تنتقد منظمات حقوقية مغربية الإفراط في اللجوء للاعتقال الاحتياطي في الملاحقات القضائية، خصوصا تلك التي تشمل نشطاء وصحافيين، في حين يوصي برلمانيون والنيابة العامة بالإسراع في وضع تشريعات بديلة "لترشيد" هذا الإجراء. ورغم تراجع عدد المعتقلين احتياطيا في السنوات الأخيرة، إلا أن نسبتهم لا تزال تقارب 39 بالمئة من نزلاء السجون، وكان عددهم 33689 في نهاية 2019، حسب أحدث تقرير لرئاسة النيابة العامة. ويعد "اللجوء المفرط" لهذا الإجراء "الاستثنائي الذي يكاد يكون قاعدة" من الأسباب الرئيسية للاكتظاظ في السجون المغربية، وفق تقرير آخر للمندوبية العامة للسجون في تموز. وأكدت رئاسة النيابة العامة في تموز، أن قضاتها وقضاة التحقيق "مطالبون بترشيد" الاعتقال الاحتياطي باعتباره "إجراء استثنائيا"، وأن "المشرع مطالب بتوفير بدائل للاعتقال الاحتياطي"، داعية إلى "التعجيل" بالمصادقة على تعديلات للقانون الجنائي. إلا أن ائتلافاً يضم 20 جمعية حقوقية حملها مسؤولية الإفراط في استعماله. وقال الائتلاف: "كفى من الاعتقالات قبل التحقيقات والمحاكمات"، معتبرا أن "حريات المواطنين والمواطنات تعيش أسوأ مراحلها (...) بفعل سياسة الاعتقال الاحتياطي بالمغرب الذي يضرب يمينا ويسارا بدون اتزان ولا حكمة أو تدبر من سلطة النيابة العامة". وخص الائتلاف الحقوقي بالذكر الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي والمؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب المعتقلين احتياطيا على خلفية قضايا جنائية تثير جدلا واهتماما إعلاميا، داعيا إلى إطلاق سراح "كل ضحايا سياسة الاعتقال الاحتياطي". واعتقل منجب (60 عاما) في 29 كانون الأول على ذمة التحقيق في اتهامات "غسل أموال". وكان ملاحقا منذ العام 2015 بتهمة "المساس بأمن الدولة" التي يمكن أن تصل عقوبتها الإعدام، وفي شبهات بارتكاب مخالفات مالية على علاقة بمركز ابن رشد للبحوث الذي كان يعنى بدعم صحافة التحقيق والحوار بين الإسلاميين والعلمانيين. بيد أن جلسات محاكمته في هذه القضية التي يلاحق فيها ستة نشطاء آخرين حصل اثنان منهما على اللجوء السياسي في فرنسا، ترجئ باستمرار. ويؤكد محاميه محمد المسعودي أن تهمة غسل الأموال المعتقل بسببها حاليا "تستند الى الوقائع نفسها الواردة في القضية الأولى". ولا يزال رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم سليمان الريسوني (48 عاما) معتقلا احتياطيا منذ ثمانية أشهر، بعد أن اتهمه شاب بالاعتداء عليه جنسيا. ورفض القضاء الإفراج الموقت عنه في انتظار المحاكمة في ثلاث مناسبات، علما أن التحقيق معه انتهى، بحسب وكلاء دفاعه. أما الصحافي عمر الراضي (34 عاما) فمعتقل منذ ستة أشهر لملاحقته في قضية "تخابر مع عملاء دولة أجنبية" لم تحددها النيابة العامة، علاوة على قضية "اعتداء جنسي" إثر شكوى تقدمت بها زميلة له في العمل. وفتح التحقيق معه في قضية "التخابر" غداة صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية اتّهم السلطات المغربية بالتجسّس على هاتفه. وهو ما نفته الرباط بشدّة مطالبةً المنظمة الحقوقية بنشر أدلتها. ويعتقد المسعودي الذي ينوب عن المتهمين الثلاثة أن "لا شيء يبرر اعتقالهم احتياطيا، إذ لم يوقفوا في حالة تلبس ولا يشكلون خطرا ويتوفرون على جميع ضمانات الحضور، بدليل تلبيتهم كل استدعاءات الشرطة". ويضيف: "هذا ما يزكي تصريحاتهم بأنهم معتقلون بسبب آرائهم". في مقابل دعوات منظمات حقوقية وشخصيات سياسية ومثقفين مغاربة وأجانب للإفراج عن هؤلاء، تؤكد السلطات المغربية على استقلالية القضاء وسلامة الإجراءات. كما أكد المدعيان في قضيتي الاعتداء الجنسي ضد الريسوني والراضي على حقهما في العدالة، نافيين أن يكونا مسخرين لاستهداف الصحافيين. وبخصوص ملاحقة منجب، قالت وزارة حقوق الإنسان إن وضعه "كأكاديمي أو كناشط حقوقي لا تخوله حصانة قانونية". وأوصى برلمانيون من الأغلبية والمعارضة بترشيد اللجوء لإجراء التوقيف الاحتياطي أثناء مناقشة تقرير النيابة العامة قبل أسبوعين، محملين الحكومة مسؤولية الإسراع بتعديل القانون الجنائي المعروض للنقاش منذ 2016. وعاد الجدل حول الموضوع مؤخرا بعد اعتقال عاملة (34 عاما) في ضيعة لإنتاج البيض احتياطيا لمدة أسبوعين بتهمة سرقة بيض، ثم أدينت هذا الأسبوع بالحبس مع النفاذ شهرا واحدا غير نافذ. واستغرب الناشط الحقوقي عمر أربيب توقيفها احتياطيا، منتقدا "عدم المساواة أمام القانون، بالمقارنة مع استمرار ملاحقة متهمين في حالة إفراج موقت رغم إدانتهم ابتدائيا باختلاس مبالغ كبيرة من المال العام".