ألا أونا، ألا دوي، ألا تري، والثمن محدد في مليون دولار، وهناك من يقول أكثر، للفوز بأوراق بخط يد الفيلسوف الروماني الذي غادر الحياة سنة 1995. القصة مثيرة، ويمكن لسيوران أن يضحك في قبره، وهو يسمع ما حصل، وكيف تحول إلى خبر في وسائل الإعلام، وهو الذي كان يرفض الحديث إليها، وكان يفضل الليل والعزلة على أن يظهر في التلفزيون. تقول تفاصيل الحكاية إن بائعة خردوات من عادتها دائما التنقيب في الشقق المهجورة، قادها الحظ لأن تزور مسكن سيوران القديم، دون أن تعرف ربما من هو ذلك الشخص الذي كان يقطن فيه، ولو كانت تدري أن الأمر يتعلق بكاتب كل مواضيعه عن الموت وعدم الرغبة في الحياة، لما فكرت بالمرة في اقتحام شقته المسكونة بهواجسه المفزعة. لقد خرجت بائعة الخردوات من شقة سيوران الباريسية وهي سعيدة بصيدها الثمين المتمثل في تمثال نصفي لصحاب كتاب"في سلبيات أن تولد"، ومكتب ومجموعة دفاتر ومخطوطات تقدر بالثلاثين، من ضمنها مذكراته الخاصة التي كان يسجل فيها يومياته. وككل صيد ثمين يجب بيعه في الحال وجني أكبر ربح منه، ولذلك عرضت بائعة الخردوات كنزها في مزاد علني بأحد الفنادق، لكن المحكمة منعتها من ذلك، بدعوى وجود ورثة، وحدهم لهم الحق التصرف في إرث الفيلسوف. ولأن سيوران كان ضد فكرة أن يرتكب المرء حماقة قذف أبناء جدد في هذه الحياة، فإنه لم يترك ذرية يمكنها أن ترثه، وحدها تلك المرأة التي عاشت معه وكانت رفيقته في شقتهما الصغيرة كانت وصية على تركة فيلسوف التشاؤم، حيث قررت أن تتبرع بأعمال الكاتب لإحدى المكتبات التابعة لجامعة باريس، لكن الأقدار لم تسعفها هي الأخرى وتوفيت سنة 1997، وظلت الشقة ذات الغرفتين مهجورة، لتنتقل الملكية بعد ذلك إلى شقيقها، الذي فتح الباب بالمفتاح رفقة بعض الخبراء وممثلي المكتبة التي ستنتقل إليها ممتلكات سيوران، وأخذوا ما يرونه ذا نفع، بينما تركوا الأشياء الأخرى العديمة القيمة، ثم كلف الشقيق إحدى الشركات بمهمة التخلص منها، وهي التي ألقت هذا العمل على كاهل بائعة الخردوات المحظوظة. لكن كيف تمكنت جامعة الأشلاء والخردوات والموبيليا القديمة من العثور على كنز سيوران، في حين سبقها الآخرون وفتشوا في كل الزوايا ولم يجدوا لقيتها الثمينة. يقول مدير المكتبة في هذا الشأن إنهم وجدوا طاولة وأريكة وسجادا وراديو كاسيت وبعض المخطوطات والكتب المرتبطة بسيوران، و للدقة ولئلا يفلت أي شيء فتشوا في السقف وفي الأرضية الخشبية، لكنهم لم يفكروا أبدا في القبو، لأن الخبير سبق أن نصحهم بألا يبددوا جهدهم بالنزول إليه، مؤكدا أن لا شيء فيه ذا قيمة تذكر ، وأن كل ما رآه هو متلاشيات تافهة وقمامة. بعد ذلك جاءت بائعة الخردوات واختارت البحث في القبو بالضبط دون غيره، ربما لأنها تعرف بحكم التجربة، أن المكان الذي لا يفتش فيه الآخرون هو وحده المليء بالمفاجآت، وبالفعل فقد عثرت على الثلاثين دفترا، وحاولت بيعها دون جدوى، لأن المكتبة أقامت عليها دعوى قضائية، باعتبارها المالكة الوحيدة لكل ما له علاقة بسيوران، وأخذ من شقته. وطوال الشهور التي قضتها هاوية البحث عن الخردوات في ردهات المحاكم لم تجد أي شخص يمكنه أن يصدق روايتها، و لم يستوعب أحد كيف عجز الجميع في شقة لا تتعدى مساحتها الخمسين مترا عن العثور على تلك الدفاتر التي لا تقدر بثمن، في حين فسر محامي المكتبة الأمر أمام القاضي بأن المعنيين لم يرغبوا في توسيخ أيديهم بالبحث في القبو، وهي حجة مرفوضة في نظر المحكمة. المضحك أن المحكمة حكمت لصالح بائعة الخردوات وقضت بأن كل ما حصلت عليه هو الآن في ملكيتها ويجوز لها التصرف فيه، وفي انتظار لجوء المتضررين إلى النقض، فإن الفيلسوف الروماني إميل سيوران هو الآن يقهقه في قبره ويضحك من هذا العالم ومن انشغال الناس بأوراقه واهتمامهم به وهو ميت، في حين كان يمر أمامهم كل يوم في الليل دون أن يراه أحد ودون أن يبالي به أي شخص، كما أنه سيرى كيف سيحتفلون به في معرض الكتاب ويخلدون في ثامن أبريل ذكرى ميلاده المئوية، وكيف سيفتخرون بوجود تسجيل له بالصوت والصورة في فيلم مهدى له يحمل عنوان"القيامة حسب سيوران"، كما أنه سيتحرق شوقا لمعرف الشخص الذي سيرسو عليه المزاد والذي سيدفع أكثر من مليون دولار ثمن أوراق فيلسوف كان يرفض الجوائز ويهرب من الأضواء.