في زيارة لي أخيرا إلى مدينة إيموزار كندر، لاحظت غيابا كليا لذوي السترات الصفراء، الذين يسمون أنفسهم حراس السيارات، على الشارع الرئيسي الرابط بين مدينتي فاس وإفران -على الأقل-، استغربت كثيرا لهذا الوضع الاستثنائي خاصة وأن الطريق كانت تعج بالسيارات من كل الأشكال والأنواع. وأنا أتقدم داخل المدينة الصغيرة، لمحت عيني لافتة كبيرة تشعر أصحاب السيارات أن ركن سياراتهم في الشارع العام مجاني وغير مؤدى عنه، آنذاك تساءلت كيف نجح مسؤولو هذه المدينة في معالجة ظاهرة تستفحل يوما بعد يوم؟؟ وكيف تشجعوا وعالجوا هذا المشكل بمدينتهم بينما يغض كل المسؤولين الطرف عنه عبر ربوع البلاد؟؟ لقد كانت زيارة إيموزار كندر فرصة لإثارة هذه الإشكالية والخوض فيها وهي التي ملأت فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي عبر قصص مثيرة وأحداث درامية أحيانا، دون أن تنال قسطا من اهتمامات المنتخبين الذين يفترض أن يتدخلوا لتصحيح الوضع. من المؤسف حقا أن نجد ذوي البذلات الصفراء (Les gilets jaunes) في فرنسا يناضلون من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفرنسيين بوعي سياسي وحقوقي متقدمين، بينما نجد النسخة المغربية لهؤلاء يلازمون الكراسي المهترئة في الظل يتصيدون ركن وحتى توقف سيارة في الشارع العام ليسارعوا إلى ابتزاز صاحبها. سيقول قائل، ما جدوى بضع دريهمات تعطيها لمحتاج؟؟ الجواب بسيط، الأمر هنا لا يتعلق بمحتاج، فهؤلاء شداد غلاظ في أغلب الأحيان، بل ومن أصحاب السوابق أحيانا أخرى، يأمرك بالأداء بلغة التهديد، وإذا لمس فيك نوعا من المقاومة، سارع إلى توظيف قاموس ساقط وتهديد مباشر. من هنا نجزم أن الأمر يستحق أهمية أكبر، من يعرض المواطنين لتحرشات هؤلاء؟؟ من يسكت عن هذه التجاوزات؟؟ ومن بيده حل هذه الآفة بشكل جذري؟؟ طبعا الإجابة بسيطة يمكن تلخيصها في عبارة "كم حاجة قضيناها بتركها"، وهو اختيار أعتبره جبانا بالنظر إلى ضرورة تحمل المسؤولية وتحقيق تنمية حقيقية تحترم كرامة المواطن وترسخ قيم دولة الحق والقانون. لست أدعو إلى قطع أرزاق ذوي البذلات الصفراء، بل إلى حفظ كرامتهم وضرورة إدماجهم في أنشطة اقتصادية حقيقية تضمن قوت يومهم خصوصا أن أغلبهم من ذوي البنية القوية. أخلاقيا، لا يعقل أن نسكت عن هذه التجاوزات والاختلالات التي تضر بالطرفين، ففيها امتهان واحتقار لذوي البذلات الصفراء، وفيها تحرش بالمواطن وتهديد لسلامته النفسية والجسدية. الأمر بسيط جدا في تقديري، يتعين إعمال القانون من وزارة الداخلية والجماعات الترابية عبر منع فرض أي شكل من أشكال الرسوم والإتاوات على ركن السيارات في الطريق العام، وبالمقابل، تهيئة مواقف للسيارات تكون محروسة ومؤدى عنها بشكل واضح وشفاف من خلال فرض ثمن موحّد للاستفادة من هذه الخدمة. على المواطنين أن يكفوا عن التنديد من داخل المواقع الاجتماعية والانتقال إلى تقديم الشكايات لدى مصالح الأمن الوطني أو الدرك الملكي، أو أمام رجال السلطة وخصوصا القائد بصفته ضابطا للشرطة القضائية، وفي حال ادعى ذو البذلة الصفراء قانونية "جرمه"، يتعين تقديم شكاية أمام وكيل الملك. إن القضاء أو على الأقل التخفيف من هذه الظاهرة يفرض مرافعات لدى المنتخبين والسلطات العمومية من أجل تنظيم هذا الميدان وتقنينه قبل التفكير في تفعيل الجانب الزجري، وهنا يتعين على السلطات المختصة تحمل مسؤوليتها كاملة في وضع حد لهذه الاختلالات المستفحلة.