لَم تعد كرة القدم تلك الرياضة التي تمارس فقط من أجل إمتاع الجماهير أو حتى هواية تلعب في نهاية الأسبوع، بل تعدّت ذلك لكي تصبح صفقات ومرابحات اقتصادية تفوق ميزانية دول بكاملها، وأرقامها تقارن الآن مع الناتج الداخلي لبعض البلدان النامية، ومنها المغرب. ميزانية بعض فرق كرة القدم في الدوريات الأوروبية، وقيمتها السوقية، أصبحت في كثير من الأحيان تنافس العائدات المالية لبعض الدول، كما أن الفرق العالمية والرائدة في أوروبا أصبحت تشكل كيانات قائمة الذات بأرقامها الفلكية التي تدار بها، أو التي تعقد بها صفقات "خيالية" لجلب نجوم اللعبة في العالم. في عالم اليوم، لم تعد الفرق تقتصر على إبرام صفقات عادية للتعاقد مع لاعبين في مراكز تنقصها، بل بات الأمر أشبه بمنافسة وتحد بينها لتأكيد مدى قدرتها على الإنفاق، والأمثلة على ذلك مختلفة ومتعدّدة. صفقات أندية مثل برشلونة وريال مدريد الإسبانيين، وبعض فرق إنجلترا مثل مانشيستر يونايتد أو غريمه "السيتي" في الأعوام الفارطة يبرز أن كرة القدم معادلة اقتصادية صرفة، تعتمد على العرض والطلب، في سبيل إمتاع الجماهير والحصول على البطولة وعقود البث التلفزيوني التي أصبحت تدار بملايير الدولارات. قيمة صلاح المالية تفوق قيمة اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي! يسعى المغرب في الآونة الأخيرة إلى تجديد اتفاقيته مع الاتحاد الأوروبي بخصوص الصيد البحري بعد نهاية مدتها السابقة التي امتدت لأربع سنوات، مقابل 40 مليون أورو يمنحها ال EU للمغرب. وتجيز الاتفاقية لنحو 126 سفينة صيد أوروبية، ضمنها 74 سفينة إسبانية، صَيد زهاء 80 ألف طن من الأسماك في المياه الإقليمية المغربية، مقابل ما يوازي أربعين مليارا سنتيما، لأربع سنوات، وهي قيمة، إن قارناها بالأرقام، تقل عن صفقات تعاقد بعض لاعبي كرة القدم مع فرق أوروبية. في هذا السياق، تبلغ قيمة انتقال المصري محمد صلاح إلى ليفربول الإنجليزي، قادما من روما الإيطالي ما يزيد عن 42 مليون أورو، إلى جانب انتقال الصربي نيمانيا ماتيتش إلى مانشيستر يونايتد قادما من تشيلسي الإنجليزي ب44.7 مليون يورو، فيما تضاعف صفقات أخرى هذه القيمة، منها انتقال البلجيكي روميلو لوكاكو إلى اليونايتد قادما من إيفرتون الإنجليزي ب 87.7 مليون أورو، ما يعني أن القيمة السوقية لانتقال اللاعب المصري محمد صلاح، تفوق القيمة المالية لاتفاق الصيد البحري بين المملكة المغربية، والاتحاد الأوروبي لأربع سنوات! وبلغة الأرقام أيضا، فاللاعب البلجيكي، روميو لوكاكو الذي انتقل إلى "شياطين" اليونايتد ب 87.7 مليون أورو، يفوق عقده، ما تمنحه السواحل المغربية، من خيرات لثماني سنوات كاملة، أو بلغة أدق أن المغرب يبيع ما تنتجه سواحله لأوروبا لثماني سنوات، بقيمة تقل عن سعر عقد لاعب بلجيكي في دوري أوروبي! أرقام قيمة فرق إسبانيا وإنجلترا تنافس مداخيل المغرب من الفوسفاط يعتمد الناتج المغربي الخام بالأساس على قطاعات نشيطة وقوية، فمثلا مداخيل المغرب من الفوسفاط سنويا، توازي 3.5 مليار دولار، وهو رقم يقترب من معادلة العائدات السنوية لأربعة فرق أوروبية يتزعما مانشيستر يونايتد أغلى قيمة ب 850 مليون دولار، و688 مليون دولار لفريق برشلونة الإسباني، متبوعا بفريق العاصمة الإسبانية الأول ريال مدريد ب685 مليون دولار، بالإضافة إلى بايرن ميونخ الألماني ب657 مليون دولار، وكذا مانشيستر الإنجليزي بقيمة 583 مليون دولار، وهو الرقم الذي يساوي 3.4 مليار دولار وينافس عائدات المغرب من الفوسفاط. بيع حقوق بث مباريات "البروميير ليغ" يفوق مداخيل السياحة المغربية رغم أن الرقم سيبدو مبالغا فيه في كرة القدم، إلا أن الميركاتو الصيفي الماضي عرف صرف قرابة 6,37 ملايير دولار لانتداب أبرز لاعبي العالم، وكانت أغلاها صفقة انتقال البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي بقيمة 222 مليون أورو، متبوعة بانتقال الفرنسي أوصمان ديمبيلي من بروسيا دورتموند الألماني إلى برشلونة ب 105 مليون أورو، وهلم جرا على أرقام فلكية لانتقالات لاعبين في مختلف الدوريات كشف عنها الاتحاد الدولي لكرة القدم في تقرير له يخص انتقالات السنة الماضية، وهو ما يعادل مداخيل السياحة المغربية لسنة 2017، التي قاربت 7 ملايير دولار. وإن بقينا في لغة الأرقام، فإن حقوق بث مباريات "البروميير ليغ" للدوري الإنجليزي الممتاز بيعت لثلاثة مواسم (2016 إلى 2019) بسبعة مليارات و837 مليون دولار، أي بما يفوق مجموع مداخيل العشرة ملايين سائح الذين يزورون المغرب سنويا! القيمة السوقية لعشرة لاعبين تفوق ما يصدره المغرب من سيارات سنويا؟ خرج وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، مولاي حفيط العلمي، الأسبوع الماضي، ليتحدث عن مداخيل المغرب من صناعة السيارات، مؤكدا أنها أول قطاع مصدر بنحو 700 مليون دولار (ما يقارب 700 مليار سنتيما)، مبرزا طموحه بأن يعادل هذا الرقم مليار دولار سنة 2020. ودائما بالعودة إلى الأرقام، فإن أول قطاع مصدر وجالب للعملة في المغرب، وتفخر به الدولة عند تقديم البلد على أنه منصة تصنيع ودولة نامية، هو نفسه الذي تقل مداخيله (700 مليار سنتيما) عن القيمة السوقية لعشرة لاعبين يمارسون في الدورويات الأوروبية لسنة 2018 وهم: 1- البرازيلي نيمار (213 مليون يورو) 2- الأرجنتيني ليونيل ميسي (200 مليون يورو) 3- الإنجليزي هاري كين (195) 4- الفرنسي كيليان مبابي (192) 5- الإيطالي باولو ديبالا (174) 6- الإنجليزي ديلي آلي (171) 7- البلجيكي كيفن دي بروين (167) 8- البلجيكي روميلو لوكاكو (164) 9- الفرنسي أنطوان غريزمان (149) 10- الفرنسي بول بوغبا (147).