طبيعي جدا أن يكرهنا الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك. وطبيعي جدا أن يتمنى ألا نكون موجودين في هذا العالم. لأن ما نفعله كقراء برواياته خطير ومؤذ. فلا أحد من المغاربة اشترى روايته الأخيرة. ولا أحد دفع فيها فلسا واحد. ومنذ اليوم الأول لصدور “سيروتونين” كانت متوفرة عند الجميع. وكل من أعرفهم قرصنوها. وكلهم قرأوها وكتبوا عنها وحللوها وأبدوا رأيهم فيها. ولا أحد منهم استمع إلى نصيحة الطاهر بنجلون الذي حدد للمغاربة ماذا يقرأون وماذا لا يقرأون. ورغم أنه وصف قارىء ويلبيك بالقارىء المازوشي. واعتبره كاتبا بلا أسلوب. واستكثر عليه أن ينال وسام الشرف من رئيس الجمهورية. فإنهم لم يهتموا بنصائحه. وأقبلوا على قراءتها كما لم يقبلوا على قراءة رواية من قبل. وبسرعة وصلوا إلى الصفحة الأخيرة. وتنافسوا على من ينهيها قبل غيره. ومن بين أكثر من 300 ألف نسخة طبعت من الرواية لم يدفع القراء المغاربة ولا ثمن نسخة واحدة. ولا أورو واحد حصل عليه ويلبيك وناشره منا. ثم يأتي من يتساءل لماذا هذا الكاتب يكره المسلمين. ولماذا اعتبر في رواية سابقة الإسلام الديانة الأكثر غباء. فالأمر واضح. ولا يحتاج إلى تفسير. ولي أصدقاء سهروا الليل ينتظرون نزول روايته في مواقع قرصنة الكتب. وبمجرد ظهورها شرعوا يوزعونها على أقاربهم. وعلى الأصدقاء وعلى الأعداء. وقد توصلت شخصيا بأكثر من نسخة إلكترونية من أكثر من شخص. وحصلت عليها في الواتساب. ومن لم يرسلها إلي في الواتساب بعثها إلي في المايل. وفي الفيسبوك. وجاءتني من فرنسا. ومن أمريكا. ومن حي شماعو. حين تلفن لي صديق. وطلب مني النزول لأخذ نسختي. وهناك من اقترح علي فوتوكوبي لها. وواضح أن ميشيل ويلبيك على علم بكل هذا. وواضحه أن موقفه منا نابع في الحقيقة من الخسائر التي نكبدها له. فيغلف ذلك بشوبنهاور. وبنزعة كاذبة تتعلق بكرهه للبشر عموما. أما حين يسيء في روايته الجديدة للهولنديين. ولفرج صديقته اليابانية. وفمها الضيق. وللون بشرتها الذي لا تظهر عليه حمرة. وأما حين يتحدث بطل روايته قائلا”لم يكن هناك أي صيني في فندق شينشون… لكن الصينيين سيأتون، بالتأكيد سيأتون، لم يكن لدي أدنى شك في أنهم سيأتون”. فلم يكن يقصد صراحة الهولنديين ولا تلك اليابانية ولا الصينيين. بل القراء المغاربة. وقد كتب ما كتب من أجل التمويه. وكي لا تلزق به التهمة. ولكي لا نجرجره في المحاكم. وكي لا نصدر فتوى تبيح دمه. ولأنه يعرف أن الموضوع سيكون مسليا ومثيرا بالنسبة إلى الهولنديين. وسيدفعهم إلى اقتناء روايته. وزيادة أرباحه. وأنه سيكسب مزيدا من القراء في اليابان. وفي آسيا عموما. بعد أن ضمن شعبية كبيرة وقراء أوفياء في ألمانيا وإيطاليا. أما ما تتضمنه الرواية من جنس. ومن تشييء للمرأة. ومن وصف دقيق لأزمة الحضارة الغربية. وإعلان نهايتها. ونهاية الحب. والعلاقات الإنسانية. ومن بؤس. ومن قلق وسأم يتعرض له الفرد في فرنسا وفي الغرب. فهو كله تلميح إلى وجود قارىء مغربي يهدد ميشيل ويلبيك. قارىء متحفز لقرصنته. ولقراءته مجانا. قارىء يكذب كل اداعاءاته وكل نبوءاته ويؤكد أن البشرية بخير. وأنه من نزعة الكره لدى كاتب. يمكن أن تنتعش القراءة في المغرب. ويمكن أن تتعايش الثقافات. وأن يتم كسر الهيمنة. والاحتكار. وتقليص الأرباح. وتلطيف الجشع. وهذا ما استنتجه من قراءتي المقرصنة والماتعة للرواية إنها ببساطة تدوير لما جاء في أعمال ويلبيك السابقة والجديد هذه المرة هو أن المغاربة سيرغمون ويلبيك على تخصيص عمله القادم لهم هذا إن لم يصب بالخيبة وبالقلق وينتحر بسببهم قبل أن ينجزه وقبل أن ينتقم منا ويصفي حساباته معنا. والجميل في هذه القصة، أنها تكذب من يقول إن المغاربة لا يقرأون. إذ يكفي أن تمنحهم كاتبا مستفزا ومثيرا ورواية فيها بهارات جنس. ولغة مباشرة ومتقشفة وخالية من الشقشقات. وتذهب إلى فكرتها دون لف ولا دوران فيقرأونها قبل أن توزع وقبل أن تصل إلى المكتبات ويقرأون نسختها الأولى الإلكترونية. وغير الرسمية.وغير المصححة. والمليئة بأخطاء في علامات الترقيم والربط بين الجمل. نسخة لم يطلع عليها إلا الصحفيون والنقاد ونحن المغاربة. لذلك لا تخبروا الطاهر بنجلون فقد يغضب منا وقد يعتبرنا مازوشيين وقد يبلغ عنا. وقد يتوقف عن تقديم النصائح لنا.