للسلطة التقدرية للقضاة، فإن الردع لن يتحقق بالشكل الكافي، وسنكون أما حالات عديدة للعود في هذا المجال. مادام أن المجتمع المدني لا يتدخل ولم يسمح له المشرع بالتدخل للصيغة التمريضية المشار إليها سابقا، للمساهمة بشكل أكبر في الحد من الظاهرة، ولغياب الوازع الديني ، وعدم حضور المقاربة الدينية والأخلاقية والتربوية في معالجة الظاهرة. خاتمة: وبعد تنقيح النص ومعالجته معالجة أكادمية من ذوي الاختصاص والخبرة وعرضه من جديد على المجتمع المدني في إطار المقاربة التشاركية مع اشراك ذوي الاختصاص والخبرة في المجال.نقترح و للنجاعة والفعالية اعتماد المقاربة الواقعية المرتبطة بهوية وحضارة المجتمع المغربي المسلم بعيدا عن كل مقاربة لها ارتباط بأجندة خارجية، من أجل تحسين صورة حقوق الإنسان بالخارج فقط وللحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك لدى الغرب الاستعماري. نريد من نصوصنا القانونية أن تخدم المواطن وحقوق الإنسان والديمقراطية بهذا البلد. كما تجدر الإشارة إلى أن القانون وحده لا يكفي ولا يحد من مثل هذه الظاهر الخطيرة، بل لا بد من اعتماد المقاربة الشمولية في الشريعة الإسلامية التي تجرم العنف من الجانبين من الرجل ومن المرأة. مع الإشارة إلى الرجال أصبحوا هم أيضا يتعرضون بدورهم إلى العنف من طرف النساء ،وان الإسلام لما جرم التحرش الجنسي حرمه على الطرفين، وهو بريد ومقدمة للزنا. حيث قال تعالي « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفضوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن....» الآيتين 30-31 من سورة النور. ذلك أنه من المسكوت عنه لدى الحقوقيات والحقوقيين ببلادنا- العنف الذي تمارسه النساء على الرجال، وهو عنف مادي ومعنوي واجتماعي وقانوني وغير ذلك. إن الظاهرة أكبر من القانون وأنه عند الغوص فيها والتعمق والدراسة والتحليل نجد أن التحرش والعنف ضد النساء هو إشكال تربوي وقيمي أخلاقي وسيكولوجي له علاقة وطيدة ومرتبطة بالتنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسو وفي كل مكان، ذلك أن النظرة الدونية للآخر هو الأمرالذي أحدث اضطرابا وخلالا في العلاقة بين طرفي الأسرة وبين الرجل والمرأة ( الزوج والزوجة ). ونختم أنه رغم الانتقادات الموجهة للمشروع تبقى له حسناته أمام حجم الظاهرة وخطورتها، و قد يساهم النص الذي سيصدر بالحد منها بشكل أو بآخر. لكن نص المشروع الحالي يحتاج مرة أخرى إلى إعادة النظر من أجل تصحيح وتصويب من ذوي الاختصاص من رجال القانون والمجتمع المدني المؤهل والأطباء والخبراء النفسانيون، ليصبح نصا مؤهلا ومنسجما مع فصول القانون الجنائي والسياسة الجنائية المعتمدة في المجال.