مسرعات يهرولّن تجاه غرفتهن لارتداء زيّهن الأبيض، وأحزمتهن المختلفة الألوان، وبعد أن يتجمعن في صالة رياضية، تبدأ أصوات العشرات من الفتيات الغزيّات في ترديد الشعارات الخاصة بفن "لعبة الكاراتية". وعلى الرغم من اختلاف بنية وأعمار كل واحدة عن الأخرى، إلا أن حلمهن المشترك يتلخص بالوصول إلى مراحل يجيدون فيها كافة الفنون القتالية والوصول إلى العالمية. لكن رحلة قرابة 15 فتاة غزية في الوصول إلى الصالة الرياضية، المختصة بتعليم "الكاراتيه" في نادي غزة الرياضي، لم تكن يسيرة، فالعادات والتقاليد السائدة في المجتمع الغزي المحافظ لا ترحب بخوض النساء هذا المجال. وتقر العديد من المتدربات بالصعوبات الكبيرة التي واجهتهن في إقناع ذويهن، بقبول فكرة ممارسة لعبة "الكارتيه". ومما يزيد من تعقيد الأمر، عدم وجود نواد خاصة بالإناث، وافتقاد المدربات المتخصصات. وتؤكد ديانة الكولك (17 عاما) أن أهلها عارضوا الفكرة بشدة، ولكنهم تراجعوا عن ذلك تحت إلحاح شديد منها. وتضيف إنها جاءت إلى هذه الصالة لكي تلعب رياضة الكاراتيه "بعيدا عن تعقيدات الحياة اليومية، وهمومها". وتعيش غزة هذه الأيام واقعا اقتصاديا وإنسانيا صعبا، تسبب في تعطل كافة تفاصيل ومناحي حياة قرابة مليوني مواطن. وتضيف ديانة، الحزام الأزرق في اللعبة، في حديث مع مراسل الأناضول :" ممارسة رياضة الكاراتيه كان حلما وتحقق، فرغم المعيقات التي واجهتني من والدي، وعائلتي ومنعي من ممارستها، تمكنت أخيرا من إقناعهم بممارسة الرياضة التي أحب". وتابعت: "رياضة الكاراتيه تعلمنا القوة والشجاعة، والدفاع عن النفس في حال تعرضنا للخطر". وتتمنى الكولك أن تحصل على الحزام الأسود، وهو أعلى درجات الخبرة في الفنون القتالية للحاصلين عليه. وتوافقها زميتها هناء شحاتة "20 عاما"، التي تؤكد كذلك أن المجتمع الفلسطيني، لا يتقبل ممارسة الفتيات للعبة الكارتيه. وتضيف:" نحن مجتمع محافظ، ويفرض قيوداً على مشاركة الفتيات في هذه اللعبة." ولفتت إلى أن الفتيات في قطاع غزة يمارسن رياضة الكاراتيه بشكل محلي محدود، تبعا للقيود المفروضة على القطاع من حصار وإغلاق للمعابر، الأمر الذي يمنعهن من السفر والحصول على فرصة للمشاركة في المسابقات العربية والدولية. لكنها تشير إلى "عشقها لرياضة الكاراتيه"، منذ نعومة أظافرها، واصفة إياه ب"اللعبة الجميلة". وتضيف :" ألعب الكارتيه منذ 3 سنوات، وحصلت على الحزام البني". ويختلف ترتيب الأحزمة من بلد إلى آخر، فالحزام هو للدلالة على مستوى المهارة القتالية التي وصل إليها مرتديته، والتي تتراوح بين المستوى المبتدئ "كيو", والمستوى المتقدم "دان". وتتمنى شحاتة أن تكون في المستقبل من ممثلي دولة فلسطين حول العالم في رياضة الكاراتيه وأن تحصل على جوائز دولية ومحلية. ويبدو أن حظ سيرين البكري (14 عاما) أفضل من زميلاتها، حيث تقول إن أهلها لم يمانعوا لعبها للكارتيه، بل شجعوها على ممارستها. وتقول البكري:" أهلي شجعوني كثيرا على ممارسة رياضة الكاراتيه، وأشقائي وشقيقاتي جميعاً يمارسون اللعبة، ولم يقف أحد ليمنعنا، فممارستي للرياضة يجعلني أكثر تركيزا في كل متطلبات الحياة فالكاراتيه تعلمنا اليقظة وبناء جسم رشيق". وتتمنى البكري أن تحصل على الحزام الأسود في اللعبة، والذي يعتبر أهم درجات اللعبة، ويتم الحصول عليه بعد تسع سنوات من التدريب المستمر". بدوره يقول عماد حماد، مدرب الكاراتيه في نادي غزة الرياضي، إن المجتمع لا يتقبل حتى الآن ممارسة الفتيات للعبة الكاراتيه. ويضيف:" المجتمع الغزي شرقي ومحافظ، لكن تختلف النظرة للمرأة من فئة لأخرى". ورغم ذلك، فإنه يرى أن الإقبال على ممارسة اللعبة من الإناث في تزايد، ويضيف:" هناك اقبال جيد من الإناث، وخاصة من فئة الأطفال وصغيرات السن، لكن الاقبال من فئة الشابات أقل"، مشددا على أنه يحاول تغيير نظرة المجتمع قدر المستطاع". وأشار في حديثه إلى أنه "يبذل قصارى جهده ليطور من أداء الفتيات في تلك اللعبة، بالرغم من الظروف الاقتصادية التي تواجه الشعب الفلسطيني والإغلاق والحصار الإسرائيلي الذي يقف عائقا أمام جميع الألعاب الرياضية". ولفت إلى أن النادي يعقد بطولات داخلية لتحفيز الفتيات والتطوير من قدراتهم البدنية والفنية والقتالية. وتمنى أن يكون هناك فريق مكون من الفتيات لتمثيل دولة فلسطين والمشاركة في بطولات دولية والحصول على جوائز كبيرة. وتعد رياضة الكاراتيه من أنواع الفنون القتالية اليابانية وتستخدم فيها الأيدي والأقدام والركب والمرافق كأسلحة. * وكالة الأناضول