نجح عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، في تعزيز صفوف أغلبيته بوافدين جدد ينتظر أن يشكلوا دعامة قوية للحزب الإسلامي. حسن الكتاني وعمر الحدوشي وأبو حفص شيوخ السلفية الجهادية الثلاثة الذين أفرج عنهم بمقتضى عفو ملكي سيقدمون إضافة نوعية للتحالف الإسلامي الواسع الذي دعم العدالة والتنمية وقاده للفوز بالانتخابات الأخيرة وقيادة الحكومة. تحالف تجلت عناصره في محطات متفرقة ولا يشكل العدالة والتنمية سوى واجهته الحزبية الظاهرة. ليس صدفة أن يتزامن وصول الإسلاميين إلى السلطة مع عودة عبد الرحمان المغراوي شيخ "السلفية العلمية" من منفاه الاختياري وإعادة فتح دور القرآن في مراكش. لا أحد يهتم اليوم بالجهالات التي يلقنها، صاحب فتوى زواج الزواج بابنة 9 سنين، للأطفال رواد المدارس القرآنية التابعة لجمعيته دون أي رقيب. بل إن الناطق الرسمي باسم هذه الجمعية امتلك الجرأة ليصرح على قناة ميدي 1 تي في قبل أشهر بدفاعه عن حرمة الاختلاط بين الجنسين ويؤكد أن هذه "المصيبة" تلقن للتلاميذ في دور القرآن. المهم أن أتباع هذا الشيخ ساهموا بكثافة في التصويت على حزب العدالة والتنمية وتصدره نتائج الانتخابات.
ليس صدفة أيضا أن يتزامن فوز الإسلاميين مع الإفراج عن الشيخ الفيزازي، وتصدره واجهة الترويج لنفس الخطاب الأخلاقي الذي ظل أطر حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ينشرونه في صحافتهم وداخل البرلمان. الفرق الوحيد بين الفيزازي والإخوان في الحركة والحزب، أن الأول تخصص في استعمال هذا الخطاب ضد حركة 20 فبراير متهما أطرافها الديمقراطية بالشذوذ الجنسي والإلحاد والإفطار في رمضان. شيخ السلفية الجهادية المفرج عنه انطلق في "مهمته" هاته من نفس النقطة التي توقف عندها بنكيران في أداء نفس "المهمة". الكثيرون ينسون اليوم أن بنكيران واجه حركة 20 فبراير حتى قبل ولادتها بنفس الخطاب الأخلاقي الذي أبدع فيه الفيزازي ليتفرغ بنكيران لأمور أخرى.
من بين الأمور التي تفرغ لها بنكيران وحزبه وحركته الدعوية في تلك الفترة إحباط الضمانات التي استطاع الديمقراطيون داخل لجنة المنوني تضمينها في النسخة الأولى من الدستور لتأكيد مدنية الدولة وحفظ المكانة السامية للدين بعيدا عن الحياة العامة. في هذه المحطة ظهر الالتقاء جليا بين العدالة والتنمية وحماة المقدس داخل أسوار القصر. المجلس العلمي الأعلى يصدر بيانا ناريا ضد من يطالب بدمقرطة الدولة بتخليص إمارة المؤمنين من أعباء الملكية التنفيذية، وأحمد التوفيق (وزير الأوقاف الأبدي) يعبأ أئمة المساجد ليدعوا الناس للمشاركة في الاستفتاء والتصويت بنعم على الدستور.
جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة لم تكن بعيدة عن هذا الحلف اليميني المتطرف. أتباع الشيخ ياسين تركوا الشارع فجأة بعد فوز العدالة والتنمية بالانتخابات وقيادة الحكومة، في أوضح تعبير على أن دواعي الاحتجاج في إطار حركة 20 فبراير لم تعد قائمة بعد تحقق الهدف الاستراتيجي لهذا الحلف، أي وصول العدالة والتنمية لقيادة الحكومة.
طبعا دون إغفال الدعم الراسخ الذي تستفيد منه كافة فروع الإخوان المسلمين من أمير قطر ومفتيه الذي يفتي في كل شيء إلا حكم الشرع في وجود قاعدتين عسكريتين أمريكيتين فوق أرض المشيخة.
اليوم ينضاف إلى هؤلاء شيوخ السلفية الجهادية الثلاثة تتويجا لمسلسل من الدعم المتبادل بين السلفيين الجهاديين وحزب العدالة والتنمية. ليس صدفة أن تبلغ سجون المملكة درجة قصوى من الغليان في أوج حملة بنكيران للدفاع عن الملكية ودستورها المحافظ، حتى يضطر الدرك الملكي للتدخل وإخماد ثورة سجناء السلفية الجهادية في سجن سلا، ثم يهدأ كل شيء بمجرد تعيين بنكيران رئيسا للحكومة.
إنه نصر سياسي ومعنوي كبير لورثة الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب مؤسس العدالة والتنمية. الرجل الذي لجأ إليه الشيخ الكتاني حينما بلغه نبأ اعتقاله، ليحاول الخطيب منع رجال الأمن من اعتقال الكتاني قبل أن يؤكد له مصطفى الساهل، وزير الداخلية آنذاك، في اتصال هاتفي أن القانون يجب أن يطبق في حق الكتاني. كما روى ذلك محمد الخالدي زعيم حزب النهضة والفضيلة في حوار نشرته جريدة الأسبوع الصحافي قبل بضعة أسابيع.
لا شك أن الأحكام التي صدرت في حق الشيوخ الثلاثة وغيرهم كثير من معتقلي السلفية الجهادية يعيبها غياب ضمانات المحاكمة العادلة، كما تؤكد ذلك الجمعيات الحقوقية. غير أن ما كان ينشره هؤلاء من على منابر المساجد في فاسوسلا وما ارتبط بهم من حملات تعزيرية تورط فيها "تلامذة" كانوا يحضرون دروسهم ويتلقون خطبهم، من شأنه إثارة القلق حول مضمون "الدعوة" التي أكد الشيخ الكتاني أنه ماض فيها في حواره مع "كود".