ليلة أمس نزل الخبر في صفحة إبنته تانينا على الفايسبوك: لترقد في سلام بابا.. هكذا نقل خبر وفاة إيديرعن عمر يناهز 70 سنة.. عابرون ..عابرون.. لنترك على الأقل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض والارواح.. جملة قصيرة حزينة غارقة في الحب وتلخص مسار فنان عالمي انطلق من قرية أيت لحسن في منطقة تيزي وزو ليعانق ثقافات العالم عبر الموسيقى والشعر والإنخراط في قضايا الإنسان والحياة والفن.. كان إيدير وإسمه حميد شيريط مهيئا حسب دراسته ليصبح جيولوجيا يشتغل على الأرض لكن الموهبة و الغريزة كان لها قدر آخر هو الموسيقى والفنون..ومن يوم مروره صدفة في راديو بالجزائر بداية السبعيناتتحول مساره في الحياة..من أرض الجيولوجيا والتراب والحجر الى أرض قريبة لها هي أرض الموسيقى بهويتها القبايلية وخصوبتها العالمية.. لم يكن إيدير قبايليا فقط..كان أكبر أفقا في محاوراته للثقافات والموسيقى العالمية.. كانت الأغنية الشهيرة "أبابا إينوفا" المستمدة من تراث حكايات ليالي البرد والثلج في القبايل الشرارة الأولى التي انطلقت لتصل وجدان العالم ولغات مختلفة.. مرة سيغني رفقة شارل أزنافور"لابوهيم" بالأمازيغية و"أبابا ينوبا "بالفرنسية.. محطة ميدي 1 في المغرب كان لها دور كبير في أنتشار الأغنية في بداية الثمانينات..و مثل فنانين معروفين من منطقته أيت منغيلات و معطول الوناس و فرحات مهني و القدامى الغازي و الشيخة ريميتي و سليمانعازم سيظل إيدير قريبا جدا هواء البلد رغم غيابه الطويل عن الجزائر منذ رحيله الى باريس منتصف السبعينات.. ستكون أول حفلة للفنان إيدير بالمغرب عام 1995 وتقام في المعهد الفرنسي بالدار البيضاء وستتوالى بعدها زيارات لا تنقطع الى بلد أحبه وربط به علاقات صداقات ..حفلات في مهرجانات و لقاءات في الرباط وطنجة وأكادير ومكناس والحسيمة والناظور..وجدة وغيرها.. لقد فعل إيدير مع رفاقه معطوب الوناس و أيت مينغيلات ما فعله البيتلز في تحولات موسيقى الشباب في إنجلترا..في لحظة ما يسبق الفن تحولات المجتمع والقوالب الجاهزة للسياسة.. يحكي لي الصديق منير كجي الذي كان يلتقي به في زياراته للرباط أن إيدير كان مرة مدعوا لحفل في طرابلس في ليبيا وساعات قليلة قبل بداية السهرة سيأتي قرار المنع من قائد ثورة زنقة. زنقة معمر القذافي.. الزعيم القومجي الكبير كان يعتبر الأمازيغ من الممنوعات المحرمات..بينما كان قلب ورؤية إيدير تتسع للتسامح والحوار ولا يضيق..وهو ما عبر عنه يوما في لقاء خلال برنامج تلفزيون فرنسي حضره رفقة الشاب خالد .. سأله الصحافي كيف هي علاقتك بخالد..أجاب إيدير..نحن أبناء وطن واحد . لكن..أنا أفهمه وهو لا يفهمني.. سيكون آخر ألبوم للنجم الكبير إيدير هو " هنا وهناك" وصدر قبل ثلاث سنوات.. مع انطلاق حراك الجزائر في فبراير 2019 سيعبر عن إحساسه بالفخر والإعتزاز لشباب الحراك.. يقول في كلمة ..إنني أحببت كثيرا الحراك..أعجبني جدا ذكاء المحتجين..سخريتهم..إلتزامهم بالسلم...أعترف أنني عشت لحظات منذ 22 فبراير أستنشق الاوكسجين أنا المصاب بإختناق التنفس أعرف معنى الكلمة.. سندو ستظل أغنية لكل الأمهات ولكل النساء في العالم من قرى القبايل الى الأطلس وجبال البيرو..بينما أغان أخرى صارت جزء من العلاج النفسي .. لماذا هذا المطر..؟ بوركوا سيط بلوي..؟ هكذا غناها حزينة دافئة تتسرب الى الروح مثلما تسري مياه الأمطار في التراب. عابرون ..عابرون.. لنترك على الأقل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض والارواح.. عليك الرحمات أيها الرجل الجميل.. ما أضيق الحياة لولا فسحة الموسيقى..